زيارة الاربعين التي تؤدي إلى العقد الاجتماعي تعبر عن حالة العطاء تؤدي إلى نبذ الذات والأنانية ليصبح الانسان مندمجا مع المجتمع ويحقق ذلك التماسك والاستقرار الاجتماعي ويعبر عن الالتزام، ويشبع ذاته من خلال العلاقة الوثيقة مع الآخر وهذا يؤدي الى الصحة النفسية والعطاء، والتكافل وتحقيق الأمن الاجتماعي...
ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الشهرية موضوعا حمل عنوان (زيارة الاربعين وترسيخ العقد الاجتماعي) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، اعد الورقة النقاشية الاستاذ حيدر الاجودي، وأدار الجلسة الحوارية الاستاذ عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:
"منذ ان وجد الانسان على هذه الارض، وتكونت له تجمعات بشرية، بدأ يبحث له عن نظام اجتماعي، ينظم حياته ويحفظ حقوقه ويوفر له الامن والاستقرار، وتجمع بينهم عقيدة واحدة او دين واحد او فكرة واحدة وهكذا هي امة الاسلام والامم الاخرى.
ولكل امة، حاكم ترجع اليه امور رعيته، وهو لابد منه على كل حال حتى تنتظم امور الامة على وجه من الوجوه، فالحاكم المخلص هو الذي يسوس الامة بالرفق والعدل والمساواة ويحرص على اسعادهم ورفع قيمتهم المادية والمعنوية، والحاكم المستبد هو الذي يستعبد الامة ويسترقها لأهوائه ومآربه ويعمد على اذلالها وتخلفها.
وان من اهم الشروط التي يجب توافرها في الحاكم، الكفاءة والعدل بين الرعية وتحقيق المساواة بينها واقرار الحقوق بين ابنائها وتوفير الفرص الكريمة والا يتعالى على الاخرين ويراعي مصالح العامة، وفقدان بعض هذه الشروط في الحاكم، يصيب الحياة العامة للامة بالاختلال وعدم انتظام الحياة وغياب القرار الصائب والشعور بالغبن والظلم بين الناس مما يؤدي الى حدوث فجوات بين فئات الامة لينقلب صراعا واقتتالا بين ابنائها ومن ثم هدم كيانها وتقويض النظام السياسي.
ان الحاكم باعتباره قائدا للامة، ممسكا بيده زمام القرار، عليه ان يتنكر لذاته وينسى انانيته ويفكر بمصلحة الشعب الذي يقوده والامة التي يتزعمها، ذلك انه طرف في عقد اجتماعي مع الامة يجب عليه مراعاة بنوده، كما انه اب للجميع يراعي مصالحهم على قدر من العدل والمساواة، وحينما نراجع التجارب التاريخية العنيفة، واسباب سقوط الانظمة والحكام نرى ان الشعور بالانانية وتعميقها في نفس الحاكم هي السبب في كل الاخفاقات الكارثية التي تعرضت لها الانسانية في تاريخها الطويل.
ان التاريخ شاهد ناطق بقوة الامة وتأثيرها البالغ وقدرتها على تحقيق وجودها وارادتها في مواجهة الحاكم وهو الطرف الثاني في معادلة العقد الاجتماعي الذي سرعان ما يعتدل ميزانه اذا ما ارادت الامة ذلك، فإرادة الامة فوق كل ارادة لأنها من ارادة الله العزيز الجبار.
فالحكم عقد اجتماعي بين الحاكم وبين المجتمع، والامة هي الطرف الاول فيه ليعبر عن مصالحها ويحمي حقوقها ويصون حياتها ويحقق امنها واستقرارها ويحمي ملكيتها، والحاكم يجب ان يخضع لشروط هذا العقد وبنوده ولا يخالفها او يخرج عليها او يتجاهلها والامة هي الوحيدة صاحبة الحق في تقويم الحاكم وتقرير الموقف من شرعيته.
اذن من واجب الامة ان تحفظ وجودها من خلال تحركها الحيوي في مواجهة انحراف الحاكمين وخروجهم عن خط خدمة الامة وخيانتهم لمواثيقها، وكثيرا من الحكام وخاصة الذين اخذوا الحكم بالغلبة او الذين تسلطوا على رقاب الناس بغير حق او شرع او قانون يتجاهلون هذا العقد ولا يعترفون به ولا يعملون به، فيمارسون حكما مستبدا فيمارس الحاكم حكما مطلقا لا تحكمه شريعة او قانون، فيعمد على ارتكاب المجازر بحق البشرية ويصادر حرياتهم وحقوقهم وما يملكون.
ان الحكام كثيرا ما تجرهم سطوة السلطة فيذهلون عن أنفسهم وينغمسون في لذائذهم وينخدعون بقواهم الوهمية ويغيبون عن وعي حقائق التاريخ وطبيعة الاشياء فينزلقون في ممارسات ظالمة ومنحرفة في حق محكوميهم وخاصة اذا وجدوا من يزين لهم اعمالهم ويوهمهم بصواب مسلكهم، فتكون العاقبة ويلا وثبورا عليهم واضاعة لحقوق الامة التي يحكمونها ويصير امرهم الى تباب، فالمحكومون يسكتون زمنا ثم يثورون طلبا للحرية والحياة واستعادة الحقوق واقامة الميزان بين الحاكم والمحكوم.
واذا رأينا الامد يطول ببعض الحكام وايام ملكهم كما هو حال الامويين والعباسيين فإن ذلك يعود لأسباب منها سياسة التضليل والتجهيل والتنكيل التي يمارسها الحكام الجائرون، ومنها الغيبوبة التي تعاني منها الامة نتيجة فقدان التوازن والفهم السليم، ومنها بطأ استجابة الامة لنداء الحق والكرامة وغير ذلك من الاسباب، لكن الامة سرعان ما تنتفض فتستعيد توازنها ووعيها وتنقلب على حكامها، والتجارب التاريخية للمسلمين تنطق في ذلك ولعل اوضحها واشهرها ثورة الامام الحسين (عليه السلام) المضيئة والمحفزة للثورات والتجمعات التي تلتها لإسقاط حكم بني امية.
