هناك من يعمل في حقل السياسة لتحقيق مآرب وأهداف شخصية، كجمع الاموال والاستئثار بالمناصب والتعيينات العائلية والحزبية وما شابه، غافلا عن بناء الدولة المدنية القوية المستقرة، كذلك هناك من يعمل لصالح انتمائه الأصغر، وفي كلا الحالتين، يتم تضييع فرصة البناء السليم والقويم للدولة
أسابيع قليلة ستمرُّ سريعا، ليدخل الناخب العراقي في تجربة أو دورة جديدة للانتخابات النيابية، ولا يستبعد المهتمون بالشأن العراقي أن تكون هذه الدورة فرصة لتعديل اتجاه بوصلة بناء الدولة العراقية التي انحرفت صوب خطوط الفساد والإرهاب وهما كما يقول كثيرون (وجهان لعملة واحدة)، فالفساد مدعوم بالتطرف والجهل والعكس صحيح، فهل ستكون دورتنا الجديدة، فرصة لإعادة بوصلة البناء إلى الاتجاه الصحيح؟.
إن هذا الأمر منوط بمن يدخل معترك السياسة بأمانة تقوده المعرفة والثقة والاتزان، وتُصبحُ أخلاقه كالميزان الدقيق الذي يفرز بين الصدق والكذب، الإخلاص والغش، الإيثار والاستئثار، فالدورة الانتخابية القريبة، لا يليق بها غير المرشَّحين الأمناء، العارفين بفن السياسة والإدارة، المحصنين بالأخلاق والمبادئ، فما عاناه العراقيون خلال عقد ونصف مضى من فشل السياسيين، أفقدهم الثقة بقادتهم، خصوصا أنهم يتبارون فيما بينهم بخاصية الاستحواذ والنهب.
لذلك دورتنا القادمة ومرشّحيها يجب أن تقتصر على الأمناء من الساسة، حتى لا تذهب هذه الفرصة سدى كالفرص السابقة، على أننا نفهم الساسة المحنكين، هم أولئك الذين يسعون بإصرار نحو بناء الدولة القوية، حتى يبنون حاضرهم ومستقبلهم السياسي بقوة، ويكسبون تأييد شعبهم، فضلا عن دخولهم صفحة التاريخ الناصعة، إذا كانت جهودهم من النوع الذي يُسهم في تطوير الدولة والمجتمع، وقد سجلت لنا صفحات التاريخ، كثيرا من المواقف المشرفة، لأولئك القادة والساسة الذين خدموا دولهم وشعوبهم بأمانة وإخلاص، فاستحقوا الخلود على مواقفهم ومساعيهم، التي تنم عن نكران للذات، وإيمان بالشعب والأمة والوطن الذي ينتمي له السياسي بفخر، ليس من باب التطرف، او التفكير الشوفيني العنصري، بل من واجب العاملين في السياسة، العمل بأمانة وحرص وخبرة لبناء الدولة، وعدم تضييع الفرصة الجديدة المتاحة لهم بعد أسابيع لا أكثر، في الدورة الانتخابية المقبلة التي أفرزت لغطاً واسعا، وآراء لا حصر لها، منها من يعلن المقاطعة الجماهيرية، ومنها من يرى في المقاطعة خطأ إستراتيجيا لا يخدم العراق ولا شعبه.
مخاطر مقاطعة الانتخابات
أما المقاطعة فأسبابها معروفة، سببها فشل قادة البلاد خصوصا في مجال إدارة الثروات والأموال، وأما أهمية الاقتراع، فتكمن في المخاطر التي تتولد من عدمه، حيث يعطينا التاريخ والواقع مثالا واضحا ومعروفا لنا جميعا، حول هذا الجانب، فلقد ضاعت أرض ودولة فلسطين بسبب أنانية السياسيين الفلسطينيين، بعد أن أهدر هؤلاء الفرصة تلو الأخرى، منذ عام 1948 والى الآن لبناء دولتهم، وبدأت أرض فلسطين تُقضَم شيئا فشيئا، وتتلاشى مع كل فرصة يتم تضييعها على أيدي السياسيين، وها أن الساسة الفلسطينيين وجدوا أنفسهم مرغمين على التفاوض مع الطرف الآخر، لكي يحصلوا على جزء بسيط منها، ولم يحصلوا عليه حتى الآن، بسبب مماطلات الكيان المغتصِب واستصغاره للمفاوض الفلسطيني، بالإضافة الى طمعهم المعروف بالاستحواذ على اكبر قدر ممكن من ارض فلسطين، وفي حالة حصول الساسة الفلسطينيين على جزء من ارضهم في قادم السنوات، وهو أمر يخضع للاحتمال، فإن حدوثه سيكون مرتبطا بشروط ربما تكون مقرونة بالإذلال!، هذا هو المثال الحي على عدم تعامل الساسة (قادة كتل وأحزاب وشخصيات مستقلة) مع الفرص التي تلوح لهم وتصبح بين أيديهم لكنهم لا يغتنمونها.
