هل "المنافسة" و"التعاون" مفهومان متضادان. ينظر البعض الى الاقتصاد بنوع من الشك الاخلاقي لأنهم يرون انه يؤكد على المنافسة أكثر من تأكيده على اتجاه تعاوني اخلاقي.
في خضم هذا الجدال لابد من الاشارة الى ان الاقتصاديين يسعون لتحليل العالم كما هو وليس كما ينبغي ان يكون. نحن نعيش في اقتصاد يبحث فيه المستهلكون عن افضل منفعة ممكنة، والعمال يبحثون عن وظائف توفر لهم ظروف عمل جيدة واجور عالية، اما الشركات فهي تبحث عن أعلى الارباح. لو اردنا مناقشة اقتصاد العالم الحقيقي، وتشخيص المشاكل واقتراح الحلول، فان وجود المنافسة والمصلحة الذاتية بين الافراد والشركات سيكون افتراضا مفيدا وصالحا للعمل. دراسة الاقتصاد والسياسة العامة ستكون مختلفة جدا في العالم الافتراضي للتعاون التام.
لابد من الاعتراف بخطورة افتراض التضاد بين المنافسة والتعاون، هذا الانقسام بين جانبين احدهما يمثل الخير والآخر الشر هو انقسام زائف(1).
بدلا من ذلك، فان مفهوم التعاون هو في الحقيقة متضمن في معنى كلمة "ينافس". طبقا لقاموس اكسفورد الانجليزي، كلمة ينافس (compete) مشتقة من (com) وتعني "مجتمِعاً" و(petere) التي لها معاني مختلفة تتضمن "يسعى الى، يعمل لأجل، يحاول الوصول، يكافح، يبحث، يريد". وبناءاً على هذا الاشتقاق، فان المعنى الملائم للمنافسة سيكون" السعي الجمعي"، "محاولة الوصول المشترك"، "الكفاح المشترك".
تأتي المنافسة في عدة اشكال. صيغة المنافسة التي يحبذها الاقتصاديون عند مناقشة الاسواق هي لا تشبه الذئاب المتنافسة على حضيرة أغنام، ولا هي تشبه الاعشاب في تنافسها لخنق الزهور. المنافسة المبنية على السوق والتي تصورها الاقتصاد هي تلك المنضبطة بالقواعد والاحكام، والذين ينتهكون القواعد بالاحتيال والسرقات والجرائم الاخرى هم بوضوح خارج العملية المشتركة لمنافسة السوق.
ان المنافسة المرتكزة على السوق تشبه في روحها التفاعل بين متزلجي العاب الاولمبك، التي بها يؤدي الضغط من المنافسين الآخرين ومن الحكام في الخارج بالافراد للبحث عن الابتكار، وللعمل الدؤوب في أداء السلوك القديم والمألوف بطرق جديدة وجيدة. صحيح ان المتزلجين يحاولون بذل جهودا شاقة للمنافسة والفوز، لكن ما يقومون به من عملية منافسة وفق قواعد متفق عليها هي مهمة مشتركة تحمل معنى تعاوني عميق. في عام 1994 وفي بطولة المتزلجين الامريكيين، عندما قامت زوجة احد المتزلجين باستئجار احد افراد العصابات لكسر ساق متزلج اخر، كان الهجوم بوضوح خارج معنى المنافسة لأنه شكّل خرقا لجوهر التعاون الذي يكمن خلف العمل التعاوني الاولمبي.
وكما ان المنافسة لا تعني "كل شيء مباح"، كذلك الاستنتاج السريع بان التعاون عمل فضيل هو ايضا غير مبرر. في عدة حالات، التعاون هو وسيلة للجماعة لتسجل مزايا ضد من هم خارجها. مثلا، لو ان شركات كبيرة تتعاون في تشكيل لوبي من السياسيين الوطنيين لأجل اعتماد سياسات تفرض تكاليف على المستهلكين ودافعي الضرائب كطريقة لزيادة الارباح، فهو بالتأكيد مثال على سلوك غير اخلاقي. لو ان الشركات تتعاون في مسعى لرفع الاسعار التي يتقاضونها من المستهلك، فهي ليست شرعية وفقا لقوانين انتهاك الثقة لأنها تمثل فشلا في التنافس. اولئك الذين ينتهجون التمييز القائم على العرق او الجنس او الاثنية عادة يجسدون درجة عالية من التعاون مع الآخرين الذين يشتركون معهم في النظرة. المجرمون عادة يتعاونون مع بعضهم برفض الكشف عن المجرمين الاخرين. الحرب عادة تستلزم صراعا بين مجتمعات تجسّد مستويات عالية من التعاون الداخلي.
باختصار، ان امثلة العالم الحقيقي عن التعاون هي ليست بنفس مقدار اللاانانية لدى المتبرعين بالدم او منْ يرسل نقوداً للجمعية الخيرية. بدلا من ذلك، التعاون في العالم الحقيقي يُفرض من جانب جماعة من الأقران، مستعملين حزمة من الحوافز الاقتصادية والقانونية والاجتماعية لتكريم اولئك المنسجمين مع الجماعة وفرض تكاليف على من هم خارجها. الذين يعتقدون ان التعاون يجب ان يتساوى اوتوماتيكيا مع الفضيلة يجب عليهم عدم التسرع ودراسة كل سلوك تعاوني وما ينوي انجازه وكيف يتم فرضه على افراد الجماعة الذين قد لا يرغبون بالتعاون في مواقف معينة.
