ملفات - عاشوراء

ماذا علمتنا العقيلة زينب (ع)؟

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (١٩)

علَّمتنا العقيلة (ع) أَنَّ المُصابَ لا ينبغي أَن يكونَ سبباً لتسلُّلِ الشكِّ والرِّيبةِ إِلى نفُوسِنا وقتَ المِحنةِ والبلاءِ، فالفشلُ والهزيمةُ والإِنكسارُ لا تعني بالضَّرورةِ أَنَّكَ على باطلٍ وأَنَّ عدُوَّكَ أَو خصمَك على حقٍّ، فالحقُّ والباطِلُ لا يُقاسانِ بالنَّصرِ والهزيمةِ، ولا بالنَّجاحِ والفشلِ. علَّمتنا ذلكَ عندما خاطبَت الطَّاغية...

دلُّونا عن امرأَةٍ تشبهُ بخِصالِها زينَب بنتَ عليٍّ (ع) لنَحتفي بها ونُعظِّمها كما نُعظِّمُ شأنَ عَقيلةَ الهاشميِّينَ!.

 أَشِّرُوا لنا على امرأَةٍ تميَّزت بما تميَّزت بهِ زَينب (ع) من خِصالٍ روحيَّةٍ ونفسيَّةٍ وعلميَّةٍ وأَخلاقيَّةٍ لنُحيي ذِكراها كما نذكُر زينَب بنت عليٍّ (ع)!.

 وقبلَ أَن نسبِرَ بعضَ أَغوارِ شخصيَّتها (ع) أَقولُ بضَرسٍ قاطعٍ؛ إِنَّ ذكرَ عاشُوراء من دُونِها لا مَعنى لهُ! وأَنَّ الحديث عَن كربلاء بِلا زَينب ناقِصٌ ومبتُورٌ بُكُلِّ المقاييسِ! وأَنَّ دَور الحُسين السِّبط (ع) ودَور أُختهُ زَينب (ع) هُما دَوران يُكمِّل بعضَهُ الآخر، دَورُ الدَّمِ الذي ضحَّى ودَورُ الإِعلامِ الذي يبلِّغُ رِسالتهُ، ولذلكَ يجِبُ أَن لا يُذكرَ الحُسين السِّبط (ع) أَبتراً بل يجبُ أَن تُذكرَ معهُ زينب (ع) فذِكرُ الحُسين (ع) من دُونِ ذِكرها يشبهُ ذكرَ الصَّلاةِ التي وصفَها رسولُ الله (ص) بقولهِ {لا تُصلُّوا عليَّ الصَّلاةَ البَتراء} فقِيلَ يا رسولَ الله وما هيَ الصَّلاةُ البَتراء؟! قالَ {تقُولُونَ اللَّهُمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وتُمسِكُونَ بل قولُوا؛ اللَّهُمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ} فذِكرُ عاشُوراء الحُسين (ع) مِن دونِ زَينب (ع) هوَ ذِكرٌ أَبترٌ فتحاشُوهُ.

 ولا يسعُنا أَن نلُمَّ الحديث عنها (ع) بمقالٍ، ولكن وكَما قِيلَ [ما لا يُدرَكُ كُلُّهُ لا يُترَكُ جُلُّهُ] سأُحاوِلُ ذكرَ بعضٍ من خصالِها في [٣] أَبعادٍ.

 أ/ هو بناءُ الشخصيَّة الذي تجلَّى بتجلُّدِها واتِّزانِها وصبرِها وثباتِها واستقامتِها بالرَّغمِ من عِظَمِ المُصابِ الذي رأَتهُ وعاشتهُ بكلِّ تفاصيلهِ.

 ب/ هو البناءُ الرُّوحي الذي تجلَّى بإِرتباطِها باللهِ تعالى في أَحلكِ الظُّروفِ وثِقتِها بهِ عزَّ وجلَّ ثُمَّ بالنَّفسِ وبما تُؤمِنُ بهِ مِن قِيَمٍ وأَهدافٍ.

 ج/ هوَ البناءُ النَّفسي الذي تجلَّى بالشَّجاعةِ في المَوقفِ والخطابِ.

 إِنَّ اجتماعَ هذهِ الخِصال في العقيلةٍ (ع) وفي كُلِّ الظُّروفِ هي التي صنعَت منها النُّموذجِ الذي يُحتذى لكلِّ مَن يبحثُ عن [بطلٍ] يقتدي بهِ ويتَّبعَ أَثرهِ ويتقمَّصَ صِفاتهِ، بغضِّ النَّظرِ عن خلفيَّتهِ وجنسهِ وعُمرهِ.

 لقد علَّمتنا العقيلة (ع) أَنَّ المُصابَ لا ينبغي أَن يكونَ سبباً لتسلُّلِ الشكِّ والرِّيبةِ إِلى نفُوسِنا وقتَ المِحنةِ والبلاءِ، فالفشلُ والهزيمةُ والإِنكسارُ لا تعني بالضَّرورةِ أَنَّكَ على باطلٍ وأَنَّ عدُوَّكَ أَو خصمَك على حقٍّ، فالحقُّ والباطِلُ لا يُقاسانِ بالنَّصرِ والهزيمةِ، ولا بالنَّجاحِ والفشلِ.