ونشهد في عصرنا الحاضر واحدة من أكبر التجمعات الانسانية في يوم العشرين من صفر في كربلاء، او الزيارة الاربعينية الرافضة للظلم والاستبداد، وهي أكبر مشروع إصلاحي لواقع الأمة بهدف بنائها على المستوى التوعوي والفكري والعملي، وتقويم وتحسين مسارها السياسي والفكري. إن زيارة الأربعين تجمّع إنساني يشكّل حدثا اجتماعيا غير مسبوق في العالم لما تجمعه الزيارة من دلالات على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي.
تختزن الزيارة أكبر عملية تفاعلية على عدة مستويات، فهناك الارتباط بين عالمي الغيب والشهود؛ وامتداد الماضي والحاضر والمستقبل؛ ومفاهيم بناء النفس الإنسانية؛ وديناميكيات الثورة الإصلاحية، وعناصر الهوية العاشورائية، وغيرها.
تؤمن الزيارة الأربعينية أبعاد استراتيجية الثورة بمعناها التقدمي التحرري الأوسع دلالة من الزمان والمكان بما ينتفي معه إمكانية تصنيفها من المنظور العلمي بالظاهرة الخاضعة للعوامل الزمكانية. ويظهر البعد التقدمي الشمولي في ما ترسخه الزيارة من نهج صراع الحق ضد الباطل، فكريا وسياسيا، عبر إدامة حالة الصراع مع الطواغيت والعمل على تفكيك أجندة الخصم وإبطال أدواته، وترشيد القواعد الشعبية وربطها بالفكرة والمنظور والمشروع عبر منظومة من المفاهيم؛ وتحديث حالة التفاعل الفكري والإرادي بكسر الأنماط الفكرية البالية وتحرر المنظومة والخروج على جمود الوعي وتفعيل حالة المواجهة".
وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع تم طرح السؤالين الآتيين:
السؤال الاول/ كيف تساهم زيارة الاربعين في تحقيق الامن والاستقرار والتنمية؟
السؤال الثاني/ ما هو دور الحكومة والنخب والكتل السياسية في استثمار زيارة الاربعين لتحقيق العقد الاجتماعي؟
المداخلات
نشاط مزدوج.. ديني واجتماعي
- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
زيارة الأربعين تعد نشاط مزدوج ديني وفي نفس الوقت نشاط اجتماعي مهم بالنسبة للعراقيين، فالعراقيون من الشمال الى الجنوب يستعدون لهذه الزيارة استعدادا كاملا، روحيا وماديا، والحقيقة ترافق هذه الزيارة أمور كثيرة جدا على المستوى الاجتماعي والأخلاقي بالدرجة الأولى فنلاحظ كل القيم الجيدة والجميلة واللطيفة تبرز في أخلاقيات وسلوكيات المجتمع الكربلائي والمجتمع العراقي بشكل عام، وهذه الحقيقة يجب أن تستثمر لصالح تنمية الجوانب الأخلاقية، والجوانب السلوكية، حتى الجوانب الأمنية، كما نلاحظ في زيارة الاربعين تستعد التشكيلات الأمنية بكل مسمياتها وبدلا من أن تقمع أو تحاصر أو تصد الزائرين كما في السابق في وقت الديكتاتورية حيث كان الزوار يسيرون عبر الطرق المتعرجة وعبر البساتين وغيرها، اما اليوم فإن القوات الأمنية هي التي تحمي وتحاول أن تيسر الأمور وتحفظ الأمن وهذه تجارب مهمة على الصعيد الأمني، للاسف الشديد لا يزال اليوم توجد الكثير من التقصير الواضح بسبب التقاطع بين السياسيين وبين الناس، لذلك نلاحظ مثلاً الناس تتحسس من وجود أي سياسي بالمواكب وغيرها ويعتبرونه جاء من اجل ان يستثمر هذه الزيارة لصالحه، لذا اصبح لزاما على الطبقة السياسية والأحزاب العمل على اعادة بناء الثقة بين المجتمع وبين السياسيين من خلال تقديم ما يثبت أنهم ضمن لحمة اجتماعية لزيارة الأربعين.
زيارة الاربعين حدث انساني
- د. خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
زيارة الأربعين هي حدث إنساني لجزء كبير من المجتمع في أي دولة من الدول وتمثل مظهر من مظاهر احترام حرية العقيدة واحترام حرية التعبير عن الرأي وباعتبارها تخلق حالة من حالات الوشائج والتواصل بين أبناء المجتمع، بهذه الحالة إذا حررنا زيارة الأربعين من بعدها الطائفي وأدخلناها على أنها استحقاق إنساني في ظل دولة ذات سيادة مدنية في هذه الحالة ممكن تكون هي ركيزة مهمة من ركائز بناء الدولة وتحقيق الاستقرار والتنمية في اطار دولة يحكمها عقد اجتماعي حقيقي، عقد اجتماعي يقوم على ان الحاكم هو يخرج من رحم المجتمع والمجتمع يعطي الطاعة لهذا الحاكم المتمثل بمؤسساته المنتخبة بحرية وبدستوره، في هذه الحالة يمكن أن تسهم زيارة الأربعين مساهمة كبيرة في تحقيق التنمية والاستقرار والأمن لا سيما انها ظهرت بناء على حدث كبير هو خروج شخص هو وعائلته وأصحابه على سلطة ظالمة ومستبدة فاسدة غير مؤهلة للحكومة فأراد أنه يدافع عن حقوق الناس وحرياتهم ويدافع عن كرامتهم الاقتصادية والاجتماعية وأهلية الحاكم الذي يحكمهم وأهلية مؤسسات السلطة التي تحكمهم والعدالة الاجتماعية. إذا استحضرنا هذه المفاهيم للقضية الحسينية في زيارة الأربعين فبهذه الحالة ستكون زيارة الأربعين عامل مهم من عوامل بناء الدولة الحديثة ونبعدها عن قضية التسييس الطائفي.
