رسم مجموعة من الخطوط تعني إشارة الى شيء ما، قد يكون خياليا او حقيقيا، وفي اغلب الأحيان يكون الرسم إشارة الى هدف معين يمكننا الاستعانة به في حال التيه عن جادة الطريق، او معرفة الطريق نفسه اذا لم نكن على علم بدروبه سابقا. واذا أراد المواطن العراقي التنقل بين مدن البلاد المختلفة فلا سبيل له لمعرفة الطريق الى خبراته السابقة وحدسه في ذلك، او التوقف عند كل تقاطع لسؤال الناس حول الطريق الأنسب لوجهته التي يقصد الذهاب اليها...
رسم مجموعة من الخطوط تعني إشارة الى شيء ما، قد يكون خياليا او حقيقيا، وفي اغلب الأحيان يكون الرسم إشارة الى هدف معين يمكننا الاستعانة به في حال التيه عن جادة الطريق، او معرفة الطريق نفسه اذا لم نكن على علم بدروبه سابقا. واذا أراد المواطن العراقي التنقل بين مدن البلاد المختلفة فلا سبيل له لمعرفة الطريق الى خبراته السابقة وحدسه في ذلك، او التوقف عند كل تقاطع لسؤال الناس حول الطريق الأنسب لوجهته التي يقصد الذهاب اليها.
في الحملة الانتخابية التي تدور رحاها هذه الأيام أصبحت هذه القضية اسهل قليلا، فالمسافر يستطيع معرفة الطرق من خلال يافطات المرشحين والكيانات السياسية التي يعرفها حق المعرفة نتيجة ظهورها المتكرر على شاشات التلفاز، فكل مرشح سيملأ الشوارع والتقاطعات بصوره، مرفقة برقمه الانتخابي ورقم قائمته، وبما ان المواطن يعرفه الى أي محافظة يرشح فانه سيعرف من خلاله موقعه ان كان في المكان الصحيح ام لا، لتصبح صور المرشحين بديلا فعليا عن اللافتات الارشادية التي تضعها مديريات المرور وتوقف العمل بها منذ زمن طويل.
التقاطعات في الشوارع والطرق العامة تكون ارضا خصبة للفضاء الرمزي، يزع فيها من يشاء مقتنياته التي يريد الترويج لها، او يعرض الخدمات التي يقدمها للناس سواء كانت تلك الخدمات رسمية كما هو الحال في المؤسسات الحكومية، او خدمات تجارية كما تقوم شركات القطاع الخاص ورجال الاعمال.
ولا يشمل الفضاء الرمزي الذي يروج له في الطرقات العامة الخدمات فقط، انما يصبح منبرا للتنافس السياسي، الذي يقره القانون ويسمح بموجبه لكل من تتوافر فيه الشروط ان يعرض برنامجه السياسي على شكل يافطات كبيرة او صغيرة، (وكل ذلك له دلالة معينة)، حسب ثقل الشخصية السياسية او الحزب.
في بعض الأحيان تتزاحم الطرق العامة حتى مع الخدمات الرسمية التي تقدمها الدولة للمواطنين والتي يفترض ان لها الأولوية على الترويج التجاري والسياسي الذي يحتل الشوارع بيافطات براقة، صممت وفق احدث وسائل الإعلان العالمية، وهو ما يثير تساؤلات عن حقيقة البرامج الانتخابية التي تريد اصلاح الوضع الحالي، فاليافطات التي نصبت على طرقات العراق تكفي لوضع إشارات مرورية حتى في اصغر المناطق وأكثرها شعبية لدى الناس.
والشوارع التي يفترض ان تحتوي الخدمات الحكومية بشكل أساسي ومنها العلامات المرورية الدالة على اهم الأماكن في المدن غائبة تماما عن مختلف شوارع البلاد، واذا ما وجدت فانها تؤشر الى مناطق عامة جدا ومعرفة لدى الغالبية العظمى من الناس، اما في داخل المدن فتكاد تخلو الشوارع من أي علامات دالة على المراكز الرئيسية في المدينة ما يجعل المواطن يعتمد على حدسه أولا وطرح السؤال على الناس في حال تعذر عليه العثور على المكان المطلوب.
وتعد خدمات الإشارات المرورية اكثر الأمور التصاقا بحياة الناس وحاجياتهم الى سلوك الطريق الأفضل للوصول الى المكان المطلوب بأسرع وقت ممكن وباقل التكاليف المادية، الا انها ورغم أهميتها الكبيرة تغيب بشكل مثير للغرابة، وتتحجج الحكومات المتعاقبة التي يفترض ان توجه بضرورة الاهتمام بحاجيات الناس بان هناك مجموعة من الصعوبات التي تعترضها تحتاج الى سنوات لمعالجتها.
في الحملات الانتخابية التي ستجري في الثاني عشر من شهر أيار الجاري، كشفت عودة التبريرات الحكومية بعدم اصلاح المنظومة المرورية المعطلة، فمن غير الممكن ان تسير من وسط العراق الى جنوبه دون ان تعرف في أي مدينة انت الا اذا كانت لديك معرفة مسبقة بها او سالت الناس هناك، وبدون هاتين الطريقتين لا إشارات تضعها الجهات الرسمية لتعرف مكانك، الا اذا ما استعنت ببرنامج تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية.
عندما تغيب إشارات المرور التي تمثل الوجه الحضاري لاي دولة وتحضر البرامج الانتخابية الكبيرة، فانه لا تحتاج لدليل على عدم مصداقيتها، فالمرشح الذي ارتضى لنفسه ان يضع صورته في شارع يخلو من علامات تطبيق القانون لا يمكن الوثوق به ولا بالخطابات التي يطلقها.
اضف تعليق