 علَّمتنا ذلكَ عندما خاطبَت الطَّاغية يزيد في مجلسهِ بالشَّامِ بقَولها {أَظنَنتَ يا يزيدَ حيثُ أَخذتَ علينا أَقطارَ الأَرضِ وآفاقَ السَّماءِ، فأَصبحنا نُساقُ كما تُساقُ الأُسارى أَنَّ بِنا على الله هَواناً وبِكَ عَليهِ كرامةً، وإِنَّ ذلكَ لعِظَمِ خَطَرِكَ عِندهُ، فشمَخْتَ بأَنفِكَ، ونظَرتَ في عِطفِكَ جذلانَ مسرُوراً حينَ رأَيتَ الدُّنيا لكَ مستَوسِقةً، والأُمورُ متَّسِقةً، وحينَ صفا لكَ مُلكَنا وسُلطاننا، فمَهلاً مَهلاً، أَنسيتَ قولَ الله تعالى ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾}.

 وهذا الخِطابُ ترجمةٌ حرفيَّةٌ لقَولِ الله تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

 وعلَّمتنا أَنَّ الطَّاغوتَ كائِنٌ تافِهٌ جبانٌ يخشى حتَّى خَيالهُ، وهوَ إِنَّما يتقمَّصُ الشَّجاعة ويستظهِرُ البطُولة بسببِ جُبنِ النَّاسِ وتخاذُلهِم وخوفهِم من زبانِيتهِ واستسلامهِم لبطشهِ وتسليماً بأَكاذيبهِ وشائِعاتهِ.

 ولذلكَ فعندما خاطبَت الطَّاغية سعَت لاستحقارهِ وإِذلالهِ والتَّقليلِ من قيمَتهِ وإِعادتهِ إِلى حجمهِ [الطَّبيعي] التَّافهِ مِن دونِ أَلقابٍ وعناوِينَ برَّاقةٍ كما يفعلُ الذينَ يتخاذلُونَ أَمامهُ لكسبِ وُدِّهِ واستعطافهِ ومن ثمَّ للحصُولِ على بعضِ فُتاتِ موائدِ الحرامِ.

فخاطبتهُ (ع) قائِلةً {أَمِنَ العدلِ يا ابنَ الطُّلقاء، تخديرَك حرائرَكَ وإِماءَكَ، وسَوقكَ بناتِ رسولِ الله سَبايا قد هُتِكَت ستُورهنَّ وأُبدِيَت وجوههُنَّ تحدُو بهنَّ الأَعداءَ من بلدٍ إِلى بلدٍ ويستشرِفهنَّ أَهلَ المناهلِ والمَعاقلِ ويتصفَّحُ وجوههُنَّ القريبُ والبعيدُ والدَّنِيُّ والشَّريفُ، ليسَ معهُنَّ مِن حُماتهِنَّ حميٌّ ولا مِن رجالهِنَّ وليٌّ؟! وكيفَ يُرتجى مُراقبةَ مَن لفظَ فوهُ أَكبادَ الأَزكياءِ ونبتَ لحمهُ مِن دماءِ الشُّهداءِ؟! وكيفَ يُستبطَأُ في بُغضِنا أَهلَ البَيتِ مَن نظرَ إِلينا بالشَّنَفِ والشَّنآنِ والإِحَنِ والأَضغانِ}.

 لقد عرَّتهُ وفضحَتهُ وذكَّرتهُ بماضيهِ الأَسوَدِ وأَصلهِ القبيحِ وبكُلِّ ما هوَ سيِّءٌ من تاريخهِ وحقيقةِ أُسرتهِ الخبيثةِ وعائلتِهِ الدَّمَويَّةِ المُبتذَلةِ.

 وقولُها (ع) {ولئِن جرَّت عليَّ الدَّواهي مُخاطبتِكَ إِنِّي لأَستصغِرُ قدركَ وأَستعظِمُ تقريعَكَ وأَستكثِرُ توبيخَكَ، لكنَّ العيُونَ عَبرى والصُّدورَ حرَّى}.

 وعلَّمتنا العقيلةُ (ع) أَنَّ المُصابَ لا ينبغي أَن يكونَ سبباً للإِنهيارِ مهْما عظُمَ، فبالصَّبرِ والتجلُّدِ وقوَّة ِالإِيمانِ والثِّقةِ بالله وبالنَّفسِ، بكُلِّ ذلكَ يتغلَّبُ المظلُومُ على الظَّالمِ فيهزمهُ في عُقرِ دارهِ وفي أَوجِ [انتصاراتهِ].

