زيارة سرية للرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو واستقالة شبه جماعية للهيئة العليا للمفاوضات المدعومة من السعودية، او ما تسمى بمنصة الرياض، وبهذين الحدثين الهامين تنكشف فصول جديدة في سوريا عنوانها الابرز "ما بعد الحرب".
مستقبل سوريا والمنطقة سيكتبه من يملك ادوات رسم الخطط والاستراتيجيات لا الكلام والتصريحات، من يستطيع استشراف المستقبل وتقدير الادوار لا الاعتماد على الارتجال وردود الافعال، اهم ما يجب على لاعبي الادوار الجدد هو قدتهم الفائقة في "الحساب" لتقدير حجم تعقيدات المرحلة المقبلة وما تتضمنه من محاولات قد تكون انتقامية من الخصوم.
زيارة الرئيس السوري الى موسكو تدحض فرضية استنساخ التاريخ الذي نادت به المعارضة وتحويل سوريا الى "افغانستان جديدة" وبينت ان حقوق النصر محفوظة هذه المرة لحلفاء روسيا، اما المعارضة فقد دخلت في ارشيف التاريخ والتي نادت طوال سنوات بفكرة الغاء كل شيء واستبداله، من الرئيس الى ابسط جندي لكنها وجدت نفسها قد استبدلت الى الابد.
وفق المعطيات الجديدة فان الرئيس السوري باق الى حيث يريد الحلف الروسي الايراني مصيره، وحينما عجز محور السعودية عن ازالته في اشد ايام الحرب ضراوة لا يعقل ان يتنحى الان، وهي جزء من سمات ما بعد الازمة السورية، وهناك رأي يسود بين عدد من المحللين ان مؤشرات عدة يبدو فيها رسم ملامح المرحلة :
اولا: فشل السعودية وحلفائها في تعكير اجواء الانتصار على المحور الايراني السوري الروسي، عبر اجبار الحريري على الاستقالة واتهام ايران وحزب الله بترتيب محاولة لاغتياله، اذ ان طريقة ادارة الازمة من قبل حزب الله والتي نجمت عن الاستقالة سحبت البساط من تحت اقدام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واسهم التدخل الفرنسي ايضا في تسليط ضغط اكبر على الرياض وجعلها تخرج خالية الوفاض من سوريا والحريري ولبنان.
ثانيا: حديث الامين العام لحزب الله عن سحب المقاتلين من ميادين القتال وعودتهم الى لبنان يسهم ولو قليلا في دحض دعاية خصومه الذين يتهمونه بمحاولة الاستيلاء والسيطرة على مناطق خارج حدود لبنان، اما اعلانه عن دعم الحركات الفلسطينية باسلحة "كورنيت" المتقدمة يسهم في الدفع بعملية توسيع الحلف الايراني.
ثالثا: دعوة قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لجنوده بالاستعداد التام على الحدود الجنوبية لمواجهة تهديدات اسرائيل وخروقاتها، وصفه لسلوكها ازاء لبنان بانها "تبيت نيات عدوانية ضد شعبه وجيشه". ما يعني انه قد اصبح جزءا من معادلة المواجهة ضد اسرائيل وعمليا ضد السعودية، فهل بقي للرياض شيء هناك؟
رابعا: اعلان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني، نهاية داعش في كل من العراق وسوريا في رسالة بعثها الى المرشد الايراني علي خامنئي.
خامسا:الاستقالة الجماعية للهيئة العليا للمفاوضات والتي شملت رياض حجاب، رئيس الهيئة وكبير المفاوضين، ومحمد صبرا والمعارضة سهير الأتاسي، قُبيل مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، المزمع عقده الأربعاء، في حين أعلن ثمانية أعضاء بالهيئة الاستقالة أيضاً.
ردود الافعال السعودية والامريكية ازاء تذه الاحداث تكشف عن تسليم بالواقع الجديد في سوريا، وهو القبول ببقاء الرئيس السوري بشار الاسد، الشرط الذي قامت من اجله الحرب السورية ودمرت كل شيء تقريبا.
مصادر من قيادات الهيئة العليا للمفاوضا اكدت التوجه الامريكي السعودي الجديد، اذ قالت سهير الأتاسي، العضوة المستقيلة من الهيئة، إن هناك توجهاً دولياً لإرغام المعارضة على القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة، وهو توجه تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف بتاكيده ان استقالة الهيئة يمثل خطوة مهمة للبناء لاسس السلام، فاذا كان استمرار الاسد طوال سنوات الضغط والحرب فهل يمكن ان يخرج في وقت السلام؟
الحرب في سوريا انتهت بحكم الواقع اولا، وباعلان محور ايران ثانيا، وبالتالي فان اي خطوات سياسية او عسكرية من هذا الحلف تكون مدروسه من اجل استكمال ما حارب من اجله طوال سبع سنوات مدمرة، لكن هل يصمت الحلف المناويء بهذه السهولة؟ سؤال نطرحة وننتظر المستقبل القريب لعطينا اجابة كاملة، ونتمنى ان لا تكتب هذه الاجابة بالصواريخ مجددا.
اضف تعليق