q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

أنا سأنتخب

شعارات برّاقة ومواطن بلا حقوق

عند أعتاب كل دورة انتخابية، اعتادت الطبقة السياسية، أو المستعدون للترشيح، على إطلاق الوعود والشعارات البرّاقة عن أهمية المواطنة والوطن، وتشير فحوى هذه الشعارات والوعود إلى مضامين غاية في الجودة والامتثال لحقوق الشعب، إلا أننا كعراقيين سرعان ما نصطدم بعد انتهاء الانتخابات، بنسيان الفائزين والحاصلين على مقاعد في البرلمان ومناصب مهمة في الحكومة، لوعودهم التي وعدوا بها الناس، وشعاراتهم التي طمأنت الناخبين والشعب، بأن النواب الفائزين سوف يلتزموا بما أطلقوه من شعارات ووعود.

لكن تجربة المواطن مع الدورات الانتخابية باتت واضحة، حيث ينشغل المسؤول بمصالحه الفردية والعائلية والحزبية وينسى من أوصله إلى ما هو عليه من علو شأن وجاه وسلطة، هذا الواقع المؤسف لا ينحصر بالعراق وحده، إذ غالبا ما يتحدث الحكام والحكومات الشرق أوسطية عموما والعربية خصوصا، عن الوطن والشعور بالمواطنة، وتُرفَع الشعارات البراقة التي تمجد الوطن وتحث الجميع على حبه والإيمان به وخدمته والدفاع عنه حتى آخر قطرة دم!، في المقابل يُصاب الحكام وحكوماتهم بحالة من الخرس المزمن عندما يتعلق الأمر بالمواطن وحقوقه، وكأنهم لم يعدوه بشيء ولم يرفعوا شعاراتهم البرّاقة.

في الحكومات الفردية أو ما تسمى بالدكتاتورية الفاشلة، يحصل الشيء نفسه في الانتخابات، وتُرفع شعارات رنّانة كلها لصالح الوطن والمواطن، ولكن عندما نأتي على الحصيلة، فإن جميع الوعود والشعارات تذهب أدراج الرياح، ولا يستفيد سوى المسؤول وأبناؤه والجهة السياسية التي ينتمي إليها، وهكذا يتم توظيف الاستحقاق الوطني لصالح المرشّح الفائز وذويه وحزبه، فكل المسؤولين يطلقون الكلام والشعارات التي تتعلق بالوطن لأجل غاية معروفة، ويُهمل المواطن ويُقصى وتُقصى معه حقوقه المدنية، أو تلك التي تتعلق بسكنه وعيشه وخدماته، وبهذا صرنا إزاء ظاهرة نسيان الوعود ونكرانها، وهي ظاهرة يعتمدها السياسيون الفاشلون في محاولة لتثبيت حكمهم، يعاونهم في ذلك بطانتهم ومن ترتبط مصالحه معهم، فيما يبقى الشعب وعموم الناخبين يعانون الأمرّين بسبب عدم وفاء الساسة بوعودهم.

النتائج الخطيرة لمقاطعة الانتخابات

مع أننا سوف نصل إلى نتائج خطيرة لهذه الظاهرة، أقل ما يُقال عنها أنها مدمِّرة للوطن، فحين يشعر المواطن ويلمس لمس اليد إهمال الحكومة له بعد أن ذهب للانتخابات ووضع صوته في صناديق الاقتراع، وتبني المسؤولين الفائزين لشعارات براقة وكاذبة في نفس الوقت، فإنه سيفقد الشعور بالمواطنة، وسيصبح الوطن بالنسبة له كذبة كبيرة لا يستطيع تصديقها، لأن الوطن لا يقدم له الحياة الكريمة المرفّهة، في الوقت الذي يعاني من الإهمال الحكومي المتواصل، وهو يرى بعينه عمليات الاستحواذ الكبيرة والمتواصلة على ثروات وخيرات البلد من لدن رؤوس في الدولة والحكومة والطبقة السياسية الحاكمة او العاملين في السياسة، ويتم احتكار المناصب والامتيازات والمنافع المادية الهائلة من قبل الطبقة الحاكمة، فيما يتلظى المواطن بنار الفقر، ويعاني الإهمال والتجهيل المقصود، والعيش في ظروف تمتهن كرامته وتحد من تطلعاته المشروعة في العيش الكريم، داخل وطنه الذي ولد فيه وتربى وترعرع في أجوائه وخيراته، لذلك لا يستطيع المواطن أن يشعر بقيمة وطن لا يمنحه الحقوق والخدمات التي تصون حياته من الامتهان والتجاهل والإقصاء، بالإضافة إلى حالات التجويع التي تتعرض لها شريحة كبيرة من الفقراء بحسب النسب الرسمية الصادرة من وزارة التخطيط، حيث تصل نسبتهم قرابة النصف في بعض المحافظات، حيث أفرزت حالات الفساد، والتضخّم والغلاء، والإهمال التشريعي والتنفيذي، شريحة تعيش تحت خط الفقر تصل نسبتها إلى 23% من الشعب العراقي وفقا لبيانات وزارة التخطيط، وقد ارتفعت هذه النسبة في محافظات عديدة.