اما دور الحكومة والنخب والمرجعيات والكتل السياسية في استثمار هذه الزيارة هو أن نفهمها في هذا الإطار، أن لا ننظر لزيارة الأربعين على أنها حدث طائفي وإنما ننظر لزيارة الأربعين على أنها حدث إنساني وهذا الحدث الإنساني يريد أن يحفظ للناس بصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية والدينية يحفظ لهم كرامتهم الاقتصادية وكرامتهم الاجتماعية وكرامتهم السياسية هذا من جانب، وفي نفس الوقت أن هذه الحكومات عندما تستوعب هذا الموضوع بهذه الطريقة عليها أن توجد القيم المناسبة لهذه الزيارة يعني لأنه هناك منظومة من القيم ينبغي أنه نزجها في هذه الزيارة وهي اليوم موجودة شعبيا ومن هذه القيم التواصل والكرم والرحمة، هذا معناه أن البيئة خصبة لكن تحتاج الى من يستثمرها بطريقة جيدة في طريق العقد الاجتماعي ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الحدث من الأسس الحقيقية في العراق لبناء الدولة العراقية على أسس صحيحة وبناء دولة مدنية تحترم الحكومة بها حقوق وحريات شعبها.
بوتقة لصهر الحضارات
- الاستاذ جواد العطار:
بين شهري محرم وصفر من كل عام تشهد مدينة كربلاء المقدسة تجمعا بشريا هو الاكبر عالميا لأداء مراسم زيارة الاربعينية احياءا لذكرى استشهاد الامام الحسين في العاشر من محرم الحرام، وبحسب آخر احصائيات مجلس المحافظة لأعداد الزائرين في العام الماضي 2023 فقد بلغت أكثر من 22 مليون زائر من العراقيين والعرب والمسلمين، قدموا من كل حدب وصوب ومن مختلف الاراضي والبقاع للمشاركة والتعزية واداء الزيارة.
التساؤل الذي يطرح نفسه، هو اي قوة هائلة تقف وراء هذا التجمع والاندفاع والتحدي والبذل والعطاء اللا محدود من قبل مختلف الشرائح بدءا من الشيخ الكبير والمرأة المسنة والشاب اليافع وصولا للطفل الصغير، فالجميع يقطع القفار ومئات الكيلومترات سيرا على الاقدام غير آبه بالظروف الجوية ولا الاعباء المادية للسفر والتنقل ولا للجهود المضنية في صيف العراق اللاهب.
يقول احد المفكرين الغربيين: "ان ما جرى في كربلاء كافي لكي يحدث في قلب اكثر الناس تهاونا في الامور؛ حماسة وحزنا وهيجانا شديدا؛ وان تتعالى الروح بالكمال بحيث تستهين بالألم والموت"، لذلك فان احياء هذه المناسبات والتخطيط لاستثمارها بشكل امثل يحقق الامور التالية:
اولا: شحذ الهمم والنفس بالمعنويات، لان الانسان بحاجة بين فترة واخرى الى الغذاء الروحي لمواجهة المشاكل والتحديات والصعاب، وهذه المناسبات وخاصة عاشوراء واربعين الامام الحسين (ع) تعتبر محطة كبرى مفتوحة للتزود بالقيم والمثل والنبل، بما يخدم مسيرة التقدم والتطور والرقي ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى شعوب المنطقة والعالم اجمع. فالحسين كان ولا يزال مدرسة لتعليم الانسانية القيم السامية والمثل العليا في محاربة القهر والاستبداد والطغاة والظلم والظالمين، لذا نرى الحسينيون على مر التاريخ القديم والحديث يتقدمون صفوف المضحين والمقارعين للسلطة الظالمة، لان روح الحسين تتحرك في دمائهم وتدفعهم في اتجاه الصواب دائما، ونرى ذلك واضحا في مواقف معاصرة مثل فتوى الجهاد الكفائي بمواجهة داعش، والمقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.
ثانيا: حفظ الهوية، فقد كانت مهمة الامام الحسين وثورته تهدف للحفاظ على الهوية الاسلامية التي حاول طمسها الامويين بالتزييف والترهيب، من هنا كان احياء منهجها خطرا على استبداد الامويين والعباسيين على حد سواء، وكل الظالمين على مر العصور، ولسنا ببعيدين عن آخرهم من البعثيين الذين كانوا يواجهون المناسبات الحسينية بقسوة يدفعها خوفهم منها، بممارسة اقسى انواع القتل والتنكيل والتشريد بحق الزوار وممارسي الشعائر ولكنهم لم يفلحوا في ثني الامة وابعادها عن الحسين، فالحسين يمثل هوية هذه الامة واحياءا لوجودها وحفاظا عليها وتكريسا وترسيخا لواقعها ومستقبلها.
ثالثا: البعد الحضاري، فالمناسبات الحسينية حركة اجتماعية يمثلها الغنى الثقافي والاحتكاك بين مختلف الشعوب وتلاقي الحضارات، واثراء التراث الفكري والاسلامي واحياء جوانبه المنيرة، فالشعائر الحسينية تعبير عن الرأي العام المفضي للإصلاح، والممارسة والتظاهرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية المفتوحة لتأشير مواطن الخلل في بناء الانسان وكيان الدولة فهي بمثابة العقد الاجتماعي بين مختلف الاطراف الانسان والمواطن المؤمن الواعي واجهزة الدولة ومؤسساتها، لذا يجب تنميتها وتعميقها بالشكل الذي يمنحها دورا اكثر قابلية وفاعلية.
