q

يعترض بعض الشيوخ وكبار السن من السياسيين والقادة والبرلمانيين على ترشيح الشباب لشغل المناصب والوظائف العالية والمتقدمة بحجة أن الشباب لا يملكون خبرة الكبار ولا تجربتهم، ولا أدري من أين استقوا هذه المقاييس الغليظة المجحفة، فقد أثبتت التجارب أن الشباب يكونون عادة أكثر إقداما واندفاعا وتحملا للمخاطر من غيرهم، فضلا عن امتلاكهم روحا تواقة للتجديد وللجديد، ورغبة بالمطاولة والاستمرارية، وهم حتى مع قليل خبرتهم ممكن أن يستعيضوا عنها بحب إعادة التجربة دون كلل.

وفوق هذا وذاك ممكن للمشاركة الفاعلة بينهم وبين أصحاب التجارب من كبار السن أن تتجاوز مراحل الكبوات واحتماليات الفشل، فالتاريخ ضرب لنا أمثلة عظيمة من المفروض أن نقتدي بها، ونعمل بموجبها وبهديها، فرسول الله (ص) استعمل شابا لم يبلغ العشرين من عمره، هو أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي (7 ق . هـ - 54 هـ) الذي استعمله أميرا على واحد من أكبر جيوش عصر البعثة، أوعب فيه كبار الصحابة الكرام من المهاجرين من أهل السبق ومن الأنصار، وأمرهم بغزو الروم.

إذ جاء في فتح الباري للعسقلاني قوله: "وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم. فتكلم في ذلك قوم منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فرد عليه عمر، وأخبر النبي (ص)، فخطب بما ذكر في هذا الحديث!. وما كان لرسول الله أن يجازف بكل هؤلاء فيضعهم تحت قيادة شاب قد يتهم بالتهور وقلة الخبرة لو لم يكن واثقا من مقدرته على قيادة تلك الجموع وخوض الحرب بهم ضد عدو شرس. إذ ورد في صحيحي البخاري ومسلم أحاديث تبين أن كبار الصحابة شككوا بإمرته ولكن رسول الله (ص) أكد لهم أن أسامة خليق بالإمرة، كما في حديث عبد الله بن عمر: ‏أن رسول الله ‏ (ص) ‏‏بعث بعثا، وأمر عليهم ‏‏أسامة بن زيد ، ‏فطعن الناس في امارته، فقام رسول الله ‏(ص) ، ‏فقال: ‏ "‏إن تطعنوا في امارته، فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده.

وفي تلك الأيام كان اللواء مصدر قوة الجيوش، وكانت أنظار المقاتلين تنشد إلى صاحب اللواء، لأن سقوطه يعني سقوطها، فإذا وقع اللواء أو حامه، تملكهم الفزع والخوف، وغشيتهم رهبة الهزيمة. ومن هنا كان القادة يختارون أشجع فرسانهم ليوكلوا لهم حمل الراية والسير بها إلى ساحة الحرب، ومع ذلك نجد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في أصعب منازلة خاضها، في يوم صفين، قد دفع الراية إلى حضين بن المنذر الرقاشي؛ وهو ابن تسع عشرة سنة، ويقال إن الإمام قال فيه شعرا يمتدحه:

لمن راية سوداء يخفق ظلها

إذا قيل قدمها حضين تقدما

ولذا أرى أن من حق الشباب علينا أن نشركهم في مركز القرار، ونتيح لهم فرصة التجربة العملية، ولاسيما وأن كثيرا من الشيوخ فشلوا في مهمتهم، وحمَّلوا البلاد أحمالا لا تطاق، تسببت تداعياتها في سفك الدم العراقي، وتخريب البنى التحتية، والإسهام في تأخر البلد في المجالات كافة. وهي دعوة للبلدان العربية كلها وليس للعراق وحده فإشراك الشباب في قيادة البلاد تجربة واعدة بالخير، وفيها بشرى أمل بغد أفضل، فقد اكتفينا نحن العراقيين من تجارب قادتنا الشيوخ على مدى أربعة عشر عاما، وقد قيل: المُجَرب لا يُجَرب، ونحن جربناهم أكثر من مرة، وآن لنا أن نجرب غيرهم فالحياة تجارب.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق