مع كل زيارة أربعينية أيضاً، تترسخ القناعة بأن لكربلاء قوة معنوية هائلة تحث المؤمنين على التعاون على البر والتقوى والعمل الصالح من أجل خير أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم والإنسانية جمعاء، وهو تأكيد آخر على أهمية تشجيع الناس على زيارة سيد الشهداء، وتنمية وعي الزائرين بعظمته، وضرورة التمسك بنهجه...
مع كل زيارة أربعينية، تبيّن الوقائع – بالحقائق والصور والأرقام - أن كربلاء حدث استثنائي في مجالات عديدة، وأن كربلاء محطة جذب هائلة يجتمع الناس حولها لاستذكار قيم العدل والحرية والمحبة والخير والفضيلة والعفاف والسلام التي باتت اليوم محاصرة في العديد من بقاع العالم؛ خاصة في دول المسلمين.
مع كل زيارة أربعينية أيضاً، تترسخ القناعة بأن لكربلاء قوة معنوية هائلة تحث المؤمنين على التعاون على البر والتقوى والعمل الصالح من أجل خير أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم والإنسانية جمعاء، وهو تأكيد آخر على أهمية تشجيع الناس على زيارة سيد الشهداء (عليه السلام)، وتنمية وعي الزائرين بعظمته (عليه السلام)، وضرورة التمسك بنهجه الإصلاحي، وترسيخ الانتماء الفكري والعملي لسيد الشهداء (عليه السلام). يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "إن المتتبع للأحاديث التي جاءت حول فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يدرك عظمة هذا الشهيد الطاهر، وعلو مكانه، وارتفاع شأنه وشموخه في العالمين ومقامه عند الله عز وجل".
إن النهضة الحسينية حركة إصلاحية شاملة تبدأ بذات الإنسان والمجتمع والدولة، ومن هنا، فإن الشعائر الحسينية اتسمت بسمة الإصلاح والتغيير، فكانت المجالس الحسينية -وما زالت- نقطة انطلاق نحو تحقيق قيم الإيمان والحرية والعدل والفضيلة. يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يُخرِج الأمة من المنكر إلى المعروف، وأن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، القائم على الخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه كان يرى أن الدين على وشك أن يُحرّف، فأراد أن يعيد الدين غضا طرياً".
قال الإمام الحسين (عليه السلام) في بداية نهضته: "إني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي"(بحار الأنوار. العلامة المجلسي، ج٤٤، ص٣٢٩). هذا الشعار يعرّف بجوهر قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وحركته النهضوية، ويحدد الأهداف التي ينبغي على الحسينيين السعي إلى تحقيقها، فإن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء تتحرك من أجل إصلاح الذات أولاً، ثم المجتمع، للوصول إلى إصلاح الدولة باعتبارها المؤسسة التي تشرف على إدارة أمور المجتمع. وهذه القيم الحسينية النهضوية، العالم اليوم بأمس الحاجة إليها، وهو متخم بآلامه وظلمه ومعاناته، ومشاهد الدم المسفوح، والاحتقانات والعصبيات والنزعات العدوانية، والأزمات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وحيث أخبار الفساد بأنواعه تملأ الصحف والفضائيات.
إن حب الحسين (عليه السلام) الذي يدفع الملايين لقطع المسافات الطويلة مشياً على الأقدام متحدين المخاوف والأخطار في زيارة الأربعين، من المفترض أن يدفع تلك الملايين باتجاه الهدف الذي تحرك سيد الشهداء (عليه السلام) باذلاً نفسه وأهله وأصحابه من أجل تحقيقه، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل على تحويل حب الإمام الحسين (عليه السلام) المتجذر في نفوس الحشود المليونية -الأربعينية على وجه الخصوص- إلى حب يستوجب اتباع هدى سيد الشهداء (عليه السلام)، واقتداء بنهجه، وعمل بأوامره وإرشاداته (عليه السلام)، عملاً بمقتضى قوله (عز وجل): (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(آل عمران/31).