رابعا: الاثر التنموي، فالمناسبة بما تمثله من جذب لملايين الزوار من مختلف الاقطار والاصقاع تشكل اثرا ايجابيا وقطاعيا على حركة الحياة في مختلف المجالات خصوصا مجال السياحة الدينية، كما انها تعتبر محركا اساسيا ورئيسيا سوف يحتكم اليه الاقتصاد العراقي الذي سيتنامى لا محالة في مجالات النقل الجوي والبري وحتى البحري مستقبلا، وفي مجالات التنمية والتبادل الثقافي والتجاري والاستثمار الخارجي.
لذا فان المناسبة على الصعيد الاقتصادي فرصة لامتصاص البطالة المتفاقمة، وارض خصبة لتوفير العملة الصعبة وموردا يضاهي بإمكانياته موارد الحج والعمرة على سبيل المثال، وعليه فهي استثمار للطاقات وتوفير للوقت وليس كما توصف من قبل بعض الاقلام التي لا تنظر بعين الحقيقة "تعطيل للطاقات واضاعة للوقت".
فالمناسبات في شهري محرم وصفر تعد بوتقة لصهر الحضارات المختلفة، ومؤتمرات موسعة يشارك فيها الملايين من مختلف الشرائح والتوجهات بعفوية ولا يقتصر ذلك على العراقيين فحسب بل هي فرصة ومناسبة للتداول في شؤون الامة والتحديات التي تواجهها والسبل الناجحة لتوحيد الجهود للوقوف امامها من خلال اللقاءات والاجتماعات في الهيئات والمواكب والتزاور والتشاور طيلة ايام المناسبة، يجمعهم مشترك واحد هو الامام الحسين (ع) الذي قال عنه الرسول الاكرم (الحسين مصباح هدى وسفينة النجاة).
عقد معنوي لترسيخ الحوار الاجتماعي
- الشيخ مرتضى معاش:
العقد الاجتماعي هو ليس نظام سياسي بل هو رؤية فلسفية وعقد معنوي ثابت في ضمير المجتمع وواقعه فليس العقد ماديا، حيث يعتمد على قدرة العلاقات الاجتماعية في بناء الثقة واستخراج القيم الأخلاقية الخيرة كالصدق والانصاف والأمانة من نفوس افراد المجتمع، فمثلا في الإسلام عندنا مفاهيم قد تعبر عن مفهوم العقد الاجتماعي المعاصر كمفهوم البيعة بجانبها السياسي، وبجانبها الاقتصادي المعاملات الفقهية التي تشكل 90% من الفقه الاسلامي (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود..)، والعقود تعني العلاقات الاجتماعية القائمة على الثقة والأمانة والصدق في ما بين الناس من أجل بناء الاستقرار الاجتماعي، كما ان قضية الشورى (وامرهم شورى بينهم..) هو بمعناها الاشمل تعني الحوار الاجتماعي الذي يحقق التواصل والتوافق والتصالح فيما بين افراد المجتمع، فلذلك العقد الاجتماعي هو موجود منذ قديم الأزمان لكن الحاجة السياسية لأوروبا في مقابل استبداد الكنيسة هو الذي أخرج هذا المفهوم الموجود حاليا.
والمعارضة أساسية في بناء العقد الاجتماعي اذا المجتمع يكون معارض للحكومة ليس بمعنى المواجهة بل بمعنى المراقبة والمحاسبة في حال محاولة الحكومة التخلي عن مسؤولياتها وواجباتها، فهناك طرفان متعاقدان في قضية معينة وعلى شروط والتزامات معينة إذا أخل احدهما تسقط المعاملة ويفسخ العقد، وهذا المفهوم في المعاملات التجارية يسري أيضا في الجانب السياسي، لان قبول الشعب بالحكومة هو عقد مع الحاكم في إدارة المصالح الخاصة في اطار المصالح العامة.
ولتحقيق العقد الاجتماعي لابد من الالتزام وترسيخه عند الشعب من خلال بناء الثقة بالحكومة، فالشعب العراقي طوال عقود أو قرون طويلة لم يرى الا الاستبداد، أو حكومة تتطلع الى أن تبني ثقة في داخل المجتمع حيث يحس المواطن بالواجب الذي عليه، ولكنه في زيارة الاربعين الامر يختلف حيث يحس المواطن العراقي بالواجب والمسؤولية وأن عليه التزام في ضميره بأن يراعي كل الأمور المرتبطة بالزيارة.
فالعقد الاجتماعي كعقد معنوي مترسخ في ضمير المجتمع يؤدي إلى المسؤولية مع وجود الثقة بالحاكم والشعور الإنصاف العام، وهنا تنشأ ثقافة الالتزام بالقانون فيما لو أحسن السياسي ترجمة القانون إلى قضية واقعية، وذلك من خلال التكامل بين قوة الرادعية وقوة الردع، لانه بمجرد اختفاء قوة القانون يختفي الردع عند المواطن الذي يحتاج الى ايمان بالقانون يتحول الى ثقافة قانونية، ففي بعض البلاد يلتزم المواطن بالقانون سواء كانت عليه عين ام لم تكن.
