ان الانسحاب الأمريكي سيعني إخلاء الساحة نهائيًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بات حاكم الشرق الأوسط، وهو الشخص الذي تراه الأوساط المعادية له بانه سيسمح للإيرانيين بمساحة هائلة للمناورة في وقت يستطيع هو وبكل مهارة المناورة بلا حدود أمام كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان...
تصريح مقتضب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعلن من خلاله التجهيز للانسحاب من سوريا، في اقرب وقت. أصاب هذا الكلام دول المنطقة بحالة من الترقب، لا سيما وانه يتناقض مع منهج ادارته الجديدة التي توصف بانها حكومة حرب ولديها رغبة جامعة لصناعة مواجهة كبرى مع ايران.
الإدارة الامريكية يفترض انها حزمت خططها لمواجهة ايران في الشرق الأوسط، بعد تنصيب جميس ماتيس وزيرا للدفاع، وهو المعروف بتشدده تجاه طهران، ومايك بومبيو وزيرا للخارجية بعد ان كان مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، يضاف لهم جون بولتون كمستشار للامن القومي، وهو المعروف بانه عراب الحرب ضد العراق ومستعد لشن الحرب ضد ايران في أي لحظة.
التحليلات الغربية لتصريحات ترامب تساءلت عن الغموض الذي يلف الإدارة الامريكية، ووجدت فيها نوعا من التلاعب بالراي العام ومحاولة للبقاء تحت الأضواء من خلال طرح اكثر القضايا إشكالية على المستويات الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل من اعظم دولة في العالم في مهب النزوات الشخصية لرئيس يجد مصلحته فوق كل شيء.
وتستدل بعض كتابات المحللين الاستراتيجيين على فرضية "النزوة الترامبية" بان الجميع لم يعلم بقراره حول الانسحاب من سوريا حتى وزارتي الخارجية والدفاع، ما يعني ان ترامب يتعامل مع قضايا السياسة الخارجية بنوع من الارتجالية والمصالح الشخصية.
في الجانب الاخر تعاملت بعض التحليلات مع الحدث بانه جدي، لان كلام ترامب لا بد وان يتحول الى سياسة واقعية على الأرض، فهو ديكتاتور جاءت به الديمقراطية، ولذلك ركز بعض خبراء السياسة الدولية على ما سيحدث في اليوم التالي لخروج الولايات المتحدة الامريكية من سوريا.
روسيا وايران وتركيا هم الحلف الذي سيملأ الفراغ حتما، لكن الحصة الأكبر ستكون لصالح الروس والإيرانيين، فموسكو ستحقق نصرا استراتيجيا طويل المدى ضد واشنطن، وبذلك يحقق فلادمير بوتين أحلامه بوضع قدم ثابتة له في المياه الدافئة.
في حين سيكون النصر الإيراني مشابها للروسي او أكثر أهمية، وهذه الأهمية نابعة من طبيعة الصراع الإيراني الامريكية، وتشابكه مع صراعات فرعية مع إسرائيل والسعودية ودول الخليج الأخرى، اذ ترى هذه الدول بان اخلاء الساحة لإيران يعني الإعلان الرسمي للانتصار الإيراني الاستراتيجي في سوريا، وتحقيق طموحات المحور الإيراني الرامية الى تامين طريق بري يربط بغداد بدمشق الى بيروت.
هذه المخاوف دعت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الإسراع في التعليق على تصريحات الرئيس الأمريكي، اذ قال بن سلمان ان أي انسحاب امريكي من سوريا يجعل من المواجهة مع ايران اصعب، حتى انه استخدم لغة مختلفة عن الماضي من خلال اقراره بان الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى في السلطة، وعليه ان لا ينجر كثيرا مع ايران، وكانه إقرار مبكر بالانتصار الإيراني.
وعلى خطى الحليف السعودي اعتبرت إسرائيل ان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عزمه سحب قوات بلاده من سوريا، "ضربة إستراتيجية ستحل على إسرائيل، وبمثابة انتصار كبير لجميع الكيانات والجهات التي تشكل تهديدًا على الغرب". وفي هذا السياق قال تقرير نشره موقع "نيوز إسرائيل" العبري، ان الغرب تنتابه "حالة من القلق الشديد عقب تصريح ترامب حول الانسحاب من سوريا، لا سيما أن الصيغة التي استخدمها تعني أن جميع الكيانات المعادية للغرب قد حققت انتصارًا"، في إشارة إلى القوى الداعمة للحكومة السورية ولا سيما القوات الروسية والإيرانية العاملة هناك.
هناك شبه اتفاق بين اراء خبراء السياسية الدولية على ان الانسحاب الأمريكي سيعني إخلاء الساحة نهائيًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بات حاكم الشرق الأوسط، وهو الشخص الذي تراه الأوساط المعادية له بانه سيسمح للإيرانيين بمساحة هائلة للمناورة في وقت يستطيع هو وبكل مهارة المناورة بلا حدود أمام كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ومن المفارقة ان يشارك الرئيس التركي بصفة المنتصر والخائف كما الإسرائيليين والسعوديين حتى وان كان يعقد لقاء قمة مع الروس والإيرانيين، لأن الانسحاب الأمريكي سيعني تزايد النفوذ الروسي بشكل هائل، وفقدان التوازن في القوى مع دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالنفوذ في الشرق الأوسط.
قد يكون هناك حل وحيد لدفع الرئيس الأمريكي للتراجع عن قراره، وهو تعجيل السعودية ودول الخليج بتنفيذ بنود خطة السلام الكبرى، التي يطلق عليها "صفقة القرن" لأنها تعتبر العلامة الفارقة في تنفيذ وعوده للناخبين الأمريكيين الذين وعدهم بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وهذا الهدف الذي يطمح اليه ترامب بدأت ملامحه تظهر، اذ اقر ولي العهد السعودي ولأول مرة، بحق إسرائيل بإقامة دولة لها، خلال حواره مع مجلة "اتلانتيك" الامريكية، وهو يعد مقدمة صريحة لتنفيذ "صفقة القرن"، ليكمل ترامب كل التزاماته تجاه ناخبيه حتى وان أدت الى تخريب العالم او التقدم نحو الامام، فالمهم عنده تحويل ما يدور في ذهنه من أفكار الى سياسة على ارض الواقع.
اضف تعليق