إن توظيف حب الملايين الأربعينية للإمام الحسين (عليه السلام) في طريق الإصلاح، ينبغي أولاً أن يبدأ من خلال تحديد السبل الكفيلة لأن تكون الملايين الحسينية، التي ظلت وفية لإمامها رغم جور الجائرين وكيد الظالمين و إرهاب التكفيريين، قوة تغيير لتحقيق الإصلاح العظيم الذي نشده الإمام الحسين (عليه السلام).
كما أن تأهيل الجمع المليوني الحسيني إلى جمع إيماني إصلاحي يحتاج أولاً إلى الإجابة عن سؤال في غاية الأهمية، وهو: ما هي المشكلة التي تجعل المجتمع يعاني من نسب عالية في الفساد والتخلف، وهو يضم بين أفراده ملايين المؤمنين والمؤمنات؟! إن حل هذه الإشكالية خطوة مهمة ينتقل من خلالها عمل المصلحين العاملين من دائرة التنظيرات والتمنيات إلى جادة الحل وإنجاز التغيير وإنجاز الإصلاح، خاصة بعد أن ساءت الأحوال وتأزمت الأمور.
الدوافع والأهداف
امتاز الإمام الحسين (صلوات الله عليه) عن سائر الشهداء والثائرين -عبر التاريخ- بخصائص جعلته سيد الشهداء من الأولين والآخرين، وهذا لا باعتباره إماماً معصوماً فقط، ولا لأنه سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته من الدنيا فحسب، بل لجلالة أهداف ثورته، وعظمة التضحية التي قدمها (عليه السلام)، وتكاملية أبعادها على مستوى الحاضر والمستقبل القريب والأبعد.
بالتالي، فإن لا غرابة في أن زائر اﻹمام الحسين (عليه السلام) يحظى يوم القيامة بخصائص كثيرة، كما ورد في رواية عن اﻹمام الباقر (عليه السلام): "يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، وتلقاه الملائكةُ بالبشارة ويقال له لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك" (بحار الأنوار.العلامة المجلسي، ج98، ص10).
وإن الله (عز وجل) يضاعف للمنفق في مسيره إلى زيارة اﻹمام الحسين (عليه السلام) أضعافاً كثيرة، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): "يُحسبُ له بالدرهم ألف وألف، حتى عد عشرةً، ويُرفعُ لهُ من الدرجات مثلها، ورضا الله خير له ودعاء محمد ودعاء أمير المؤمنين والأئمة خير له" (كامل الزيارات. الشيخ جعفر بن قولويه القمي، ج1 ص128).
وإن الله (عز وجل) يغفر لزائر اﻹمام الحسين (عليه السلام) ذنوبه ويمحوها مهما كانت، حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "ولا يسأله عن ذنب عمله في حياة الدنيا، ولو كانت ذنوبه عدد رمل عالج، وجبال تهامة، وزبد البحر" (مستدرك الوسائل. المحدّث النوري، ج10 ص237).
كما ذكرت الروايات الشريفة، إن الله (عز وجل) جعل لزوار اﻹمام الحسين (عليه السلام) أجراً عظيماً وخصائص كثيرة، منها: غفران الذنوب، وحق الشفاعة لمن يشفعون له، وغيرها. وإن أهل البيت (عليهم السلام) يحثون شيعتهم ومحبيهم على زيارة الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) ويشجعونهم على ذلك حتى مع وجود الخوف والخطر.