والذي يحرك فكرة العقد الاجتماعي في الفكر السياسي الغربي كما طرحها هوبز هو نفعية الفرد ومصلحته المادية في الالتزام وليس على القيم المعنوية، لذلك فهي عقد مادي، والمصلحة المادية لاتفيد في حقيقة الامر في بناء العقد الاجتماعي لذلك يفشل لأنه كل فرد المصلحة لنفسه، دون التفكير في المصلحة المجموعية وهذا هو من أسباب فشل الرأسمالية في تحقيق العقد الاجتماعي.
ان اهم نقطة نلاحظها في زيارة الأربعين أنها عقد اجتماعي معنوي غير مستثمر في بناء الدولة، وقد طرح السياسيون في العراق مفهوم آخر في مقابل العقد الاجتماعي وهو العقد السياسي بمعنى الفوقية التي تمارسها النخب السياسية للهيمنة على المجتمع بينما اساس بناء الدولة الصحيح السليم هو فوقية المجتمع، فلا يفيد بناء الدولة الذي يأتي من فوقية الحاكم بل لا بد ان تنبثق الدولة من الشعب الذي يعطي القوة والشرعية ويستطيع من خلال العقد المعنوي والتزامه بالقيم والمبادئ أن يرفع الدولة ويرسخها.
من أهم نقاط زيارة الاربعين التي تؤدي إلى العقد الاجتماعي هو انها تعبر عن حالة العطاء التي تؤدي بالإنسان إلى نبذ الذات والأنانية ليصبح الانسان مندمجا مع المجتمع ويحقق ذلك التماسك والاستقرار الاجتماعي ويعبر عن الالتزام، ويشبع ذاته الذي يأتي من خلال العلاقة الوثيقة مع الآخر وهذا يؤدي الى الصحة النفسية والعطاء، والتكافل لتحقيق الأمن الاجتماعي.
ان زيارة الاربعين تؤدي بالنتيجة الى بناء قوة الردع واحترام القانون، فالناس في زيارة الاربعين يتعلمون مفهوم النظام ومفهوم الالتزام ومفهوم المسؤولية فهي مدرسة للتواصل وللعلاقات الاجتماعية العامة التي تقوم على الحركة المجتمعية الكاملة ويصبح هناك نوع من الاحترام والالتزام والنظام والتنظيم ولو بشكل نسبي. وتنمية العقد الاجتماعي أو ثقافة العقد الاجتماعي والعقد المعنوي تأتي من خلال تنمية الوازع الديني والاخلاقي من اللاوعي الفطري وتحويله الى حالة وعي يقظ، فيتحول هذا العمل التطوعي إلى يقظة وشعور بأهمية المسؤولية والالتزام الاجتماعي والتطوير التنظيمي، وهي امور اساسية في عملية بناء العقد الاجتماعي واستثماره من خلال زيارة الأربعين، نتيجة زخم الاحتكاك الاجتماعي الكبير الموجود والفعاليات الكبيرة التي تؤدي الى الابتكار التنظيمي.
كما ان استثمار تنمية ثقافة الحوار الاجتماعي الذي يؤدي الى ترسيخ العقد الاجتماعي وزيارة الاربعين تفتح ابواب الحوار الاجتماعي بين الناس، وتطوير المهارات ليتحول الإنسان إلى عامل محترف يؤدي به إلى أن يكون إنسان فاعل ومؤثر في المجتمع ولا يشعر بالإحباط نتيجة لعدم قدرته على التأثير بسبب فقدانه للمهارات اللازمة، وكذلك أهمية الدور الإصلاحي السياسي أنه واجب على النخبة السياسية ان تستثمر هذه الزيارة في بناء الدولة وتنمية الوعي السياسي عند الناس باحترام القانون والدولة.
تأثير عميق في مختلف جوانب الحياة
- الاستاذ حسن كاظم السباعي:
لو ألقينا نظرة على طبيعة المواسم الدينية فيمكننا القول بأنها تنقسم إلى قسمين؛ منها ما لا يمكن إقامتها إلا ببعض الشروط كأن تكون الظروف مهيئة أو الاستطاعة متوفرة، فمثلا؛ إقامة صلاة الجمعة فريضة واجبة حسب قوله تعالى: "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع .." إلا أن هذه الفريضة تسقط (على رأي بعض العلماء) ما لم تتوفر الشروط والتي أهمها إمامة الإمام المعصوم عليه السلام أو من يعيّنه وينوب عنه.
أما القسم الثاني من المواسم العبادية: فهي التي لا تسقط تحت أي ظرف من الظروف وإن لم تكن واجبة حسب القاموس الديني، إلا انه بسبب ترابطها الشديد مع الفرد والمجتمع فإنها لم تتوقف تحت أي ظرف من الظروف كما هو الحال مع زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) عمومًا أو زيارة الأربعين خصوصا، حيث إنه رغم مرور العراق بظروف صعبة وقاسية في زمن العهد السابق لكن هذه الزيارة أقيمت رغم وقوع الضحايا من الزائرين على مرّ الأعوام.
من هنا نجد أن الزيارة الأربعينية قد تجاوزت حدود كونها موسم ديني بحت وتعدت أيضا أن تكون مختصة بطائفة محددة، بل أصبحت من المواسم التي اقتحمت بقوة المناسبات الاجتماعية العامة التي يُحسب لها ألف حساب حين مجيئها لما تتركه من تأثير عميق في مختلف جوانب الحياة.
وعليه فلابد أن يساهم الجميع من حكومة ونخب وكتل في إنجاح هذه المسيرة المباركة المقدسة، ذلك لأنها أوسع من أن تشمل فقط المؤمنين بها بل هي شاملة وعامة بلا حدود ومثالها كمثل رأس السنة الميلادية وعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام حيث يشترك الملحدون في ذكرى مولده في الدول التي تقيم ذلك، ويرتبون جداول أعمالهم وما عليهم من إنجازات طيلة العام.