أما المُراد من الساسة القادمين بقوة كما يبدو إلى المجلس التشريعي، فعليهم أن لا يخسروا فرصة التغيير، لأن من يخسر الفرصة التاريخية التي تتاح له لبناء الدولة، قد لا يحصل على فرصة أخرى، وقد تضيع الدولة، والمسؤول هم بعض الساسة الذين يعملون في المجال السياسي، كما يحدث في العراق، إذ من الواضح أن بعض من ينتمي الى الطبقة السياسية من العاملين في الميدان السياسي، خاصة القادة منهم، أي قادة الاحزاب والمنظمات والكتل والمؤسسات وما شابه، هؤلاء هم المسؤولون عن تضييع فرصة بناء دولة العراق القوية المصانة، فضلا عن مسؤوليتهم لاحتمالية تفتيت البلاد وضياع الفرص فرصة تلو أخرى.
السياسي والتفكير بالمصلحة الخاصة
وحين البحث عمّا يقف وراء هدر فرص البناء، فإنها تختبئ وراء الأسباب التي تشغل بعض السياسيين في العراق عن بناء دولتهم، وهي واضحة كل الوضوح للمراقب والمتابع، بل حتى المواطن البسيط يتحدث اليوم بصوت عال عن الأخطاء الكبرى التي يرتكبها بعض السياسيين بحق العراق، والسبب دائما، هو عدم تفكير بعض القادة خارج إطار المصلحة الخاصة، الفردية والحزبية معا، بمعنى هناك من يعمل في حقل السياسة لتحقيق مآرب وأهدافا شخصية، كجمع الاموال والاستئثار بالمناصب والتعيينات العائلية والحزبية وما شابه، غافلا ومتغافلا عن قضية اهم واهداف اكبر، تتمثل في قضية بناء الدولة المدنية القوية المستقرة، كذلك هناك من يعمل لصالح حزبه، أو انتمائه الأصغر، على حساب بناء الدولة أيضا، وفي كلا الحالتين، يتم تضييع فرصة البناء السليم والقويم للدولة، وضمان الحريات والرفاهية وحقوق الشعب الأخرى.
ولكن لا تقع المسؤولية كلها على الساسة في ضياع الفرص، فالناخبون تقع عليهم مسؤولية كبيرة أيضا، منها أنهم يتحملون مسؤولية اختيارهم السابق في الدورات البرلمانية السابقة، ومنها حاليا إذا قاطعوا الانتخابات، فإنهم كشعب سوف يساهمون في وصول نواب غير قادرين على إنقاذ العراق من عنق الزجاجة الذي يسعى للخروج منه، فالعراق كما هو واضح، حصل على فرصة تاريخية، في إطار وضع الأسس الصحيحة لبناء الدولة، وهذه الفرصة قد لا تتكرر ابدا، وفي حالة هدرها، هذا يعني خسارة الفرصة الذهبية، وفي حقيقة الأمر خسارة بناء دولة العراق المرفّهة القوية المتطورة، تعد خسارة للجميع، بمعنى لا احد يربح من هذه الخسارة، حتى أولئك الساسة الذين يتسببون بحدوثها عن عمد او بلا قصد، لهذا لابد أن يدرك السياسيون القادمون بجدية عالية، أن الفرصة المتاحة لهم الآن بخصوص بناء الدولة المدنية، قد لا يحصلون عليها مجددا، وربما يتسبب هؤلاء بتفتيت دولة عريقة، لها كيانها وتاريخها المعروف للجميع، فالمطلوب إذاً أن يتحمل السياسي العراقي مسؤوليته بأمانة وإخلاص، للسير في مسعى بناء الدولة القوية المستقرة، وعندما توضع رؤية جماعية واضحة في هذا المسار، ويتم التخطيط لها بقوة وإصرار ودراية وإرادة جماعية قوية منسجمة، ويتم تفضيلها على المصالح والمنافسات الخاصة، ستكون هناك خطوة جبارة لبناء الدولة التي سيكون بإمكانها أن تواكب بحق، الركب العالمي المدني المتقدم، خصوصا إذا كان المتصدون الجدد لحمل مسؤولية قيادة الدولة أهلا لهذا الدور الكبير.
اضف تعليق