بالمقابل، المنافسة ضمن سياق السوق تتم كسلسلة من قرارات تعاونية حقيقية، تحدث باستمرار بين المشتري والبائع ضمن اجراء طوعي يحظى بقبول متبادل. فكرة التعاون هذه ضمن السوق هي جوهر عمل الفيلسوف روبرت نوزيك في عام 1974 بعنوان "الفوضوية، الدولة واليوتوبيا" حيث يعمل الرأسمالي بين اناس ناضجين ومتفقين (2).
عندما توفي ستيف جوب عام 2011، كانت وسائل الاعلام تزخر بالثناء على الكيفية التي حوّل بها عالم المستهلك الالكتروني عدة مرات، من الحاسوب الشخصي الى جهاز الموسيقى المحمول الى التلفونات الذكية. ولكن اذا كنا نعرف ستيف جوب كفرد فلابد من ادراك انه في عدة حالات – من حيث عدم اللباقة والقسوة - كان مناقضا لما يعد تقليديا كشخصية تعاونية(3).
ان نوع التعاون الذي تنطوي عليه المنافسة لا يتطلب من المنافسين ان يكونوا هم انفسهم ودودين ورقيقين تجاه كل منهم. وكغيره من قادة الاعمال الشاقة، كان جوبز يتنافس بشكل مشابه لقطاع السوق وبنفس السلوك الذي يمارسه متزلجو الاولمبك، يكافحون مجتمعين ضد المنافسين من الشركات الاخرى في عملية محكومة بقواعد ليربحوا سباق الابتكار. ملايين الناس اظهروا رغبتهم للتعاون مع (آبل) وذلك بشراء منتجات لعب فيها جوبز دورا هاما في تصميمها وجلبها للسوق.
النظر الى السوق كمزيج من التنافس والتعاون اصبح بدرجة ما معيارا في مدارس الاعمال. وبالعودة الى عام 1996، كتب Adam M. Brandenburger and Barry J. Nalebuff كتابا هاما سمي "التعاون التنافسي" Co-opetition، والذي وُصف كما جاء في الغلاف "بالعمل الثوري الذي يجمع بين المنافسة والتعاون"(4). الكتاب يشير الى العديد من الطرق التي تتشابك بها المنافسة مع التعاون.
فمثلا، العديد من الشركات تأمل بامتلاك علاقات مستمرة مع زبائنها، وهي تنتفع عندما يقدّم الزبائن لها الاتصالات والتغذية المعلوماتية الصادقة. كذلك العديد من الشركات تعتمد على العلاقات الطويلة الأجل مع مجهزيها، وهي تعوّل على اولئك المجهزين في عمل استثمارات طويلة الاجل وفي متابعة الابتكارات باسلوب تعاوني. اذا كانت الشركات في سوق معين تمثل منافسين فقط، عندئذ فان مكاسب اي شركة منفردة تعني خسائر للشركات الاخرى. ولكن اذا كان المنافسون لشركة في سوق معين يتصرفون بطريقة تجعل السلعة تبدو غير آمنة او ان الصناعة تبدو غير مسؤولة، عندئذ جميع الشركات في تلك الصناعة ستتحمل النتائج السيئة. وبالعكس، اذا كان المنافسون في السوق يبتكرون بطريقة معينة تقود لافتتاح فرص سوقية جديدة، فجميع الشركات في ذلك السوق ستجني المنافع.
باختصار، المنافسة والتعاون ليسا قطبين متضادين. المنافسة تشير الى الموقف الذي يطبق فيه الناس او المنظمات (كالشركات) جهودهم ومواهبهم نحو هدف محدد، ويستلمون منافع تقوم اساسا على أدائهم قياسا بأداء كل واحد منهم. النقيض الحقيقي للمنافسة هو الموقف الذي يكون فيه اولئك المكافحون لتحقيق هدف معين يحققون محصلات غير مرتبطة بأدائهم الحقيقي، كما يحدث عندما تبطل الحكومات عملية المنافسة بتقديم المعونات للشركات الخاسرة.
التعاون يشير الى الموقف الذي يبحث فيه المشاركون عن محصلة الربح الناتج عن العمل المشترك لكل الاطراف. وهكذا، سيكون النقيض للتعاون هو الموقف الذي يصعب فيه تحقيق ربح لكل الاطراف. هذا قد يعكس حالة الفوضى او مجموعة الآراء الاجتماعية التي فيها يتوقع الناس انهيار الاتفاقات التعاونية وهكذا، سيكون الحافز للتعاون ضعيف.
اذا كانت المنافسة والتعاون يُفهمان كخيارات طوعية، فان الاقتصاد المخطط كليا سيكون النقيض لكل من المنافسة والتعاون. عندما تقرر الحكومة الاسعار والكميات، فان الاقتصاد المخطط سيقضي على حوافز المشاركين بالسوق من مجهزين او منتجين او مستهلكين سواء نحو التعاون او نحو التنافس.
لا ينبغي للاقتصاديين اعتبار مصطلح المنافسة كشعار مخز، ولا ان يتأملوا بحزن في المُثل الافتراضية للتعاون. في دراسة الاقتصاد، كما في عالم الاقتصاد الحقيقي، المفاهيم وتطبيقات المنافسة والتعاون هي متشابكة في النهاية.
اضف تعليق