وفي هذا الوادي فإن كل من يستثمر فرصة هذا الموسم الشامل لمختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإنه هو الذي سيكون الرابح، فلا صاحب المناسبة يحتاج لهذا الاستثمار ولا الزوار القادمين من كل فج عميق الذين لا يمنعهم من المجيء لهيب شمس حارقة ولا زمهرير شتاء قارس، ولا يفرق عندهم قلة الإمكانات أو كثرتها ولا حتى وجود الأمن أو فقدانه.
كما أن كل من يحارب أو يعارض أو يُشكل على هذه الظاهرة المليونية فإنه هو الذي سيكون الخاسر لا الزيارة أو الزوار، وذلك ما اثبتته تجارب السنوات الماضية حيث حل مثلا بمن كان يشكل على هذه المناسبة تحت ذريعة تعطيل الأعمال لفترة محدودة أن يُعطَّل قسرا كل نشاطاته طيلة العام!، ولقد اثبت موسم زيارة الأربعين جدارته في فرض الأمن والاستقرار والتعاون ناهيك عن جلب الازدهار البيئي والسياحي وإتاحة مختلف الفرص نتيجة ترابط وتلاحم الجهات والأفراد المهتمين بهذا الأمر.
زيارة الاربعين ثروة كبيرة
- الاستاذ احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
ان العقد الاجتماعي اتفاق ضمني بين الأفراد والدولة، وهذا الاتفاق هو تنازل المجتمع عن جزء من حرياته إلى السلطات مقابل إدارة الدولة والحفاظ على أمنها واستقرارها وتقديم خدمات معينة، فيكون العقد هو متفق عليه ضمنا، وعندنا بالعرف في عقد الزواج مثلا هو فقط عقد نكاح بين المرأة والرجل هذا شرعا لكن ضمنا توجد قضايا مثل ان المرأة تتحمل مسؤوليات معينة والرجل يتحمل مسؤوليات معينة لم يتفق عليها داخل عقد الزواج ولكنها تكون ضمنا، بالنسبة لزيارة الاربعين التي تعد ثاني أكبر تجمع بالعالم حسب الأعداد لكن هذا التجمع يتميز بالحشود الكبيرة من طوائف كثيرة تشترك فيه، يعني بدأ أنه لا يخص الشيعة بدأ تهوي إليه جهات أخرى وأنه تعزز مواقف سياسية في قضايا معينة تجد أنه بعض جهات الطوائف الأخرى من أجل الوقوف على موقف سياسي وتعضيده وغيرها هذا في داخل الوطن، اما خارج الوطن نلاحظ من دول عدة تأتي لهذه الزيارة أشخاص لم نكن نعرفهم سابقاً يأتون ويتحدثون معنا ويجلسون في بيوتنا ونقدم لهم الخدمة وغيرها، هذا يولد ألفة وعلاقات وممكن هذه العلاقات في وقت لاحق وبعد انتهاء موسم الزيارة تؤدي إلى وجود مصالح مشتركة بين هذه الفئات وعلاقات اجتماعية وغيرها كما هو الحال في موسم الحج.
هناك قضايا جيدة تفرزها زيارة الاربعين من أجل تعزيز الأمن والاستقرار وغيرها من الأمور وشاهدنا بشكل فعلي وعملي أنها ساهمت نفس الشباب في زيارة الأربعين ساهموا بإسهام كبير في الحفاظ على الاستقرار والأمن في مواجهة داعش ونفس الزيارة الآن مواكبها وغيرها ومسيراتها هي التي تؤدي الخدمات الأمنية والحفاظ على الأمن وتقديم الخدمات وغيرها، ففعلاً هي تجسيد رائع لعقد اجتماعي يجب الالتفات إليه بشكل جيد من قبل الحكومة، ومن قبل المرجعيات الدينية، ومن قبل المنظمات المجتمعية التي تقوم باستثمار هذا التجمع بوجود روح عالية من التقبل من الجميع.
أمامنا ثروة كبيرة لكن علينا أن نلتفت إلى هذه الثروة وكيف يمكن أنه نستثمر هذا التجمع وهذه الروحية التي تصاحب هذه الزيارة في بناء مجتمع، وفي بناء جيل جديد، وفي طرد كثير من السلبيات ونبذها والحفاظ على بعث الروح الإيجابية داخل المجتمع، وداخل النفوس، وداخل الزوار، فقضية الكرم والتسامح والتساؤل والتقديم الخدمة للمحتاج وغيرها والبذل والعطاء هذه كلها قضايا ممكن أن تبني مجتمع كامل وجيل كامل وأجيال أيضا، اما بالنسبة لدور الحكومة هي تجد نفسها أمام حدث شاءت أم أبت أنه يحدث هذا الحدث وبالتالي دورها سيكون مجرد تقديم بعض الأشياء المختصرة والمحددة من ضمنها قضايا الأمن والنقل ويخرجون ببيان نجاح الخطة الأمنية وغيرها غير هذا لم نلحظ أن الحكومة فعلا استثمرت هذا التجمع البشري، مثلاً عندها برنامج أو رؤية معينة ممكن أن تبثها خلال هذه الزيارة تتلقفها الناس او قضايا كثيرة بالدولة أنه ممكن أنه خلال هذه التجمعات داخل المواكب وغيرها خلال الأيام الطويلة التي يقضيها الزائر في أماكن معينة استراحات معينة ممكن أنه بعض الرؤى التي تفيد الدولة والتي تفيد الخطط التنموية أن تطرحها خلال هذه الاستراحات وتروجها بشكل إعلامي جيد.
