القوة لا تقاس بمقدار قدرتنا على رفع الأثقال، ولا الركض بأقصى سرعة، ولكن بالطريقة التي نتعامل بها مع الصعوبات في حياتنا، وكيفية وقوفنا أمام العواصف ومواجهتها بحكمة وذكاء.
كانت واقفة حيث الجمال والعظمة، وكلما تردّ طرفها ترى اللون الأزرق، وتشعر بطمأنينة لا توصف، طمأنينة من عمق السماء، صوت الأمواج كان سمفونية رائعة تبث الحياة في أوصالها، تأخذ زفيراً عميقا وتبدأ باستنشاق الهواء النقي كي تستعد لأجمل اللحظات، فعرسها بعد أيام، تفكر مليا في كيفية حياتها الجديدة، وألف حلم مما يأخذها تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار، وفي النهاية أجبرها على أن تودع الشاطئ لتركب سيارتها.
في تلك الأثناء وجدت صدفة جميلة على الشاطئ، قبلت تلك الصدفة وكأنها هدية مميزة، وضعتها في حقيبتها لتصنع منها قلادة رائعة كي تذكرها بجمال الحياة، أسرعت نحو المتجر لتتخلص من بعض الأمور التي أخذت مساحة كبيرة من تفكيرها "أمور اعتيادية وتجهيزات قبل العرس" جعلت منتها مشوشة في باقي أمورها، أول فكرة كانت تخطر على بالها، وتهيمن على تفكيرها في تلك اللحظة هي ملابس الزفاف وموعد تسليمها، ولكن أصبحت آخر فكرة على الإطلاق بعد أن شعرت بثقل السيارة على صدرها، ولكن لم تشعر بأوجاع في ساقها أبداً كأن هناك شيئا ما أصبح سببا في تخدير ساقيها، كانت في طريقها إلى المتجر ولكن دخلت إلى المشفى دون تخطيط سابق.
هكذا هي أمورنا في الحياة، قد نخطط كثيراً ولم يفسح لنا المجال للعمل بما خططنا له، في تلك الأثناء تذكرت ما قرأته البارحة في الجريدة "قبر فاخر بقي فارغاً ينعى صاحبه" وهي قصة الرجل الغني الذي بنى لنفسه قبراً في منطقة راقية، وفي أحد الأيام ركب طيارته الشخصية في إحدى الجولات ولكن تعرّض لحادث مفاجئ وغرق هو وطيارته في البحر، وبعد محاولات كثيرة عثر فريق النجاة على طيارته، ولكن لم يجدوا أي أثر لذلك الرجل الغني، ولم يتسنَ له أن يُدفن في القبر الذي جهز لنفسه: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.
فقدت وعيها ولكن بعد ساعات طويلة فتحت عينيها أثر صوت البكاء لتجد نفسها دمية على السرير!.
أحلام الزفاف والبيت الجديد والسعادة أصبحت أمور شبه مستحيلة، ولكن النهايات ربما تعطينا بدايات جديدة لم نخطط لها يوماً، انتهى الحادث إلى عظام محطمة وأضلاع مهشمة، وفخذ مكسورة، مع فسخ الخطبة، وشهور من الألم والحرمان من كل شيء جميل، كأنها تبدلت إلى شاطئ ميت كانت تغرق في جوفه أكثر فأكثر، ولكن وجود عائلتها بجانبها كان يشبه تلك الأمواج عند الشاطئ كأن صوتها سيمفونية رائعة تبث فيها الحياة وتعلمها الاستمرار والمقاومة.
كي تضرب الصخور القاسية في الحياة بأقصى قوة وتحطمها دون رحمة، لتفوز في ضرب الرقم القياسي للقضاء على الألم، بعدئذ تبينت لها هذه العثرات إذ كانت كحجرات السلم وساعدتها على الوصول إلى النجوم حيث السماء والطمأنينة والعظمة.
بعد أشهر من تجرّع الألم رجعت إلى حالتها الطبيعية واستطاعت أن تمشي كالسابق، ومن حسن حظها لم تبقى أية إعاقة في جسدها، ولكن هذه الحادثة كانت بمثابة جرس إيقاظ لها، أيقظها من نومها العميق، ومن افتتانها بذلك الشاب الذي تركها في أول أزمة حدثت لها، لتدرك إنه لم يكن الرجل المناسب ولا الشريك المثالي لتقضي حياتها معه، وفوق ذلك تبين إنه كان لديه مشاكل كثيرة وتطلق بعد الزواج من امرأة أخرى، هنا أخذت زفيرا جديا لتبدأ حياتها من جديد وتغتنم هذه الفرصة الذهبية، والعمر الذي أهدي لها من جديد فيما يشبه المعجزة.
أدخلت يدها في حقيبتها التي كانت المنجية الوحيدة من تلك الحادثة الأليمة، لتخرج قلما وورقة، لكنها رأت الصدفة التي وجدتها على الشاطئ، كأن شريط الذكريات أعيد عليها من جديد، فكرت في مشروعها الجديد وبدأت تكتب: "الصدفة تأتي من المحيط والمحيط مصدر جميل ودائم ومتقلب للحياة، فسطحه قد يكون هادئاً أو عاصفاً، ولكن لا يمكننا أبداً رؤية ما يوجد في القاع، فهناك عالم كامل مختلف في أعماقه".. وهكذا هي حياتنا لا نعلم ما يحدث في أعماقها، لكنها بالتأكيد عالم جميل مليء بالجمال و المفاجآت.
بعد ذلك أخذت تخطط لمستقبل رائع وكتبت هذا الحديث على اللافتة: "قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، ولصقتها أمام عينيها كي تعمل من الدنيا خطة دقيقة للفوز بالآخرة، الصِدفة أعطتها صَدفة لتشتاق إلى رؤية المزيد من القصص عن الأعماق....
اضف تعليق