يقول المرجع الشيرازي (دام ظله) مخاطباً الزوار الكرام، السائرين إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام:
"حينما تدخلون مدينة كربلاء المقدسة سيصافحكم جميع الأنبياء (عليهم السلام) إن شاء الله، قد لا تشعرون بذلك، لكنكم سترون نتائج ذلك في المستقبل، ثم إن الله (عز وجل) ينعم على زائر الإمام الحسين ثواب حجة واجبة ومستحبة بكل قدم يخطوها. وحيث أنكم متساوون في بعض الأمور، وتتفاوتون في أخرى، فيشملكم جميعاً دعاء أهل البيت (عليه السلام)، ومصافحة أنبياء الله (عز وجل)، ولكنكم قد تتفاوتون في المنزلة التي سيحددها لكم الإمام الحسين (عليه السلام)، لذلك يجدر بكم أن تتنافسوا في السعي الى التحلي بالأخلاق الحميدة، وإنجاز الأعمال الصالحة، لكي ترتفعوا بدرجاتكم ومنازلكم عند الله (عز وجل)".
ويقول الفقيه السيد محمد رضا الشيرازي (قده) إن:
"العظمة التي نجدها في الإمام الحسين (عليه السلام) لا نجدها في أي شخصٍ آخر على مر التاريخ، علماً بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام علي وفاطمة الزهراء (عليه السلام) أعظم من الإمام الحسين، وهذا التعظيم ليس خاصاً بنا نحن الشيعة، بل إن كافة المسلمين ومن غير المؤمنين يعظمون الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً."
ويرى (قده) أن:
"سبب العظمة هو الارتباط بالله (عز وجل) حيث نقرأ في زيارة الأربعين: (فبذل مهجته فيك...)، فهذه العظمة هي عظمة إلهية لذا تكون باقية. لذلك علينا السعي ما أمكننا للارتباط بالله سبحانه وتعالى حتى نضمن البقاء، فبالقدر الذي نربط أموالنا بالله نكون باقين، كما أن الذين ربطوا أنفسهم بالإمام الحسين (عليه السلام) من خلال بناء الحسينيات، فإن ذكراهم تبقى بعد موتهم، فالإنسان يموت وتذهب أمواله، لكن المسجد والحسينية تبقى له في هذه الدنيا، وتبقى أيضاً عند الله (عز وجل) وهو الأهم. ومن سيل الارتباط بالإمام الحسين (عليه السلام)، زيارة الأربعين، فهي من علامات المؤمن بنص الإمام المعصوم".
إن زيارة الأربعين أضحت حدثاً عالمياً، حدث لا تعرف البشرية له نظيراً، على المستوى المادي والمعنوي، وهذا ما يجعل الحدث الأربعيني استثنائياً، وإن المشاهد المرتبطة بزيارة أبي الأحرار (عليه السلام)، التي ترتسم على أصقاع عديدة من الأرض، وخاصة في كربلاء المقدسة، وخاصة زيارة الأربعين، تعبق يمواقف نادرة وفريدة.
فليس في الأرض ما يشبه مشهد ملايين السائرين، مشياً على الأقدام، مستصحبين معهم الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، مسافة تتجاوز 600 كيلومتراً، لا يبالون بحرارة الشمس وعواصف الغبار، ولا تساقط الأمطار وبرد الثلوج، كما لا يأبهون بسيارات الإرهابيين المفخخة وعبواتهم الغادرة، وهو تعبير صادق عن عمق ارتباط هذه الحشود المليونية بالإمام سيد الشهداء (عليه السلام).
إن عمق الانتماء لكربلاء ينبغي أن يدفع المؤمن الى بلورة حبه لسيد الشهداء (عليه السلام) الى كلمة طيبة، وعمل صالح، وعلم نافع، وخلق رفيع، ونصرة المظلوم، وإصلاح ما فسد من أمور الحكم والناس، ومد يد العون للمحتاج والضعيف، ورعاية الأيتام والأرامل، واتخاذ كبير المسلمين أباً وأوسطهم أخاً وصغيرهم ولداً، والنظر الى الناس على أنهم إما أخ في الدين أو نظير في الخلق، وإن كربلاء نهضة إصلاحية لم تتوقف منذ أن انطلقت في العام 61 هـ، وإن ساحة الفوز والخسارة ما زالت مفتوحة للجميع، وهذا ينبغي أن يكون حاضراً في قلب وعقل ووجدان الزائر.