رفع الظلم والحيف عن الناس
- الدكتور خالد الاسدي، مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
زيارة الأربعين كما نعرفها بأنها حدث ملأ الدنيا وشغل الناس وما ان يتبين بوادرها حتى تتسلط الأضواء جميعها على هذا الحدث الكبير، مساهمة زيارة الأربعين في تحقيق الأمن والاستقرار هو كل أمن وكل استقرار تستطيع الدولة أن تحققه من خلال رفع الظلم عن المجتمع لأنه حتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال لمالك الأشتر: لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم، فالناس الصنفان: إما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق. حتى أن الخليفة الثالث قال فيه أمير المؤمنين وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم نبتة الربيع، فالأمن والاستقرار يتم من خلال عدم شعور الناس بالغبن فإذا ما شعر الناس بالغبن لا يمكن أن يكون هناك أمن واستقرار وتنمية، ومتى ما شعرت الحكومة بالمسؤولية ورفع هذا الحيف من المجتمع فستكون زيارة الأربعينية هي من المساهمات الكبيرة في رفع عدم الاستقرار وعدم الأمن وعدم التنمية وتكون هي حافزا كبيرا لهذه الأقطاب الثلاثة.
أما دور الحكومة والنخب السياسية والنخب الدينية في استثمار زيارة الاربعين، على الحكومة وجميع النخب السياسية وغير السياسية أن تعمل على تثقيف الزائر إلى ما يريده الإمام الحسين (عليه السلام) وهو طلب الإصلاح في أمة جده فمتى ما صلح المجتمع تكون بوادر التطور واضحة في جميع الميادين.
ترسيخ الهوية الحقيقية
- الاستاذ صادق الطائي:
كل الشعوب تبحث عن مواقف ونقاط ايجابية في تاريخها ومن خلاله تعرف انها ذات بعد تاريخي مشرق او انها تعرف ان في تاريخها فرص نورانية كبيرة، الذهاب اليها يمثل ترسيخ للهوية الحقيقية والتاريخ المسلوب للامة، اذن زيارة الاربعين تحقق الامن والاستقرار، مثلا العراق كان يعاني من تفجيرات هنا وهناك مع كل هذا فتح العراق الحدود على مصراعيها في الجانب الايسر لاستقبال زوار الاربعين من ايرانيين وافغانيين وهنود وباكستانيين جاءوا من اجل الزيارة.
وجود هذه الاعداد البشرية يعطي حالة من الاستقرار في الساحة، وجملة من الحاجات الشخصية مما تدفع رجال الاعمال واصحاب المعامل والتجار الى بناء منشآت اقتصادية ومجمعات استهلاكية وحركات تنموية عديدة، ولكن الحكومة اذا لم تشجع هكذا مشاريع وتساعد في تكوينها تكون مشكلة.
عالمية زيارة الاربعين
- الاستاذ باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
اود طرح بعض التساؤلات لإثارة التفكير، هل تم تقديم قراءة وافية من جميع الجوانب لفائدة وعظمة وضخامة زيارة الاربعين؟، اعتقد لحد هذه اللحظة في داخل البيت الشيعي نعاني من جلد الذات ولم نحدد هل هي زيارة طائفية او زيارة انسانية وما مدى توسعها وكيف نستثمرها؟، ليومنا هذا نعاني في داخلنا ونعيش هذا الصراع وكيف ممكن أن نعرف الآخر بها بأنه هي حدث قائم على محور سيد الشهداء الذي هو العمود الفقري لزيارة الأربعين ونهضة سيد الشهداء المباركة التي يقدم من خلالها مجموعة من المحاور الإنسانية والاجتماعية والسياسية والثقافية كل أبعادها بحيث أن أي شخص ممكن أن يستفاد من هذه النهضة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولكن بالمقابل الذي حمل هذا اللواء ويحاول أن يستمر في طريق زيارة الأربعين هل تم قراءتها أو استقراءها بطريقة صحيحة حتى ممكن أن نعبر للمرحلة الثانية، نعيش هذه الأزمة أزمة تعريف زيارة الأربعين كيف نرفعها بين الناس أو كيف نعترف بها مثل كيف موجودة كحدث.
المسألة الثانية التي ممكن ان تعترض عالمية زيارة الأربعين أنه في داخل البيت الشيعي هناك آراء بين المحافظين والإصلاحيين، فالمحافظون يقولون إن تبقى زيارة الأربعين كما هي نقية بدون إضافات منذ القرون الوسطى بدون أن نضيف لها أي أضافة هو حدث رباني من أيام الله عزوجل ولا نضيف أي أضافة، الجانب الآخر يقول علينا ان نعمل على كيفية استثمار هذه الزيارة باعتبارها حدث عالمي ممكن أن نستفيد من عدة جوانب وباعتبارها غير محدودة بحدود فممكن أن نستفيد منها ونطورها.
تثقيف الجماهير بالمنظومة القيمية الاصلاحية
- الدكتور حسين سرحان، مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
في النظم السياسي الصحيحة والمتوازنة والمستقرة يوجد نوع من الرقابة السياسي والشعبية وهذه تنبني إذا ما توفرت أرضية مناسبة لهذه الرقابة، فقضية خروج الامام الحسين لم يكن فقط للجانب الديني بقدر ما ان هناك موضوع وجود منظومة فساد متكاملة وانحراف في بوصلة القيادة ومنظومة الحكم، فزيارة الاربعين هي مظهر لمظاهرة بشرية عظيمة بكل شيء بتعدادها وتنظيمها، لكن ما هو تأثير هذا التجمع للانعكاس القيمي والثقافي والسياسي، نحن كمجتمعات شرقية وخصوصا في العراق كل الانظمة التي مرت علينا هي انظمة ثيوقراطية او دكتاتورية متسلطة، وهذه المظاهرة البشرية وهذا الحدث البشري ينطلق ويحدث وينظم في محافظات تعيش أسوأ حالات الرفاهية بدون خدمات وبدون نظام تعليمي وبدون نظام صحي وبدون نظام ثقافي وبدون منظومة قيمية ومستوى الجريمة كبير جدا ومستوى عدم الاستقرار الاجتماعي كبير جدا مع ذلك نلاحظ هذا الوجود، نعم هناك ميزة إيجابية أن نلحظ نوع من التكافل، نوع من التعاون، نوع من نكران الذات لأيام بسيطة، لكن بعدها نرجع إلى وضعنا الطبيعي.
