شبكة النبأ: الخواء الثقافي في المحيط العربي أجمع، صناعة مؤسساتية بالدرجة الاولى، صحيح هناك مسؤولية تقع على المثقف كفرد، ولكن يبقى الفعل المؤسساتي للثقافة يتصدر النتائج دائما، بشقيّها الجيد والرديء، لذلك نلاحظ أن الخواء الثقافي العربي ومنع العراقي، هو صناعة المؤسسة الثقافية، وهي المسؤول الاول عن جميع الاجواء الثقافية ذات الطبيعة الشكلية التي لابد أن تنعكس على الاداء الثقافي، إذ يغيب عنها اي تصور حقيقي ومدروس لصناعة ركائز الثقافة الصحيحة والراسخة والفاعلة في بناء المجتمع المثقف.
إن المثقف كما نتفق هو صنيعة الحاضنة الثقافية، وطالما كانت هذه الحاضنة تفتقر للرؤية بعيدة الأفق، فغننا لا يمكن ان نصل الى بناء المثقف القادر على المشاركة الجادة والفعلية في بناء المجتمع ثقافيا، فمن يفقد الشيء لا يمكن أن يكون صانعا له، وعندما يكون المثقف ذا بناء ثقافي ركيك، أو متذبذب، هذا سينعكس بطبيعة الحال على ثقافة المجتمع نفسها.
يعود السبب في الغالب الى من يدير الشأن الثقافي في المؤسسة الثقافية، وهذا يدل بصورة اكيدة على أن القائمين عليها، يعانون من عدم القدرة على رؤية الاعماق، وكأنهم يخشون كل شيء جاد، فتجدهم يراودون القشور والسطوح دائما، ربما بسبب قصر النظر وقلة الصبر والافتقار للرؤية البعيدة، وحتما أنهم عاجزون عن ربط الأقوال بالافعال فيما يتعلق بالثقافة وتوابعها، لذلك نجد أن القائمين عليها، يستغربون الحديث عن صناعة الثقافة، وأنها اصبحت سلعة كغيرها، وأن الربح فيها اصبح مشروعا ومطلوبا، وأن بناء المجتمع المثقف لا ينحصر بالمثالي الفكري فحسب، وانما هناك دور كبير للجانب المادي.
لذلك فإن تحقيق الربح المادي من العمل بالثقافة صار أمرا محتوما لانه ينمّي الثقافة وينشرها ويجعلها متاحة للجميع، فقير أو غني، ضعيف او قوي، مغرم بالثقافة أم مجافٍ لها، قطعا لا أعني تقريع الذات بهذه الكلمات والآراء، ولكنني حانق فعلا، غاضب وساخط بشدة، هناك من القائمين على الثقافة لا يريد لها أن تنهض، بل يضع العصي في الدواليب دائما، ولا يريد للثقافة أن تخرج من تأثيره وسطوته، ولا يريد لها أن تصل لعامة الناس، كأنه يخشى فقدان الامتيازات وما شابه، ولكن لم يعد الامر مقبولا ولا مستساغا ولا نحن قادرين على هضمه!!.
قبل أيام تحدث مغترب عراقي عن مطعم في احدى المدن الاسترالية، قال: وأنا أمرّ على هذا بجوار المطعم رأيت طابورا طويلا يتجّه الى بوابته، تصورت – والكلام للمغترب- أن هناك أكلة جديدة مثيرة دفعت الناس الى الوقوف والانتظام في الطابور الطويل، ولكن تبيّن أن المطعم يبيع نسخا من كتاب جديد وصله تواً،،!. الى هنا انتهى كلام المغترب. السؤال هنا ما علاقة المطعم ببيع الكتب؟؟، وهل يخطر في بال القائمين على الثقافة العربية والاسلامية، أن يروجوا للفكر في المطاعم أو غيرها، وهل يمكن أن نتصور من اصحاب الاموال واثرياء القطاع الخاص أن يفكروا بتشغيل أموالهم في مشاريع ثقافية ربحية، تقدم الطعام والعصائر والثقافة في سلة واحدة؟!، ثم هل هناك طرق جديدة نبتكر من خلالها أبوابا ونوافذ جديدة لتسويق الثقافة ونشرها بين عموم الناس ومختلف العقول والمستويات؟، إذن هي ليست كلمات لجلد الذات وتقريعها، إنها وقائع نعيشها ونلمسها، لا شك أن ثمة خلل كبير يرتكبه القائمون على الثقافة، يشترك فيه الساسة القياديون المسؤولون بطبيعة الحال، ولكن متى كان السياسي حريصا على الثقافة والمثقف، كلنا نعرف طبيعة الصراع الأزلي بين الطرفين، المثقف والثقافة / السياسي والحكومة، لذا هي مسؤولية المثقفين أولا، واذا تراجعت الثقافة تراجعت المجتمع برمته، وهذا التراجع تتحمله الثقافة والقائمين عليها.
علما أن التجارب العالمية المتاحة في هذا المجال معروفة، يمكننا الاستفادة منها، قادة الثقافة اليوم يتحملون المبادرة والتأسيس لتحويل المشاريع الثقافية الى حقل الصناعة والربحية المدروسة، لم تعد الثقافة استهلاك يثقل كاهل الدولة او القطاع الخاص، مثقفو العالم المتطور يبدعون بتلاحق واستمرار في مجال تحويل الثقافة الى صناعة، والمثقف الى صانع ماهر، قد يبدو الامر مرتبط في سلسلة شائكة متعددة الاطراف (اجتماعية ثقافية اقتصادية سياسية حضارية)، ولكن يبقى على الدوام دور المثقف يتقدم الادوار كلها، فضلا عن أن المثقف العراقي العربي خامل متردد كسول، يترقب ما يجود به السياسي عليه لذلك تقع مسؤولية تحويل الثقافة الى صناعة على المثقف والمسسة الثقافية في وقت زاحد، ولا يعني التملص من هذه المسؤولية خلاصا من عواقبها،، فالتأريخ لا ينسى أحدا يستغل قيادة الثقافة لتحقيق مصالحه مقابل فشل في نشر الثقافة وتعضيدها، لذا على قادة الثقافة، التصدي لمهمة تصنيع الثقافة وتحويلها الى مصدر ربحي متنام، أو اعلان التنحي والفشل، وترك القيادة لمن يتمكن من تحقيق هذا الهدف.
اضف تعليق