بالطبع مثل هذه النتائج الإدارية الاقتصادية الفاضحة، نتجت بسبب نسيان المسؤولين لوعودهم قبل الانتخابات، وتركيزهم على مصالحهم ومنافعهم المادية، والآن يستذكر الناخب العراقي تجاربه السابقة مع الكتل والأحزاب السياسية التي أقبلت نفسها على الترشيح للانتخابات، ولا يخفى على أحد أن هنالك دعوات تلقى صدى للعزوف عن الإدلاء بالصوت الانتخابي، السبب واضح تمام الوضوح، ولا يمكن أن يُلام المواطن على ذلك، لكن الخطورة تكمن في فسح المجال للسياسي الفاشل بالوصول إلى مآربه في حالة العزوف عن الانتخاب، نعم قد لا يدرك الناخبون الذين اتخذوا موقف عدم المشاركة في الانتخابات، ما هي العواقب الوخيمة لعزوفهم ولموقفهم غير المدروس، حيث يسهل انتخاب الفاسد من التابعين له الذين يشتريهم بالمال، وهو ما مسروق من ثروات الشعب أو نسبة كبيرة منه.

قد يصبح المواطن عدوّاً لنفسهِ

لذلك ينبغي أن يتنبّه الناخبون والشعب إلى هذه المواقف ونتائجها الخطيرة في حالة مقاطعتهم للانتخابات، ربما يقول بعضهم، إن انتخبت وأدليت بصوتي أو لم انتخب، فالوجوه التي جرّبنها سابقا سوف تعود نفسها كما حدث في جميع الدورات الانتخابية، ولكن مثل هذا الموقف لا يعبر عن شجاعة ولا يؤكد الشعور بالمسؤولية، إنما هو هزيمة ساحقة لصالح الساسة الفاشلين، نعم هذه الحقائق المحبِطة تؤدي الى عواقب وخيمة، أخطرها، أن يتحول المواطن إلى عدو لنفسه وشعبه ووطنه، حيث يعتمد النهج الفردي الأناني، الذي لا يتفق مع العمل الجماعي، فضلا عن حالات الانحراف التي قد تقوده إلى تبرير الفساد والتجاوز على حقوق الآخرين، وهكذا يدفع الشعور بالإهمال والتجاهل إلى حالات وظواهر خطيرة ليس على الفرد وحده بل على المجتمع برمته، والسبب أولا وأخيرا هو التقصير الحكومي والمؤسساتي في عدم تلبية الحاجات الأساسية للمواطن كي يتمسك بوطنيته وشعوره بالولاء الحازم لوطنه، وفي كل الأحول لا يصح التخلي عن حق الانتخاب تحت أية ذريعة كانت، فالعزوف الانتخابي سوف يضاعف مرات ومرات فرص عودة الفاسدين إلى مناصبهم، ويبقى حال الوطن والمواطن على ما هو عليه إن لم يتدنى إلى ما هو أسوأ بكثير.

لذلك ينبغي على الناخب العراقي التنبّه بصورة حاسمة إلى قضية العزوف عن الانتخاب، وحين يتم حساب نتائج هذا الموقف بطريقة علمية دقيقة ومتوازنة، سوف يظهر لجميع المواطنين المشمولين بحق الاقتراع، بأنهم في حالة المقاطعة، سوف يفسحون المجال واسعا أما تغلغل الفاسدين أكثر في مؤسسات الدولة المختلفة، فيكون العراقيون مرة أخرى أمام الأزمات نفسها، وبؤر الفساد تتضاعف أكثر، وحال المواطن يسوء أكثر فأكثر، وعندها سنفهم أننا ساهمنا بفسح المجال بأنفسنا للفاشلين بالعودة إلى مناصبهم التي لا يستحقونها، لذا علينا الانتباه جيدا، وإعادة النظر بمواقفنا، وحساب الموقف من الانتخاب أو عدمه بصورة رياضية لا تقبل الاحتمال أو الخطأ.

اضف تعليق