في توصياته الى الزوار الأربعينيين، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله):
"استفيدوا من هذه الزيارة الاستثنائية استفادة استثنائية، ليحاول كل واحد منكم، خلال الأيام التي يقضيها في هذه الزيارة، أن يهتم بمحاسبة نفسه يومياً، ولو لدقائق معدودة، من أجل إصلاحها، كما أكد الأئمة (عليهم السلام) ذلك. وخلال زيارتكم للإمام الحسين (عليه السلام) ادعوا الله (عز وجل) أن يفرج عن إخوانكم الشيعة في كل مكان، فلعله بذكركم لإخوانكم يستجاب دعاؤكم وينظر الله (عز وجل) إليكم".
ويقول (دام ظله):
"على الزوار الحسينيين أن يعرفوا أن عليهم أن يتحلوا بالصفات الإيمانية الفاضلة التالية، لتحقيق أدب الزيارة ونتائجها المرجوة، وهي: الإخلاص لله (عز وجل)، السعي والمشاركة في إنجاز الأعمال الصالحة، الالتزام بالأخلاق الحسنة."
استحضار الدين واستنقاذ الناس
إحياء الإسلام، وانعكاس قيم هذا الدين الخاتم على مواقف الإنسان وسلوكه، ثم النهوض بالمجتمع صعوداً في مراتب العدل والسلام والخير والفضيلة، وصولاً إلى التقدم في مناحي الحياة. هذا هو جوهر نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء.
فكانت كربلاء وما زالت وستبقى، قطباً لهداية الإنسان لكل خير وبر، ولكل ما ينفع الناس، فعلى الإنسان ألا يحيد عن الحق قيد أنملة، وألا يظلم أحداً، أي أحدٍ، فقد قال الإمام السبط (عليه السلام): "إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله جل وعز." (الكافي. الكليني، ج٢، ص٣٣١). وقال لولده علي الأكبر: "يا بني، اصبر على الحق، وإن كان مراً."(وسائل الشيعة. الحر العاملي، ج١٥، ص٢٣٧).
وكانت عاشوراء وما زالت وستبقى، مدرسة تفيض للأحرار ثباتاً على القيم النبيلة، وتضحية بالغالي والنفيس من أجل الأهداف الكبرى، لاسيما إذا كان الهدف هو صيانة الدين وكرامة الإنسان، وقد قال الإمام الشهيد (عليه السلام): "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أيّها الناس، من كان له على الله أجرٌ فَلْيَقم، فلا يقوم إلا أهلُ المعروف" (بحار الأنوار. المجلسي، ج٧٥، ص٣٢٤).
وكانت كربلاء ومازالت وستبقى، منبعاً لمكارم الأخلاق، وكلمة طيبة تدعو الإنسان إلى إصلاح نفسه والارتقاء بها ورعاً وفقهاً وعلماً وخلقاً. وقد قال الإمام المظلوم (عليه السلام): "الصدق عِز، والكذب عجز، والسِرُ أمانة، والجِوارُ قَرابة، والمعونة صداقة، والعمل تجربة، والخُلُق الحَسَنُ عبادة، والصمت زَيْن، والشُّحُّ فقر، والسخاء غِنًى، والرِّفقُ لُبٌّ" (تاريخ اليعقوبي.ج2، ص246).
وكانت كربلاء ومازالت وستبقى، فخراً للمصلحين، وملاذاً للثوار، وعزماً للأبطال، في عالم يسوده ظلم وطغيان، وينخره الفساد بكل أنواعه. فقد قال الإمام الغريب: "فاني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً" (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٨١).
وكانت كربلاء وما زالت وستبقى، قوة دفع هائلة تستنهض المؤمنين اليوم ضد الظلم والقهر والفقر، وتوقد همم المصلحين لتستنقذ شعوباً _خاصة المسلمة_ طوقتها أزمات ثقافية وسياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وأخلاقية وصحية ونفسية وبيئية وغيرها، وقد قال الإمام المذبوح: "ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقتِ حاجته، وصرف عنه من بلاءِ الدّنيا ما هو أكثر منه، ومن نَفَّسَ كُربَةَ مُؤمِنٍ فَرّج الله عنه كَرْبَ الدنيا والآخرة، ومن أحسنَ أحسن اللهُ إليه، والله يُحبُّ المحسنين." (بحار الأنوار. المجلسي، ج٧٥، ص١٢٢).
