صنفت الصحيفة الاميركية فورن بوليسي" foreign policy" المتخصصة بالشأن السياسي الدولي والعالمي الدكتور حيدر العبادي على انه من ابرز المفكرين العالميين لهذا العام. ووصف البروفسور الامريكي والمفكر العالمي فرانسز فوكوياما صاحب العديد من المؤلفات في الاقتصاد والسياسة في تعليق له اختيار رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ضمن قائمة مجلة فورين بوليسي لمفكري العالم لسنة ٢٠١٧ قائلا بان العراق قد يتحول الى قصة نجاح غير متوقعة. وجاء هذا التصنيف بحسب الخطوات السياسية والاصلاحات التي عمل عليها الدكتور حيدر العبادي.
هذا هو نص الخبر الذي نشرته صحفة "المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء" والمثبتة رسميا بالعلامة الزرقاء المعروفة في موقع فيس بوك. وتضمن كلاما مطولا للمجلة الامريكي تحدث ايضا عن انجازات لرئيس الوزراء حيدر العبادي.
وسائل الاعلام العراقية تلقفت هذه المعلومة كالبرق وانتشرت كالنار في الهشيم، وبنفس النسخة بدون اجرء اي تغييرات على محتوى حديث المجلة الامريكية. حسب ما يقول المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء. واكثر مؤسسة كلفت نفسها بالبحث والتقصي عن صحة المعلومة انها استبدلت كلمة "صنفت" بكلمة "اعتبرت" واخرى "وصفت".
المعلومات التي نشرها موقع مكتب رئيس الوزراء غير صحيحة ولم نجد لها اي مقابل باللغة الانجليزية. ونقرة زر واحدة على موقع "جوجل" اوصلتنا الى المقال الذي نشرته فورين بوليسي، للكاتب "ديفيد كنيار" باللغة الانجليزية، تحدث عن منجزات العراق على يد رئيس الوزراء حيدر العبادي، ملخصها انه استطاع توحيد العراق في الوقت الذي كانت تمزقه الحرب، وشن حملة كبرى على الفساد، وتوقع ان يكون للعراق مستقبل افضل. لا توجد اي كلمة لمفكر، ولا يوجد اي رقم يشير الى عام 2017 كما ذكرت الصفحة الرسمية " المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء". كما لم تتضمن اي حرف يشير للمفكر الامريكي الياباني الاصل فرانسيس فوكوياما، وكل ما في الامر وجدنا ان فوكوياما قام بمشاركة المقالة على صفحته في موقع "تويتر" مع تعليق يقول فيه: "يمكن أن يتحول العراق إلى قصة نجاح غير متوقعة (إن كانت متواضعة). الحرب تصنع الدولة والدولة تصنع الحرب. ولا نعرف بالضبط ماذا يقصد بان الحرب تصنع الدولة؟ هل يقصد اعادة توحيد البلاد ام ماذا؟
لسنا هنا بصدد محاكمة رئيس الوزراء اعلاميا رغم ما في الامر من مشكلة تتعلق بنقل معلومات مغلوطة وربما مزورة، ولا يمكن ان نحكم على النيات التي لا يعلمها الا الله، فقد يكفينا خصومه مؤونة الرد عليه، الا ان الواجب المهني والمسؤولية الاجتماعية تفرض على كل صحفي يؤمن بقداسة المهنة ان يتوقف عند بعض النقاط التي تكشف عن مرض خطير ينخر جسد الصحافة العراقية، إذ يفترض بها ان تكون سلطة رابعة كما تصف نفسها ولا تذوب في جسد السلطات الاخرى. والا فلا حاجة للصحفيين بعد اليوم لان المسؤول العراقي يعرف كيف ينفض الغبار عن كتفيه.
بالنسبة لوسائل الاعلام العراقية التي اخذت الخبر بطريقة "انسخ والصق واملأ صناديق الموقع الالكتروني او نشرة الاخبار" ليرضى عنك رئيس التحرير المشغول هو اصلا بتجميع اكبر عدد من اللايكات على منشوره الجديد في موقع فيس بوك. لم يكلف فريق التحرير الخاص بكل المؤسسات التي نشرت الخبر بالتفكير قليلا عن المفكرين الاخرين الذين ضنفتهم وما هي مراكزهم السياسية والاجتماعية، وهل حيدر العبادي جاء بالمرتبة الاولى ام العاشرة ام ماذا؟ وهل يمكن ان تعلن مجلة عالمية عن تصنيف سنوي عبر مقالة لاحد كتابها؟ كاجراء روتيني لتكتمل اركان القصة الخبرية.
