بينما يشعل فوز الرئيس الإيراني روحاني بولاية ثانية حماس الإيرانيين الراغبين بإنهاء عزلتهم عن الخارج، يستعد روحاني لخوض صدام صعب مع المحافظين الذين يسيطرون بشكل كبير على مناصب حساسة في السلطة الإيرانية، ويمثلون "الدولة العميقة" صاحبة القرار الأخير.
لا شك أن روحاني سيواجه نهاية "فاشلة" كسلفه الإصلاحي محمد خاتمي ما لم يقنع خصومه من المحافظين بوفاق يضمن له العمل على تنفيذ برامجه الإصلاحية كما ينبغي، فأن يفتح روحاني شهية الإيرانيين إلى التغيير دون تحركات ملموسة أمر غير مجدٍ، وسيجعله كمن يقتحم النار عبر ممر ملتهب أرمض.
روحاني بدأ الانتخابات شرساً، بعد ان شن هجوماً في إحدى خطبه الانتخابية على المحافظين بوصفهم "هؤلاء الذين يقطعون الألسنة ويكممون الأفواه"، والأخطر من هذا الوصف وهو أن روحاني اتهم المحافظين بأنهم يسعون "لاستغلال الدين من أجل السلطة"، وهو ما سيضعه أمام صعوبة بالغة لتنفيذ برامجه، كما أنها تمثل لحظة إعلان التمرد واستبعاد أي تقارب مستقبلي معهم.
غير أن الرئيس الإصلاحي يراهن على الانفتاح على العالم، وعلى شعب لم يعد يؤمن بالشعبوية الاقتصادية ولديهم فكرة ناضجة تؤمن أن الخروج من المأزق ينبغي أن يكون عبر إدارة الاقتصاد بكفاءة اعتدال في العلاقات الدولية.
الانفتاح على العالم ليس سهلاً..
ومع ذلك، فإن جهود الانفتاح على العالم هي الأخرى تواجه تحدياً كبيراً في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيما وأن الأخير يعتبر الاتفاق النووي الإيراني أسوء الاتفاقات ولطالما هدد بإلغائه وفرض عقوبات على طهران.
في أول رد فعل اميركي على إعادة انتخاب روحاني، قال وزير الخاجية الأمريكي ريكس تيلرسون في مؤتمر صحافي مشترك في الرياض مع نظيره السعودي عادل الجبير "آمل في الولاية الجديدة بان يبدأ (روحاني) عملية تفكيك شبكة ايران الارهابية"، وهو ما سيقطع الطريق على روحاني للتوصل إلى اتفاق مرضٍ مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
الأمر الآخر الذي يحتاج إليه روحاني للدخول إلى العالم من بوابته "واشنطن" هو أن يضع "حد نهائي لاختبارات الصواريخ البالستية" كما جاء في تصريحات تيلرسون من الرياض، وفيما لو قرر روحاني العمل على ذلك فهو أمام مهمة صعبة جداً لأن حد طموحات إيران في هذا المجال تضعه أمام تعقيد آخر، إذ ترتبط هذه الطموحات برؤية دينية عقائدية تنطلق من قاعدة: "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة..."!.
أمريكا ستواصل ضغطها على إيران
ويتوقع مسؤولون سابقون ومحللون أمريكيون إن إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني لن تغير على الأرجح التشكك الذي تنظر به الإدارة الأمريكية إليه بوصفه الوجه المعلن لحكومة معارضة لمصالح ولحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وقال محللون إن إدارة ترامب تريد على ما يبدو مواصلة الضغط على إيران بشأن برامج الأسلحة وما تعتبره محاولات طهران لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
وقال آخرون إن إعادة انتخاب روحاني ستصعب على الأرجح مهمة إدارة ترامب لحشد الدعم الدولي لفرض الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة عقوبات أو القيام بعمل صارم آخر.
تحديات داخلية
المرجح أن التحدي الداخلي للرئيس روحاني بدأ منذ الاشتباك اللفظي "النادر" مع محافظين مقربين من الزعيم الإيراني الأعلى آية الله السيد على خامنئي وانتقد مرشحهم الذي خاض المنافسة أمامه وهو إبراهيم رئيسي القاضي السابق الذي يعتبره الإصلاحيون ممثلا للدولة الأمنية.
وقال مسؤول مقرب من حكومة روحاني "سيضطر خامنئي لتقديم دعم محدود لسياسات روحاني الاقتصادية المتحررة لأن الاقتصاد من بين أبرز أولوياته (الزعيم الأعلى) على غرار الدعم الحذر الذي منحه للاتفاق النووي".
انتقام..
كما أنه من المتوقع أن يتعرض روحاني لضغوطات من أنصاره لتحقيق التغييرات في الداخل. وساهم هو شخصيا في زيادة الضغط على نفسه من خلال حملة انتخابية ظهر فيها كإصلاحي متحمس خاصة في أيامها الأخيرة.
يقول مئیر جاودانفر وهو محاضر في الشأن الإيراني في مركز دراسات هرتزليا الإسرائيلي ومن مواليد إيران "سيواجه روحاني المزيد من الضغط في ولايته الثانية.. الحرس الثوري ومؤسسات أخرى للدولة العميقة ستخلق مزيدا من المشكلات له"، وأضاف "منذ ثورة 1979، كلما خسر المتشددون معركة سياسية حاولوا الانتقام".
وأشار جاودانفر إلى أن الحرس الثوري قد يستخدم دوره كقوات تدخل في مناطق أخرى بالشرق الأوسط لمحاولة عرقلة أي تقارب مستقبلي مع الغرب، وقال "ما قد يقلقني هو انتهاج الحرس الثوري سياسات أكثر ميلا للمواجهة في الخليج الفارسي... وسياسات أكثر ميلا للمواجهة مع الولايات المتحدة والسعودية".
بينما ينظر مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد عباس ميلاني إلى أن رفع روحاني من السقف في اللغة التي استخدمها خلال الأيام العشرة الماضية على أنه سيكون من الصعب التراجع عن بعض ما قال.
وبحسب ميلاني فإن "التحديات التي أثارها أمام الحرس الثوري إضافة لوعوده بالإفراج عن قادة إصلاحيين يقبعون رهن الإقامة الجبرية كل ذلك سيضعه على طريق المواجهة إن لم يكن الصدام مع المحافظين".
رئيس بين الرمضاء والنار
أما المحلل السياسي البارز بنام بن تاليبلو فيرى أنه "على الأرجح لن يكون روحاني مستعدا ولا قادرا على مواجهة المحافظين... من يريدون التغيير الحقيقي مجددا يختارون، للأسف، بين الرمضاء والنار".
أخيراً.. بإمكان الحكومة العميقة في إيران أن تعرقل أي تقارب مستقبلي مع الغرب ما لم يكن روحاني مطيعاً لها، وسيكفي لتمزيق أي جهد لروحاني في هذا المجال دعم القوات المتنازعة في مناطق الشرق الأوسط المشتعلة.
اضف تعليق