ما ان تحل أيام عاشوراء من كل عام حتى تنشط في الانسان روح لا تشبه الروح الطبيعية في الاشهر الماضية ولا اللاحقة، وان الايجابيات التي تعود علينا كمسلمين بالنفع عبر تخلصينا من العقد والمشاكل النفسية هي مدعاة الى التمسك باستثمارها على اتم صورة وعدم تضيع الفرص...

ما ان تحل أيام عاشوراء من كل عام حتى تنشط في الانسان روح لا تشبه الروح الطبيعية في الاشهر الماضية ولا اللاحقة، ففي هذه الايام يميل الناس لا شعورياً الابتعاد عن الكثير من السلوكيات والتصرفات غير السوية واستبدالها بسلوكيات اخرى يعتقدون انها تتفق أكثر مع خصوصية هذه الايام، كل هذا يحدث بسبب الانعكاس النفسي الايجابي على النفس.

تمارس عاشوراء دوراً مهماً في الضبط المجتمعي عبر ايقاف لسلوكيات معينة مثل الكذب والغش والخديعة والنفاق والغيبة والنميمة وغيرها من الامور غير الصحيحة، لتحل محلها قيم الكرم والعطاء والمساعدة والتراحم وبذل اقصى الجهود المادية والجسدية، فذلك الشاب الذي لا يرفع شيء من الارض في بيته في الايام العادية يصبح خادماً صغيراً تتفجر منه الطاقة ويصدر منه العطاء اللا متناهي وكأنه غير ذلك الشخص الاول تماماً، وكل ذلك يحصل بفعل القوة المعنوية التي تمنحها عاشوراء للناس.

في عاشوراء تنحسر الاحقاد بين الناس فترى ان ابناء المنطقة الواحدة على اختلاف توجهاتهم وانتمائهم يقدمون الخدمات الى الزائرين بكل احترام وود فيما بينهم متناسين كل اسباب خلافاتهم ومتساميين عليها، في الوقت الذي لم تستطع قوة الدنيا على ان تجمعهم في مناسبة اخرى لعجزت لكن عاشوراء وبركاته جمعهم تحت سقف الخدمة وياله من تجمع مبارك وبدون مصلحة دنيوية وهذا نادر الحصول او منعدم في غير ايام ومناسبات عاشوراء.

وفي اجواء وشعائر عاشوراء تختفي الطبقية المجتمعية فلم يعد ذكر للشهادة الاكاديمية او المنصب او غير ذلك من الامور التي يمكن تمنح الانسان افضلية وظيفية او مجتمعية في الحسابات الدنيوية التافهة فلم يعد احد ( طبيب، مدرس، مهندس، قاضي، ضابط) ولا يوجد (حمال، بقال، عامل خدمة، عامل بناء، الخ) بل يصبح الناس على قسمين اثنين لا اكثر وهما ( زائر او خادم)، فيأكل الفقير والغني من نفس الاكل ويشربون بنفس الاناء وبذا يغيب تكبر الانسان وطبقيته لصالح انسانية وفطرته السليمة التي فطر عليها قبل ان تعبث به الحياة فيصبح على شاكلة غير متزنة وغير واقعية ولا منطقية في التفكير والسلوك.

في عاشوراء تغيب الانانية والفردية وتظهر صور الجماعية في أجمل تجلياتها فيقدم كل خادم مصلحة المكان الذي يعمل فيه (موكب، هيئة) على مصلحته الخاصة، علاوة على تفضيل خدمة الاخرين على حساب راحته وراحة اهل بيته عبر تجشهم عناء تحضير الطعام وتنظيف الملابس والمنزل واحضار الفراش للنوم وغير ذلك من الخدمات التي تقدم للزائرين، فيتحمل ما يتحمل في سبيل الحصول على الاجر وبالتالي شفاعة صاحب القضية والمناسبة.

وفي عاشوراء تتقوض مساحة البخل لصالح الكرم والعطاء، ترى الكثير من الناس يستضيفون في منازلهم ويقدمون لهم كل ما يحتاجونه من خدمات، او انهم يقدمون خدمات كبيرة في المواكب او الهيئات في الوقت الذي لا يلاحظ انهم كرماء في الايام العادية من السنة، وهذه فضيلة لعاشوراء علينا نحن المتنعمين بنعمه والمحظوظين بكوننا نعيشه اجواء في كربلاء التي خصها الله بهذه الكرامة الفريدة.

ولم يفرق الناس في عاشوراء بين مواطن وغير مواطن وبين اسود وابيض وبين عربي او أجنبي، فالتعامل مع الجميع يتم على كونهم ضيوف يجب اكرامهم اكراماً لمن قصدوا له، بل نرى ان الزائرين غير العراقيين يحظون باهتمام عال وتقدير مضاعف بالمقارنة مع اقرانهم من الزوار المحليين مما يعكس كرم وشهامة وحفاوة اهل العراق فلم يأتي زائر الى كربلاء الا وشهد بذلك.

كل هذه الايجابيات التي تعود علينا كمسلمين بالنفع عبر تخلصينا من العقد والمشاكل النفسية هي مدعاة الى التمسك بإستثمارها على اتم صورة وعدم تضيع الفرص لان اعمارنا ليست نحن من يتحكم بها، فعليكم سادتي القراء الافاضل الاستثمار ما استطعتم ففي ذلك نجاتكم.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
ما مصدر كل هذه الطاقات الايجابية؟ ومن الذي جعل الناس يتغيرون؟2022-08-10