ما قامت به وسائل الاعلام من اعادة نشر لمعاومات غير دقيقة ينشر مثله مئات الاخبار كل يوم. يجلس محرر الاخبار، يفتح الوكالات المفضلة، ينسخ اخبارها ويضعها في ابواب الصحيفة، او نشرة الاخبار، دون ان يعلم سكرتير التحرير او رئيس التحرير بحقيقة ما نشر، ولا تثير ضخامة الارقام فضوله، فهو ايضا لا يجيد سوى فن "النسخ واللصق" وتوزيع الابتسامات على رئيس المؤسسة يوميا.
النصر العظيم الذي حققه رجال الوطن ضد داعش ضيعته اقلام لا تجيد الكتابة، واشخاص لا يعرفون معنى "التقصي" في العمل الصحفي، وعالم اليوم هو عالم الاعلام وصناعة الواقع لا استنساخه، واذا كان السيد رئيس الوزراء عازم حقا على محاربة الفساد والتزوير فليبدأ اولا بمعاقبة المحرر الذي نشر الخبر على صفحة "مكتبه الاعلامي الرسمي" ومن ثم التواصل مع فريق من خبراء الاعلام الذي يؤمنون باحقية الوطن ليأخذ دوره الريادي في المنطقة والعالم. وهذا الدور لا يمكن ان نصل اليه من دون اعلام شفاف ينشر الحقيقة ولا ينقل لنا مشاهد السراب او يخبرنا بشروق الشمس منتصف الليل.
الحقيقة مؤلمة دائما ومخيفة جدا لذلك اكثر ما يرعب الانسان هو "الموت" لانه حقيقة لا تقبل التأويل ولا يستطيع اكبر مزور ان يغيرها، اننا اليوم امام فشل اعلامي مخيف وانجازات البلد ورجاله الاوفياء تمزقها روتينية العمل الصحفي البائسة، فالمرحلة تحتاج الى اعادة النظر بجميع الطرق والاساليب المتبعة في غرف الاخبار ووضع اسس صحيحة لاعلام عراقي قوامه المسؤولية الوطنية وهدفه "الحقيقة" حتى وان كانت بشعة.
فوظيفة الاعلام تشخيص الاخطاء لا اخفائها، والاسلوب "التلميعي" يفترض انه قد ولى منذ عام 2003. والاعلام العراقي لا يزال بيد من هم ليسوا اهله نقابة الصحفيين العراقيين في مئات الاشخاص ممن لا يستحقون صفة الصحفي، وهي عاجزة عن وضع معايير للعمل الصحفي في العراق رغم ادعائها بافضليتها على مؤسسات اخرى يفترض ان تكون هي القائمة بهذه المهمة. ورغم اسلوب صحفييها التهكمي ضد مخرجات كليات الاعلام كونهم غابوا او غُيّبوا عن الساحة.
اما كليات الاعلام فهي تخرج مئات الخريجين سنويا وتقذفهم في متاهات البطالة، دون ان تضع اي خطة للاستفادة من خبراتهم وطاقاتهم لا سيما وانهم قضوا اربع سنوات دراسية تعلموا فيها كل شروط العمل الصحفي القائم على التقصي الحقيقي، باعتباره الانموذج العالمي في هذا المجال.
ان مهمة اعادة النظر بعمل وسائل الاعلام العراقية هي مسؤولية نقابة الصحفيين وكليات الاعلام ودعم الحكومة العراقية لوضع خطة كبرى ترسم مكامن الخلل في الصحافة العراقية وتضع الاسس للسنوات المقبلة يكون عمادها الرقابة "المهنية" على المؤسسات الاعلامية ووضع شروط صارمة تتعلق بالتدريب السنوي وتطوير الخبرات فضلا عن ضمان حقوق الصحفيين، اذ ان ابقائهم بحاجة الى المال السياسي يفرض عليهم وضع المهنية جانبا والركض وراء من يدفع اكثر.
لا يحتاج رئيس الوزراء الى انشاء هيئة جديدة للنزاهة ولا اعادة النظر بمكاتب المفتشين العموميين، فالمؤسسات الرسمية قد اثبتت فشلها، اننا بحاجة الى رقيب خارج اطار المؤسسة الرسمية، يتم زرع بذروه ورعايته من قبل الدولة لكنه يتسلح بالحقيقة لكشف ما يجري على الطاولة وتحتها، ويحتمي بقانون يضمن حق الوصول والحصول على المعلومات.
.....................................................................................................
اضف تعليق