الزيارة الأربعينية قد تجاوزت حدود كونها موسم ديني بحت وتعدت أيضا أن تكون مختصة بطائفة محددة بل أصبحت من المواسم التي اقتحمت بقوة المناسبات الاجتماعية العامة التي يُحسب لها ألف حساب حين مجيئها لما تتركه من تأثير عميق في مختلف جوانب الحياة. لابد أن يساهم الجميع...

كيف تساهم زيارة الاربعين في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية؟ وماهو دور الحكومة والنخب والكتل السياسية في استثمار زيارة الاربعين لتحقيق العقد الاجتماعي؟

لو ألقينا نظرة على طبيعة المواسم الدينية فيمكننا القول بأنها تنقسم إلى قسمين؛ منها ما لا يمكن إقامتها إلا ببعض الشروط كأن تكون الظروف مهيئة أو الاستطاعة متوفرة.. 

فمثلا؛ إقامة صلاة الجمعة فريضة واجبة حسب قوله تعالى: "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع.." إلا أن هذه الفريضة تسقط ما لم تتوفر الشروط والتي أهمها إمامة الإمام المعصوم عليه السلام أو من يعيّنه وينوب عنه.

أما القسم الثاني من المواسم العبادية: فهي التي لا تسقط تحت أي ظرف من الظروف وإن لم تكن واجبة حسب القاموس الديني.

 إلا انه بسبب ترابطها الشديد مع الفرد والمجتمع فإنها لم تتوقف تحت أي ظرف من الظروف كما هو الحال مع زيارة الإمام الحسين عليه السلام عمومًا أو زيارة الأربعين خصوصا حيث إنه رغم مرور العراق بظروف صعبة وقاسية في زمن العهد السابق لكن هذه الزيارة أقيمت رغم وقوع الضحايا من الزائرين على مرّ الأعوام.

من هنا نجد أن الزيارة الأربعينية قد تجاوزت حدود كونها موسم ديني بحت وتعدت أيضا أن تكون مختصة بطائفة محددة بل أصبحت من المواسم التي اقتحمت بقوة المناسبات الاجتماعية العامة التي يُحسب لها ألف حساب حين مجيئها لما تتركه من تأثير عميق في مختلف جوانب الحياة. 

وعليه فلابد أن يساهم الجميع من حكومة ونخب وكتل في إنجاح هذه المسيرة المباركة المقدسة، ذلك لأنها أوسع من أن تشمل فقط المؤمنين بها بل هي شاملة وعامة بلا حدود ومثالها كمثل رأس السنة الميلادية وعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام حيث يشترك الملحدون في ذكرى مولده في الدول التي تقيم ذلك، ويرتبون جداول أعمالهم وما عليهم من إنجازات طيلة العام. 

وفي هذا الوادي فإن كل من يستثمر فرصة هذا الموسم الشامل لمختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتنموية وغيرها.. فإنه هو الذي سيكون الرابح، فلا صاحب المناسبة يحتاج لهذا الاستثمار ولا الزوار القادمين من كل فج عميق الذين لا يمنعهم من المجيء لهيب شمس حارقة ولا زمهرير شتاء قارس، ولا يفرق عندهم قلة الإمكانات أو كثرتها ولا حتى وجود الأمن أو فقدانه.

كما أن كل من يحارب أو يعارض أو يُشكل على هذه الظاهرة الميلونية فإنه هو الذي سيكون الخاسر لا الزيارة أو الزوار، وذلك ما اثبتته تجارب السنوات الماضية حيث حل مثلا بمن كان يشكل على هذه المناسبة تحت ذريعة تعطيل الأعمال لفترة محدودة أن يُعطَّل قسرا كل نشاطاته طيلة العام!

ولقد اثبت موسم زيارة الأربعين جدارته في فرض الأمن والاستقرار والتعاون ناهيك عن جلب الازدهار البيئي والسياحي وإتاحة مختلف الفرص نتيجة ترابط وتلاحم الجهات والأفراد المهتمين بهذا الأمر...

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تحت عنوان (زيارة الاربعين وترسيخ العقد الاجتماعي)

اضف تعليق