حتى اشد المتشائمين تجاه الوضع الامني في العراق ومستقبل الحرب ضد تنظيم "داعش"، يقر بأن "الوضع الحرج" اصبح اقل خطورة بالمقارنة مع توسع داعش بعد التاسع من حزيران الماضي، وهو وضع جاء نتيجة لعدة عوامل داخلية وخارجية ساهمت الى حد بعيد في عكس المعادلة لصالح الحكومة العراقية الجديدة، واعطاها افضلية المبادرة لاسترداد الاراضي التي سيطر عليها التنظيم المتطرف منذ اكثر من 8 اشهر، خصوصا عندما يتم الحديث عن التحضيرات الواسعة لعمليات تحرير الموصل، بعد ان سبقتها عمليات كبيرة تجري حاليا لاسترجاع المناطق الاستراتيجية في محافظة صلاح الدين والانبار (الحدوديتان مع الموصل) من التنظيم، بعد ان تم السيطرة على كامل مناطق محافظة ديالى وحوض سلسلة جبال حمرين باتجاه الشرق، وهي عمليات لم يكن ليكتب لها النجاح لولا مشاركة الالاف من المتطوعين الشيعة "الحشد الشعبي" الى جانب القوات الامنية النظامية بمختلف اصنافها، اضافة الى المتطوعين من العشائر السنية التي انتفضت ضد ممارسات التنظيم في المناطق السنية (غربا)، واسناد قوات البشمركة الكردية التي تولت مقاتلة عناصر التنظيم (شمالا).
وتشير معظم التوقعات الى حرب طويلة مع التنظيم في العراق قد تمر بثلاث مراحل:
1. المرحلة الاولى التي تجري حاليا ويتم من خلالها استرداد الاراضي التي استولى عليها التنظيم في العراق (وتقدر مساحتها الى ما يقرب من 55 الف كيلومتر في الشمال والغرب والشرق) في الاشهر الماضية وربطها بالأراضي التي سيطر عليها من الجانب السوري كـ"دير الزور" و"الرقة"، والتي قد تتوج بمعركة استرداد الموصل المتوقعة قريبا (بين شهري نيسان-ايار)، بحسب التسريبات التي صدرت من مسؤول امريكي، والتي قد تستغرق 6 اشهر في حال استخدم تنظيم القاعدة اسلوب زرع العبوات الناسفة واستخدام عمليات القنص لإعاقة التقدم العسكري للقوات المقاتلة.
2. المرحلة الثانية والتي تبدأ بمجرد الانتهاء من طرد عناصر التنظيم من الاراضي التي كان يسيطر عليها، من خلال "مسك الارض" المحررة ومنع عودة عناصر التنظيم اليها، وهو تحدي امني كبير، سيما وان اغلب المناطق التي سيطر عليها التنظيم في السابق هي اراضي كانت تابعة لسيطرة القوات الامنية التابعة للدولة العراقية، وتتم عملية مسك الارض من خلال جملة من الاجراءات العملية التي تمارسها الجهات الرسمية لتفعيل دور الدولة بعد ان كان غائبا لعدة شهور او سنين في بعض المناطق.
3. المرحلة الثالثة والتي تركز من خلالها الحكومة المركزية على الجهد الاستخباري لمكافحة الخلايا النائمة او اعادة تشكيلها للمحافظة على امن واستقرار المناطق المحررة، اضافة الى تفعيل الدور الخدمي والاقتصادي وعودة النازحين وتعويض المتضررين واعادة اعمار المناطق المدمرة...الخ، والتي تشكل بمجملها حالة من الايجابية لدى المواطن عندما يشعر بوجود الدولة التي توفر له احتياجاته الاساسية.
لكن حتى في حال التسليم بالقول الذي يتوقع حربا طويلة مع داعش، فان طول هذه الحرب او قصرها لا يعتمد فقط على حرب استرداد الاراضي من التنظيم لوحدها، بقدر ما يعتمد على الجهد الحكومي ومدى استعدادها في تقصير مدة القتال او اطالة امدها، بمعنى اخر ان جزءا كبيرا من المسؤولية تتحمله الحكومة الحالية وطريقة ادارتها للعمليات العسكرية والامنية والسياسية والخدمية والاقتصادية التي تتضافر جميعها في تحقيق النصر وتحديد المدة الزمنية الفاصلة بقاء التنظيم ونهايته في العراق، اضافة الى منع انتاج تنظيمات متطرفة اخرى قد تنبعث من رماد التنظيمات المستهدفة، وقد شهدنا جميعا تجربة سابقة مع تنظيم القاعدة في العراق، بعد عمليات عسكرية واسعة النطاق تمكنت خلالها (عام 2008 وما بعدها) من تحجيم دور القاعدة بشكل كبير، وفرض سيطرة الحكومة المركزية في اغلب مناطق التوتر، وكانت عمليات ناجحة، بحسب تقييم جميع الخبراء العسكريين، لكنها لم تكن ناجحة بالمقاييس المساندة الاخرى لعمليات مكافحة التنظيم الام (القاعدة) التي كان من المفترض ان تنطلق بالتزامن مع العمليات العسكرية (سياسيا، خدميا، اقتصاديا، اجتماعيا...الخ)، وهو ما انتج بعد سنوات قليلة، التنظيم الاشد عنفا ووحشية، داعش، ولا يمكن تصور خروج هذا التنظيم مع افول تنظيم القاعدة في العراق بمعزل عن الاخطاء الحكومية التي اهملت الجوانب السابقة لضمان عدم عودة التنظيم نفسه او تشظيه الى عدة تنظيمات قد تكون اخطر من سابقها.
وحتى لا نستنسخ نفس التجربة (بنجاحها في البداية وفشلها في النهاية) ينبغي الاستعداد جيدا للحظة التي تلي انهيار عناصر التنظيم وفقدانهم لجميع الاراضي التي تقع تحت سيطرتهم في الوقت الحالي، وهي لحظة مهمة وحساسة قد تضع الجميع عند مفترق الطرق بين النجاح والفشل الذي لا يتمناه الجميع، ويعرف ساسة العراق، أكثر من غيرهم، هذه اللحظة التي خبروها في السابق، وهم المعنيون في المقام الاول بعدم العودة الى الوراء وتكرار الاخطاء السابقة، التي قد تكون هذه المرة بضريبة مرتفعة التكلفة.
اضف تعليق