صوّت البرلمان العراقي على مشروع قانون مجالس المحافظات بحسب نظام سانت ليغو المعدل 1,9 الذي أقره البرلمان في جلسته بتاريخ 1/8/2017، وطريقة نظام سانت ليغو ابتكرت عام 1910 من قبل عالم الرياضيات الفرنسي (أندريه سانت ليغو)، وتستخدم لضمان حصول الكتل الإنتخابية الصغيرة على مقعد واحد أو أكثر بدلا من تهميشها وعزلها بلا أي مقعد، وهي تقلل من العيوب الناتجة عن عدم التماثل بين عدد الأصوات المعبر عنها، وعدد المقاعد المتحصل عليها، هذا العيب الذي تستفيد منه الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة.
هذا النظام الإنتخابي الذي أقره مجلس النواب تحاول الطبقة السياسية إنتاج نفسها ومحاولة السطو على الأصوات التي لا تستطيع الوصول للقاسم الإنتخابي، وفي هذا ظلم وإجحاف للقوى السياسية التي تبغي المشاركة الفعلية في الحكم والعمل على التغيير المطلوب، مما أثار جدلا واسعا بين الأوساط السياسية المتضررة وأيضا بين أوساط الجماهير التي تريد تغييرا في النظام السياسي من خلال وجوه جديدة ونزيهة يمكن أن تتحمل المسؤولية بعد إخفاقات دامت 14 عاما لم يحصل المواطن العراقي على ما يبتغيه في الحياة الحرة الكريمة.
فمنذ الإحتلال ولحد الآن وبعد كل إنتخابات لمجالس المحافظات أو البرلمان، تثار الكثير من القضايا والملفات الخاصة بالإنتخابات، وخصوصا من قبل الكيانات والأحزاب الخاسرة، التي لم تحصل على أي مقعد أو مقاعد معدودة، ومع تراكم الخبرة الإنتخابية للأحزاب والكيانات، جرى التركيز على عملية إحتساب عدد المقاعد لكل كيان، وبعد موجة طويلة من السجال والتطاحن بين الكتل والأحزاب وضغوطات محلية ودولية، تم تعديل قانون إنتخابات مجالس المحافظات لعام 2013 باستخدام طريقة سانت ليغو لتوزيع المقاعد على الكيانات السياسية، وهي طريقة دولية مستخدمة في العديد من الدول وتعتمد على تقسيم عدد الأصوات التي حصلت عليها الكيانات على متتالية عددية (الأعداد الفردية)، عدد مرات القسمة مساوي لعدد المقاعد المخصصة لتلك المنطقة أو المحافظة.
وبعد ظهور نتائج تلك الإنتخابات، التي تضمنت مقاعد للكتل الصغيرة، أي التي حصلت على أصوات قليلة نسبة لما حصلت عليه الكتل الكبيرة والمتنفذة، اعتبرت الكتل الكبرى أن النتائج لم تكن في صالحها، لأن المقاعد التي حسبت للكتل الصغيرة كان بالإمكان أن تكون من حصتها لو تم توزيع المقاعد بالطرق السابقة بالإعتماد على القاسم الإنتخابي أو (ما يسمى بالعتبة الإنتخابية) والتي يتم بها إبعاد الكتل الصغيرة من المنافسة لعدم تجاوزها للعتبة الإنتخابية والتصرف بالكراسي المتبقية لصالحها بالإضافة إلى كوتا النساء والأقليات.
لذلك أعدت الأحزاب الكبيرة عدتها جيدا لتكيل الصاع صاعين للكتل الصغيرة في الإنتخابات البرلمانية 2014، وجندت عناصرها لتصل إلى نتيجة أن طريقة سانت ليغو بصيغتيها الأصلية (1) أو سانت ليغو (1,4) المعدلة دوليا لن تكون في صالحها، فأجرت عليها تعديل يتماشى مع مصالحها الضيقة بعيدا عن أي مصلحة وطنية، تجاوزا لمفاهيم الديمقراطية والمساواة والعدالة، والتعديل كان باختيار صيغة سانت ليغو (1,6) وتجاوزت سانت ليغو (1,5) وهي صيغة تستخدم لأول مرة عالميا، حيث تم تعديل قانون الإنتخابات النيابية وبدفع من تلك الكتل، باستخدام طريقة سانت ليغو (1,6) المعدلة (عراقيا)، لتوزيع المقاعد، فجاءت نتائج الإنتخابات البرلمانية 2014 لصالحها تماما، مع تمكن بعض الكتل الصغيرة من النفاذ إلى قبة البرلمان بعدد قليل من المقاعد، وحتى هذا العدد القليل من المقاعد الخارج عن سيطرتها، أعدت له العدة ثانية، للهيمنة على نتائج إنتخابات مجالس المحافظات القادمة، فعملت على إجراء تعديل على قانون إنتخابات مجالس المحافظات بإستخدام طريقة سانت ليغو (1,9) المعدلة عراقيا ـ عراقيا، وتمكنت من تمرير هذا التعديل في البرلمان لتتم المصادقة عليه قبل أيام، وهي أيضا طريقة غير مستخدمة عالميا، فهي بحسب المراقبين ميالة إلى التخندق والتقوقع للكتل السياسية الكبيرة وطرد وتهميش الكتل الصغيرة وسرقة أصواتها، والدفع نحو ديكتاتورية جديدة.
لقد طرح ممثلو ومتحدثو الكتل الكبيرة عدة تبريرات لإصرارهم على تجاوز طريقة سانت ليغو الأصلية (1) وكذلك المعدلة دوليا (1,4) ومن هذه التبريرات، لكونها تساعد على حصول الكتل الصغيرة على بعض المقاعد في نتائج الإنتخابات مما يزيد من تنوع التشكيلات الإدارية والبرلمانية وبالتالي حصول المزيد من الإحتدام والتطاحن والتأخير في إتخاذ القرارات وحسم المواقف والسير نحو تشكيل حكومة الأغلبية الديمقراطية.
الناخب العراقي الذي نادى بإصلاح العملية الإنتخابية من خلال قانون إنتخابي عادل ومفوضية إنتخابات مستقلة ينتظر قانونا إنتخابيا ينصف المجتمع بصورة عامة، ولا يتجاهل أصوات الأغلبية من أبناء الوطن وضرورة الإستماع إلى صوت الشعب وإبعاد كل ما من شأنه زيادة نفوذ الأحزاب وتفردهم بالسلطة.
اضف تعليق