اقامة دولة كردية شمال العراق يعرّضُ الاكراد العراقيين (سابقاً) الى الابادة الجماعية. ليس هذا تحذيراً أو تهديداً بل إنه تشخيصٌ مخلصٌ بأدوات فوق الشائع من كاتب أحب الشعبَ الكوردي وتغنى بتاريخه وفنونه وشِعرِه وتأثيره في الحضارة الانسانية، وهو يرى آثار ميديا الممتدة وجبال كوردستان العظيمة من زاغروس حتى الأناضول محمية بنسورها ومزخرفة باطفالها، ومكحّلة بدماء شهدائها عبر التاريخ، وهو يقرّ بان هذه الامة التي مزقتها الحروب والتحالفات حفظها نفثالين البطولة والدم و الشعر والاسطورة في تاريخ جمالي ممتد من رباعيات بابا طاهر قبل الف سنة الى روح شيركو بيكه س وصلاح شوان في قرننا هذا، شعب ظُلم كأي شعبٍ جبّار تكالبت عليه المؤامرات.
هذه الارض الخالدة الكبيرة، وشعوبها التي رحلت من الاف السنين مخلّفة جينات جديدة تعيش أزمة الحلم الناقص، هذه الارض لايمكن ان تتحول الى دكاكين في ظل سياسة انفعالية وتجريب متسرّع بمصير شعب كامل يُلقى به الى المجهول.
اولا: الانهيار والضعف العربي لايعني قوة استراتيجية للكورد، ورجحان كفة المواجهة بين السياسيين الكورد الذين يحظون بمكاسب وحضور بائنين امام سياسة عربية منقسمة وسياسيين عرب لاقرارَ لهم لاتعني أنّ (دولة الاستفتاء) ستظل الى أمد طويل تنافس دولة هشة في جنوبها بعد أن تنتقل الى اللعب مع الكبار بأدوات بدائية.
ثانيا: الاستسلام العربي لإسرائيل ليس حالة مستدامة، حيث ان الضغينة العربية الشعبية مازالت مستترة لم تتغير اذا لم تكن قد تصاعدت امام تغول الدولة (الدينية) وانهيار التضامن العربي الحكومي، وعليه ان ستتحول الى عدو بديل، من لم يستطع مواجهة اسرائيل يسعى للانتقام من (كردستان العراق) الدولة التي بشرت بها الدولة العبرية وباركتها قبل اي دولة وكيان في العالم.
ثالثا: كردستان الكبرى الموحدة المنشودة للأمة الكوردية وهي تستحقها دون شك. ستخسر باستقلال شظية منها امكانية قيامها يوما، لان تلك الدولة اشبعت شتاتا بعد أن مزقتها الفتوحات والتحالفات اقساها افتراسها من قبل الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م). وحديثا تقسيمها وفقا لاتفاقية سايكس بيكو عام (1916) باعتبارها من تركة الدولة العثمانية المهزومة في الحرب، وقد فشلت اية جهود سياسية كردية ومساومات لإبقائهم في دولة لهم دون جدوى. وانتهت كردستان ضحية عثمانية بعد الحرب كما هو العراق نفسه!
رابعا: العراق نفسه مع بدايات القرن الماضي لم يكن دولة الا مرتين، فقد عومل على انه من بقايا اشلاء العثمانيين الذين حكموا أمة الاسلام ستة قرون حتى هزيمتهم حيث اخرج البريطانيون المنتصرون شيئا اسمه العراق لاهوية ولاجنسية لأبنائه غير الاوراق العثمانية، ورتبوه على شكل دولة، هذه الدولة ميزتها انها بدأت من الآخر، لأنها دولة منتهكة من الدين والعشيرة، تدويرها الى دولة معاصرة يستغرق وقتا طويلا، فادخلها البريطانيون في فرن الحداثة لإنضاجها سريعا، ثم انهارت الدولة (الخِداج) على يد العسكر، الذين تداولوا السلطة مع الاحزاب القومية حتى انهارت بسبب الديكتاتورية وحروبها، لتُحتل من جديد وتقدّم مرة ثانية بعد خمس وثمانين سنة على شكل دولة (وطنية) بقيت مضطربة حتى يومنا هذا...
بمعنى ان العراق الحالي ليس دولة متكاملة محترفة كي يأتي استقلال كردستان انسيابيا ضمن أسس واطر قانونية، انه انسلاخ من انسلاخ، وفوضى من فوضى، وتهلكة من تهلكة، وضياع من ضياع.
خامسا: لايمكن انشاء دولة كوردية دون ارادة دولية، وتسرع اسرائيل بمباركة الدولة الجديدة يعلنها فريسة مبكرة للنزاعات الاقليمية، وليس من التاريخ المشرّف ان صح تحليلنا ان يقوم ابناء الكورد في هذا العصر بإيصال بلادهم وشعبهم الى منحدر كهذا.
سادساً: الاكراد الآن ليسوا غرباء، لان العراق ليس عرقا، انه حضارة انتجت أعراقا وتآخى على ارضها ومياهها الطير والانسان والحجر، واذا كانت تجارب الحكم الدينية او القومية السيئة، ادت الى خيار الكورد بالانفصال، فإنها خطوة تشبه التحرر من الطائرة الى الفضاء بلا مظلة، او القفز من المركب بلا رئة.
واخيراً: لابد من الغاء الاستفتاء والبدء بمصالحة كردية عربية سريعة مجتمعية لان التثقيف والاستعداء المتبادل الكثيف الذي شهدته الايام الماضية وفرّ مناخا ملتهبا لضغائن طويلة الامد ليس من صالح الاطراف جميعها، والعمل المشترك الجدي على بناء دولة صحيحة تخطو متقدمة الى المستقبل يشعر فيها الجميع انهم مستقلون بحريتهم وحقوقهم دون الحاجة الى استفتاء يُنتِجُ في ظل ظروف معقدة كهذه دولة الكمين والندم.
اضف تعليق