q

تشير توقعات لخبراء ومحللين سياسيين، ان العلاقة التي ستجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، صاحب الولاية الرابعة والاطول في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، بعد فوزة المتواضع في الانتخابات الأخيرة (باعتبار عدم تحقيقية لأغلبية المقاعد المطلوبة)، مع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، الذي سيقضي اخر ما تبقى له من الولاية الرئاسية الثانية وهو يبحث عن ترتيب التوازنات السياسية داخل الشرق الأوسط، كإحدى الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة الامريكية على المستوى الخارجي، ربما ستكون علاقة من النوع "الفاتر" مع محاولة (من الطرفين) تلطيفها "بالمجاملات السياسية" من النوع "الكاذب"، بعد ان اختلف الرجلان على عدة قضايا رئيسية، اعتبرت "سابقة" في تاريخ العلاقات الثنائية التي جمعت البلدين وحتى الوقت الحاضر، ويمكن اجمالها في ثلاث خلافات رئيسية:

1. الخلاف الإسرائيلي-الأمريكي حول عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحل إقامة دولتين التي تبنتها الولايات المتحدة الامريكية خلال مفاوضات ماراثونية (قامت بها الإدارة الامريكية متمثلة بوزير خارجيتها "جون كيري")، مع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، وأعلن عن فشلها لاحقا بعد إصرار الأخير على مواقف عطلت مسار السلام، إضافة الى العديد من المشاكل المرتبطة بها، كبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي والامتناع عن تحويل المستحقات المالية لفلسطين لدى البنوك الإسرائيلية...الخ، وما زال "نتنياهو" مصرا على موقفه الرافض من إقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، وخلال حملته الانتخابية الأخيرة سئل "نتنياهو" عن امكانية فوزه وتوليه لمرة أخرى منصب رئيس الوزراء فهل ذلك يعني بشكل قاطع عدم إقامة دولة فلسطينية؟ فأجاب "بالطبع".

2. الخلاف الإسرائيلي-الأمريكي الحاد والمتعلق بموضوع المفاوضات النووية مع إيران والتي تبنتها الولايات المتحدة الامريكية (بعد ان تواصلت بصورة سرية مع الحكومة الإصلاحية الجديدة في إيران لمدة 6 أشهر قبل اعلان الدخول بصورة رسمية في المفاوضات وكانت بوساطة عمانية) مع الدول الخمس الكبرى، وشن نتنياهو (أكثر الرافضين لفكرة المفاوضات مع إيران، إضافة الى السعودية) حملة دبلوماسية وسياسية واسعة، بدأها بالتهديد بضرب المفاعلات النووية داخل ايران وصولا الى اتهام ايران بالكذب وشبه الرئيس الإصلاحي "حسن روحاني" بـ"الذئب في ملابس حمل"، فيما لم يدخر أي جهد في اتهام الإدارة الامريكية بالضعف والتردد والسماح لإيران بخداع الولايات المتحدة الامريكية، وكسب "نتنياهو" بمحاولاته الاستفزازية اغلب الجمهوريين داخل الكونغرس الأمريكي (والذي فاز به الجمهوريين بأغلبية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة على حساب الديمقراطيين الذين ينتمي اليهم الرئيس الأمريكي أوباما)، حتى ان دعوة الجمهوريين لنتنياهو بإلقاء خطابه داخل أروقة الكونغرس الأمريكي تجاوزت جميع البروتكولات الرئاسية المتبعة بين الدول، بعد ان مرت من دون موافقة او علم الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض، الذي رفض بالمقابل استقباله معتبرا ان الامر لا يعدو باب "الدعاية الحزبية".

3. الخلاف الشخصي الذي جمع بين نتنياهو-أوباما، وتطور لاحقا الى "عقدة سياسية" تحكمت بأقوال وتصرفات كل منهما تجاه الاخر، وهو موقف لا يحتاج الى تفسير او توضيح، فالتوتر والفتور هو الجو السائد بين الإدارة الامريكية ورئيس الوزراء الإسرائيلي منذ البداية، وجاءت التهنئة الامريكية بفوز "نتنياهو" على هامش "اتصال مقتضب" اجراه وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" على امل ان يبارك الرئيس الأمريكي "أوباما" لنتنياهو فوزة في الانتخابات "في الايام المقبلة"، واتهم البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي "بإثارة الانقسام" داخل المجتمع الإسرائيلي من خلال "تهميش المواطنين العرب الاسرائيليين"، بعد ان بث "نتنياهو" شريط فديو على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، اكد فيه "ان سلطة اليمين في خطر، الناخبون العرب يتوجهون بكثافة الى صناديق الاقتراع".

ومع ان بعض المراقبين قد يذهب بتصوراته بعيدا الى حد توقع رفع الحماية القانونية الدولية التي توفرها لها الولايات المتحدة الامريكية في المحافل الدولية (الأمم المتحدة، المنظمات والمحاكم الدولية الأخرى)، بعد ان خاضت السلطة الفلسطينية حملة قانونية ضد إسرائيل، من اجل تدويل الخلاف الإسرائيلي-الفلسطيني، والبحث عن ضغط المجتمع الدولي لإجبار حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي للرضوخ لحل الدولتين وإقامة سلام عادل وشامل، الا ان ادارة البيت الابيض ومع شدة الخلاف مع حكومة اليمين لا يمكن لها التخلي عن توفير الدعم والحماية القانونية والاقتصادية والعسكرية لإسرائيل نتيجة لعدة عوامل تاريخية وقومية وسياسية قوية حاكمة داخل الولايات المتحدة الامريكية، وبالأخص عند الحديث عن اللوبيات اليهودية المتنفذة داخل القطاعات الاقتصادية والسياسية والأمنية وحتى داخل السلطة التشريعية للولايات المتحدة الامريكية، وهو ما شكل ترابطا قويا بين البلدين لا يمكن ان يتخلى عنه الرئيس الأمريكي بسهولة، او لمجرد ان رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتوافق مع توجهاته الخارجية، وعبر "نتنياهو عن التحالف الذي يجمع الطرفين في تصريح له بعد اعلان فوزه الأخير بالقول "امريكا ليس لها حليف أكبر من إسرائيل وإسرائيل ليس لها حليف أكبر من الولايات المتحدة".

ومن المتوقع ان تكون هذه "الخلافات الثلاثة" سببا لاستمرار التوتر والبرود في العلاقة التي ستجمع البلدين للسنتين القادمتين، مع محاولات متقطعة لإعادة احياء عملية السلام الإسرائيلي-الفلسطيني التي لن ترى النور في عهد "حزب الليكود" او حكومة "اليمين المتطرف"، كما سيبقى "نتنياهو" اشد المعارضين لعقد أي اتفاق (مؤقت ام دائم) بين مجموعة (5+1) وإيران حول ملفها النووي، ويمكن ان يصعد من مواقفه السابقة في حال تم الإعلان عن التوصل لاتفاق نووي، من خلال العمل مع الكونغرس الأمريكي الداعم لموقف نتنياهو، بالمقابل فان "أوباما" يملك بعض الأوراق الضاغطة تجاه "غرور" و"مراوغة" نتنياهو مع البيت الأبيض، وقد يستخدم بعض هذه الأوراق (واهمها السياسية) للسيطرة على اندفاع نتنياهو في مهاجمة استراتيجية أوباما في الشرق الأوسط، لكن يمكن التأكيد ان هذا الصراع الأمريكي-الإسرائيلي سيبقى في اطار "صراع الحلفاء".

اضف تعليق