هكذا تستمر لعبة الحياة التي تتجلى بطاقة الانسان المبثوثة على هذه الارض، مرة بالسيف، ومرة بالمدفع او الطائرة، ومرة بالكرة التي تمثل اخر تجليات نصر الانسان، وربما اوله، لانه صار يكتشف انسانيته بشكل اجمل... وعاشت الرياضة، وعاشت كرة القدم!...
يرى بعض الفلاسفة، ان الحروب عبر التاريخ، خصّبت روح العالم. فالحروب لم تكن مجرد اصطدام الجيوش ببعضها، بل هي صراع ارادات.
الصراع يستلزم اعداد الجماعات او الامم لمواجهة "العدو" في الهجوم او الدفاع معا. والاعداد يعني استنهاض الهمم وتعبئة الجهد الجمعي، من اجل تحقيق "النصر".
ومع استمرار الحروب تطورت آلة القتال، وتطورت معها وسائل التعبئة في الاقتصاد وغيره. ومع التداخل القسري الذي تفرضه ثنائية "المنتصر- المهزوم" يحصل الاحتلال او الفتح، وتحصل المقاومة التي تتخذ اشكالا عدة، من بينها الاستفادة من خبرة المنتصر نفسه! بعد ان يقرأ المهزوم الدروس، ويحصل التلاقح الثقافي بين الجماعات التي غدت امما فرضت عليها الحروب الالتقاء والتعارف، سواء كان مقبولا اومرفوضا! لتحصل الترجمة (من عرف لغة قوم أمن شرهم)!
هكذا تركت البشرية خلفها تراثا هائلا من الملاحم، وقبلها الاساطير، ثم الروايات والمسرحيات التي دونت فجيعة الانسان وزهوه، ذكاءه وغباءه، قوته وضعفه، حتى وصل الانسان الى مرحلة وجد فيها نفسه امام جبروت الآلة العسكرية الحديثة التي صنعتها يداه، وايضا امام الآلة المدنية التي رافقتها او تساوقت معها، في رحلة مدهشة ومضنية ايضا! ووجد نفسه ايضا امام حقيقة مخجلة، تقول ان الاخر او "العدو" هو انا، وان الامر كله لايعدو سوى تبادل ادوار، او خداع بصر وبصيرة.
الا ان الاكتشاف الاهم على الاطلاق، هو ان البشرية مهما ادعت من عبقرية ونباهة، في تدبر امورها، فان الشي الاساس الذي كان يحركها ويدفعها تجاه بعضها البعض، هو طاقة خفية متحكمة بالوجود باكمله، وان من اقباس تلك الطاقة الهائلة التي تحرك موجودات الكون، هو الطاقة البشرية التي يجب ان تستفرغ، بما يجعل الحياة مستمرة، بعد ان كان الانسان نفسه مجهولا امام اخيه الانسان، وان سبل تفريغ هذه الطاقة المخزونة في اعماق الانسان، لم يعد في الحروب العسكرية وحدها، بل ان الحروب العسكرية صارت محط ازدراء العقل، الذي صنع وسائلها، ومازال يتفنن بها للاسف! لكنها في العموم باتت منبوذة ومرفوضة، ولو من حيث المبدأ، بعد ان كان المبدأ يقول بضرورة الفتح والاحتلال، ويعده من المفاخر التي تستحق ان تدوّن لتمتلئ بمفرداتها الاجيال زهوا وفخارا!
لقد كانت محاولات الانسان الاولى في الرياضة، بصفتها وسيلة لتفريغ طاقته واشباع غرور القوة لديه، منسجمة مع منطق العصر وقتذاك، واقتصرت على اختبار القوة الجسدية، مع القليل من الفن او التفنن. اما الرياضة اليوم باشكالها المتعددة، فانها صارت تستنهض قوة الفن وحسن تصريف القوة بمفهومها الشامل، المعتمدة على ادارة اللعبة الجماعية ومنها او ابرزها لعبة كرة القدم، التي بات فيها المدربون بمثابة الجنرالات الذين يديرون معركة جميلة لم تسفك فيها الدماء، وانما تبرز فيها المواهب، التي تظهر في حركات "جنودهم" او لاعبيهم الذين ينفذون الخطط، وان الانتصار الذي كان في العصور القديمة يتوج بوضع راس او رؤوس المهزومين على الرماح، بات اليوم يتمثل بالكؤوس، التي تختزل المفهوم الرمزي للانتصار على الاخر، والذي لم يستنفد بالكامل، بل انه كامن يبحث عن "جنرال" او مدرب اكثر كفاءة ليظهرها.
هكذا تستمر لعبة الحياة التي تتجلى بطاقة الانسان المبثوثة على هذه الارض، مرة بالسيف، ومرة بالمدفع او الطائرة، ومرة بالكرة التي تمثل اخر تجليات نصر الانسان، وربما اوله، لانه صار يكتشف انسانيته بشكل اجمل... وعاشت الرياضة، وعاشت كرة القدم!.
اضف تعليق