أساس المنع في زيارة الاربعين من قبل السلطات السابقة هو الخشية من أن تكون هذه الجماهير عندها نوع من الوعي وعندها نوع من المعرفة بالمنظومة القيمية للأمام الحسين (عليه السلام) والمنظومة القيمية الاصلاحية ضد الفساد، وضد الديكتاتورية، وضد عدم المساواة، وضد انعدام العدالة يخشون أن تكون هذه الجماهير ضد الثيوقراطية أو الاستبدادية وأن تكون تجسيد لقيم الامام الحسين (عليه السلام) في الخروج ضد الفساد والمطالبة بالإصلاح والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية وغيرها، اليوم نلحظ ان الزيارة تحولت الى قضية طقوسية بشكل تام وحصرت على التغني بها على انها مصدر المذهب الشيعي، لو كانت فعلا كحدث انساني مطالبة بالعدالة الاقتصادية، مطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، مطالبة بتحقيق المساواة، مطالبة بضمان حرية التعبير، ضمان حرية العقيدة، لو كنا نتعامل معها كحدث انساني تام لكان اليوم بيننا السني والصابئي والمسيحي والأيزيدي، لأن اغلب شعوب المنطقة بصراحة تعاني من انعدام العدالة وتعاني من أنظمة سلطوية دكتاتورية.
حالياً القوة السياسية المتنفذة بالدولة تعمل على جعل الزيارة الاربعينية كنوع من التحشيد والتجييش الطائفي وهذا لأن هذه القوة السياسية فاقدة لمشروع الدولة وفاقدة لمشروع سياسي فليس لديها سوى المشروع الطائفي لتتغنى به وليس فقط لتحشيد جماهيرها وخداع جماهيرها لا حتى لضرب الخصوم من نفس الطائفة، وتريد هذه القوة السياسية الحالية أن توصل للقوة السياسية السنية والكردية أن القوة الشيعية هي قوة متمترسة متخندقة طائفيا وبالتالي في المستقبل ليس من مصلحتكم أن تتحالفون مع تيار إصلاحي شيعي أو غيره، وإلا هذه القوى السياسية اليوم لو كانت فعلاً أو تدرك نوع من خطورة هذه الجماهير تمتلك من الإدراك لثورة الأمام الحسين المعرفة الحقيقية بالمنظومة القيمية والمطالب الحقيقية للثورة الحسينية لما سمحت لنا حتى لو كانت قوى الشيعية توجيه الانتقاد بحق منظومة الفساد.
العمل على بناء شخصية الفرد الحسيني
- الأستاذ حسين علي حسين، مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
بالنسبة الى تكوين شخصية الزائر سوف نرى من جانب علم النفس أن الشخصية تتكون من جانبين: عوامل وراثية وهي ما جاء من الأب والأم، وعوامل بيئية وهي الأقران والجماعات والعشائر والمنظمات التي يعيش داخلها الفرد، فلو ركزت الدولة على كيفية تكوين شخصية الفرد وكيفية تنمية هذه الشخصية ودراسة سلوكياته المترتبة على هذه الشخصية سوف تنجح كل الأمور من ناحية الجانب الأمني والاستقرار وغيرها، ففي ايام الزيارة نشاهد اروع صور الكرم والاخلاق والمسامحة والايثار والعفو عن الاخرين لكنها وللاسف الشديد لن تدوم طويلا وبمجرد ان تنتهي ايام الزيارة نلاحظ اغلب المجتمع يعود الى سابق عهده ممن ورثه بالعوامل البيئية.
الحفاظ على الكرامة الإنسانية
- الأستاذ حامد الجبوري، مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
خرج الامام الحسين (عليه السلام) لأجل نقطة رئيسية وجوهرية وهي الحفاظ على الكرامة الإنسانية بعد ان انتهكت بشكل صارخ بوجود الاستبداد، لأن أهم شيء هو الكرامة الإنسانية إذا غابت الكرامة الإنسانية انتهي كل شيء فهو ظهر لقضية إنسانية بحتة.
اغلب الجماهير تعتبر زيارة الأربعين أشبه بشيء فلكلوري نوع من العادات والتقاليد متجذرة في السلوك الشخصي لابد من القيام بها بدون التفكير في ما بعد الزيارة ماذا يجب ان نعمل؟ وتنتهي الاعمال الفلكلورية بانتهاء مراسيم الزيارة كل سنة ونعود الى البيت، هذا الحدث العالمي كيف يمكننا ان نظهره ونسوقه للعالم وهو أكبر تجمع بشري بالعالم، في وقت بعض الدول ليس لديها تاريخ او حضارة ولا اثار لكنها اشتهرت على مستوى البنى التحتية والشكلية وليس على القيمة الإنسانية، بينما نحن لدينا الكثير بما فيها الجانب الديني فوجود اكبر مصلح بالعالم وهو الحسين عليه السلام ضحى بنفسه وعياله وكل ما يمتلك في سبيل الكرامة الإنسانية فهو هذا اوضح معلم إنساني ممكن ان يظهر للعالم من خلال الإعلام لأجل ترسيخ قضايا الأمن والاستقرار والعدالة في المجتمع.
وفي ختام الملتقى الفكري تقدم مدير الجلسة الاستاذ عدنان الصالحي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما توجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.
اضف تعليق