إن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرّم، واستشهاده ومن معه على أرض كربلاء، حركة لإحياء الإسلام، قبل أيَّ شيءٍ آخَر، بعد أنْ لعبت أهواء بني أمية وعاثت انحرافاً وفساداً وخراباً، وكاد الدين أن يَنْدَرِسَ أثره ويُعفى.
وإن نهضة كربلاء دعوة متجددة إلى عدم الرضوخ لظالمٍ ولا قاتلٍ ولا فاسدٍ، والعمل نحو الأفضل من أجل الذات والمجتمع والأمة بل البشرية جمعاء، يقول الإمام المجدد الراحل، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله تعالى):
"إن ثورة الإمام الحسين لم تكن وقتية لتموت بعد زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من الضروري امتداد هذه الثورة ما دامت هذه الدنيا باقية، وهذا سر تحريض الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) على الاحتفاء بذكرى عاشوراء طول الدهر".
ويقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "قبل كل شيء، يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام الحسين وأبناؤه وأصحابه طريق الشهادة، وبهذه الطريقة المفجعة، ولعل زيارة الأربعين تجيب عن تساؤلنا حيث جاء فيها: ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، هنا استخدمت كلمة (عبادك)، وهي لا تخص الشيعة وحدهم، بل جميع العباد".
واليوم، مازالت مجتمعاتنا –عموماً- تحافظ على قيم إسلامية وأخلاقية وإنسانية، لكن بالتأكيد لا تخلو من حالات مرفوضة ومستَهجَنة، وهو ما ينبغي الالتفات إليه، فلا يخفى على أحد وجود فساد في العديد من مفاصل الحياة، فهناك مَنْ يغش في بضاعته، ومَنْ يخدع في تجارته، ومَنْ يُوهٍم في مواعظه، ومَنْ يُنافق في مواقفه، ومَنْ يُرائي في عبادته، ومَنْ يكذب في حديثه، وسياسي يخون بلده، ومسؤول لا يلتزم بمسؤوليته، وحكومي يسرق شعبه، وموظف يهمل واجبه، وهناك مَنْ يحاسب غيره ولا يحاسب نفسه، وقد ورد الحديث الشريف أنه: من أشدّ ما فرض الله (عزّ وجلّ) هو "إنصاف الناس من نفسك" (الكافي 2 : 117 | 8).
محرّم وصفر؛ وضمناً زيارة الأربعين، موسم استذكار كربلاء؛ التي تمخض عنها تضحية الإمام سيد الشهداء من أجل إحياء الدين في مواجهة دامية مع طاغية متهتك دعمته منظومة سياسية وفقهية ومجتمعية فاسدة.
محرّم وصفر؛ وضمناً زيارة الأربعين، موسم توبة واستغفار وتطهر، وأيضاً، موسم التقوى والعمل الصالح، ذلك لمن أراد النجاح في حياته، ورغب في أن ينجو في آخرته، قال تعالى: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)(النور:52). وقال سبحانه: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم)(الأعراف:96). وقد أوصى الإمام سيد الشهداء (عليه السلام): "أوصيكم بتقوى الله، فإن الله قد ضمن لمن اتقاه، أن يحوله عما يَكره إلى ما يُحب." (بحار الأنوار. العلامة المجلسي، ج٧٥، ص١٢١). وقال (عليه السلام): "فمن تعجَّلَ لأخيه خيراً وجَدَه إذا قَدِم عليه غداً، ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقتِ حاجته" (بحار الأنوار. العلامة المجلسي، ج٧٥، ص١٢٢).
اضف تعليق