فجر الجمعة، حمل 59 صاروخاً أمريكياً من طراز (توماهوك) رسائل مباشرة إلى كل من وروسيا وإيران وكوريا الشمالية بالدرجة الأولى، والداخل الأمريكي والنظام السوري بالدرجة الثانية.
ما أراد أن يقوله ترامب من عشرات الصواريخ التي سقطت على قاعدة الشعيرات الجوية في حمص السورية، هو: "إلى خصومنا الذين استخفوا بنا في عصر أوباما.. أنتم في عهد ترامب الذي لا يتردد عن كشف كل وسائل ما تبقى من قوة أمريكا واستخدامها في أي لحظة"، وهذا ما يثير ارتياح المعارضة السورية التي كانت قد فقدت الأمل للوهلة الأولى بعد تسلم ترامب قيادة البيت الأبيض وطرحه لشعار أمريكاً أولا!!.
ماذا بعد الثأر لجثث شيخون الهامدة؟!
التنظيمات الإرهابية التي تقاتل النظام السوري تحت مسميات مختلفة، والتي طالما أظهرت مقتها الشديد لـ "أمريكا الكافرة"، تعلم جيداً أن ما قام به ترامب -على صعيد مصالحهم الخاصة- لن يعدو أكثر من أن يكون "جعجعة بلا طحين"، وأن ثمة أهداف أخرى تسعى إليها واشنطن ستكون هذه التنظيمات أو ما يعرف بالمعارضة السورية أفضل وسيلة لتحقيقها، فترامب الذي ظهر بعد تنفيذ الضربات العسكرية على أنه المنتفض لجثث الأطفال الهامدة في خان شيخون، كان قد فضل السكوت عن الأسد في وقت سابق، لكنه سرعان ما أعاد النظر في هذا السكوت.
الأمر أكبر بكثير مما يراه هؤلاء.. فمع نهاية سيناريو سيطرة هذه التنظيمات على دول عديدة في المنطقة، وبدء جولة جديدة سيكون أبطالها الكبار، ليس أمام هذه التنظيمات سوى التشبث بحلم ثورة ترامب لأجلهم، فيما يستعد كل من روسيا وإيران لرد يضمن بقاء وجودهما المفروض ضمن حسابات الولايات الأمريكية المتحدة.
لكن هل بإمكان 59 صاروخاً أن تخيف خصوم واشنطن.. هل هي كافية لإعادة ترتيب الوضع كما تريد؟".
رد سوريا
بالتأكيد لا.. بالنسبة لسوريا التي تدعمها روسيا وإيران وفصائل مقاومة "شيعية" فهي لن تفضل السكوت دون رد، ليس على مستوى التصريحات وتبرير موقفها فقط، ربما تقوم برد عسكري غير معلن، بل إن استمرارها بقصف مواقع المجموعات الإرهابية والمعارضة السورية التي تدعمها واشطن يعتبر رداً مزعجاً لترامب، لأنه اعتقد أن هذه الضربة أخافت النظام السوري كثيراً مع ما ترافقها من مآرب أخرى لم يصرح بها عبر تصريحاته، لكن الأخير بارع في استخدام تكتيكات أخرى نجح في استخدامها على مدار سنوات ومنها التجويع مثلا، أو فرض الحصار على بعض المناطق.
59 صاروخاً لن تصلح الأوضاع المضطربة!
اما الوضع المضطرب عالمياً، والذي قد تتوقع واشنطن وحلفائها أنه بالإمكان إعادة ترتيبه وإصلاحه بمجرد عودتها كلاعب قوي في المشهد السوري والشرق الأوسط عموماً عبر هذا الاستهداف العسكري، فلن يوفره 59 صاروخاً أبداً.
فلا يمكن إهمال الخلافات السياسية المحلية العميقة داخل كل من أمريكا ولندن وفرنسا وتركيا وباقي الدول الداعمة لواشنطن والمتحالفة معها، والتي انعكست بشكل كبير على السياسة الخارجية لهذه الدول، وأي محاولة لإعادة ترتيب الأوضاع والاضطرابات في المنطقة فهي تستدعي صفاءً داخلياً يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر.
استثمار الروس للهجوم الأمريكي
أما روسيا التي تملك سماء سوريا وأرضها، ففضلت استقبال رسائل واشنطن عبر هذه الهجمة برد هادئ جداً، واكتفت باعتبار الهجوم على أنه "عدوان على دولة ذات سيادة"، لكنها بالمقابل عززت دفاعات الجيش السوري.
كما تحاول روسيا استثمار هذه التطورات بشكل يضمن لها وجوداً أقوى في المشهد العالمي على حساب تراجع واشنطن، فالرد الروسي تناول مستقبل علاقاتها مع الجانب الأمريكي والتعاون العسكري المشترك في سوريا لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، والحديث الآن يدور حول المخاوف من موت التحالف الأمريكي الروسي قبل أن يولد بشكل عملي والتي ستبقى سيدة الموقف.
يقول رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد قنسطنطين كوساتشيف: "بشكل أو بآخر، لا تزال صواريخ كروز الروسية تضرب الإرهابيين والصواريخ لأمريكية تضرب القوات الحكومية التي توجه الحرب ضد الإرهابيين".
ويزيد كوساتشيف: "أخشى مع استمرار هذا النهج أن يلفظ التحالف الأمريكي الروسي المناهض للإرهاب في سوريا... أنفاسه الأخيرة حتى قبل أن يولد".
لكن روسيا ومنذ العام الماضي سعت إلى تعزيز قوتها العسكرية جوياً وبحرياً، كما أنها سعت إلى تحديث قاعدة بحرية في ميناء طرطوس وهو ما أسهم بوجود عسكري خارجي جديد لروسيا.
كما أن لها قاعدة جوية دائمة في محافظة اللاذقية بسوريا وتنطلق منها ضرباتها الجوية على الجماعات الإرهابية، إضافة إلى وجود العديد من المدربين العسكريين وقوات خاصة وقوات من مشاة البحرية ومتخصصين في المدفعية للمساعدة في مساندة القوات الحكومية السورية على الأرض، وهذا ما قد يغنيها عن أي تحالف مع واشنطن فيما لو ساءت العلاقات معها مستقبلاَ.
تعلم روسياً جيداً حجمها وحجم منافستها واشنطن، ولو أنها فسرت الهجوم وفق رؤية ترامب قليل الخبرة، لوجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع نيران الولايات الأمريكية المتحدة.. قد ترى روسيا أن 59 صارخاً كروز لا شيء بالنسبة لها، وأنها أكبر من أن تكشف وسائل القوة لديها مقابل هجوم لم يستهدفها أصلاً.
اضف تعليق