 وعلَّمتنا (ع) أَنَّ الأُمورَ بخواتيمِها وليسَ بلحظتِها وأَنَّ الحاضِرَ بمُستقبلهِ وليسَ بلحظتهِ، فلنَحذر أَن ننظُرَ إِلى واقعِنا من دونِ أَن نرمي المستقبلَ بطَرفٍ، فالذي لا ينظُر إِلى أَبعدِ من أَرنبةِ أَنفهِ وموطئِ قدمهِ فيغفَل عن قاعدةِ [أَنَّ اليومَ يومٌ لهُ ما بعدهُ] وأَنَّ لمُصابِ اليَومِ أَو هزيمةِ وانكسارِ اليَوم أَو حتَّى الفَوزَ والإِنتصارَ بهِ سيُحدِّثنا عنها كُلَّها الغدُ وما بعدَ الغدِ، سينهزِمُ قبلَ الأَوانِ أَو أَنَّهُ يُكرِّسُ الهزيمةَ في واقعهِ.

 قالَت (ع) للطَّاغيةِ {ثمَّ تقُولُ غيرَ متأثِّمٍ ولا مُستعظمٍ؛ 

لأَهلُّوا واستهلُّوا فرَحاً---ثمَّ قالُوا يا يزيدَ لا تُشَل

مُنحنياً على ثنايا أَبي عبد الله سيِّدِ شبابِ أَهلِ الجنَّةِ تنكُتها بمِخصرتِكَ وكيفَ لا تقُولُ ذلكَ وقد نكأتَ القُرحةَ واستأصلتَ الشَّأفةَ، بإِراقتِكَ دماءَ ذريَّةَ مُحمَّدٍ (ص) ونجومَ الأَرضِ من آلِ عبد المُطَّلبِ وتهتِف بأَشياخِكَ زعمتَ أنَّك تُناديهِم! فلترِدنَّ وشِيكاً مَوردهُم ولتودنَّ أَنَّك شُلِلتَ وبكُمتَ ولم تكُن قلتَ ما قُلتَ وفعلتَ ما فعلتَ! اللهمَّ خُذ لنا بحقِّنا وانتقِم ممَّن ظلمَنا واحلُل غضبكَ بمَن سفكَ دماءَنا، وقتلَ حُماتنا}.

 ثُمَّ تُذكِّرهُ بنَوعِ العاقبةِ التي هي من سنخِ الفعلِ {فوالله ما فريتَ إِلَّا جلدكَ ولا حززتَ إِلَّا لحمكَ، ولتردنَّ على رسولِ الله (ص) بما تحمَّلتَ من سفكِ دماءِ ذريَّتهُ وانتهكتَ مِن حُرمتهِ في عترتهِ ولُحمتهِ حيثُ يجمعُ اللهَ شملهُم ويُلمَّ شعثهُم ويأخُذَ بحقِّهم ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

 وحسبُكَ باللهِ حاكِماً وبمحمَّدٍ (ص) خصيماً وبجبرئيلَ ظهيراً وسيعلَمُ مَن سوَّلَ لكَ ومكَّنَكَ مِن رقابِ المُسلمينَ بِئسَ للظَّالمينَ بدلاً وأَيُّكُم شرٌّ مكاناً وأَضعفُ جُنداً}.

 وعلَّمتنا (ع) أَنَّ التحدِّي مِفتاحُ الحقيقةِ فلا نغفلَ عنهُ مهما قسَت الظُّرُوفُ علَينا ومهما كانَ العُدوانُ ظالِمٌ ومهما كانَ الثَّمنُ المدفُوعُ عظيماً، فصاحِبُ القضيَّةِ لا ينسى التحدِّي في زحمةِ المُصابِ وحرارةِ المأساةِ قائلةً {فكِد كيدَك واسعَ سعيَك وناصِب جُهدَك فوالله لا تمحُو ذكرَنا ولا تُميتُ وحينا ولا يرحَضُ عنكَ عارها، وهَل رأيكَ إِلَّا فنَد وأَيَّامُك إِلَّا عدَد وجمعُك إِلَّا بدَد يومَ يُنادي المُنادي أَلا لعنةُ الله على الظَّالمِينَ}.

 وليتذكَّر صاحبُ القضيَّة المُقدَّسة الجوانبَ الإِيجابيَّة من البلاءِ لِيتماسكَ فلا تقتحِمهُ الهَزيمة النفسيَّة أَو ينهارَ ليثبُتَ بالطَّاقةِ الإِيجابيَّةِ.

  •  قالَت زَينب بِنتُ عليٍّ (ع) {والحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، الذي ختمَ لأوَّلِنا بالسَّعادةِ والمغفِرَةِ ولآخرِنا بالشَّهادةِ والرَّحمةِ، ونسأَلُ الله أَن يُكمِلَ لهُمُ الثَّوابَ ويوجِبَ لهُمُ المزيدَ ويُحسِنَ علينا الخِلافةَ إِنَّهُ رحيمٌ وَدُودٌ وحسبُنا الله ونِعمَ الوَكيلِ}.

اضف تعليق