جاءت نهضة الامام الحسين الاصلاحية لتعيد الأمور الى نصابها الطبيعي بعد ان حول المستبدون هذه الحقوق الإنسانية الى مجرد كلمات يتداولونها امام الناس، ولا وجود لها في الواقع، وهو خلاف الفطرة وما سعت الى تطبيقه جميع الأديان السماوية التي قامت على مصلحة الانسان.. فالإسلام دين الحرية والتحرر...
سلب الانسان حقوقه وتركه خاويا، او افراغ الحقوق من معناها الحقيقي لمعناها الصوري، ستحول حياة الانسان بلا معنى او هدف يسعى لتحقيقه، وسيعيش باقي حياته مجرد تابع مستلب الإرادة لا يملك من امره شيء، وهذا ما يسعى اليه المستبدون حول العالم: الوصول الى السلطة المطلقة عبر تكميم الافواه والغاء الحقوق ومنع المعارضة.
لكن ماهي هذه الحقوق التي منحت الى الانسان؟ ومن منحها اليه؟
لقد ولد الانسان وولدت معه حقوقه، وهي حقوق اصيلة ليست من صنع البشر، وليست منة او هبة من حاكم او مؤسسة او جماعة او حزب، بل هي كرامة فضل الله (عز وجل) بها الانسان على سائر مخلوقاته.
فقد ولد الانسان وهو حر بلا قيود او تبعية او استعباد سوى لخالقه.
وله الحق في الحياة الكريمة والسكن الملائم والعمل الشريف والتنقل بلا موانع.
وله الحق في العيش بأمان وسلام من دون عنف يهدد حياته.
وله الحق في التعبير عن رأيه ومواقفه من دون خوف او تهديد.
وله الحق في اكتساب العلم والمعرفة والثقافة.
وله الحق في رفض الظلم والوقوف بوجه الباطل والتصدي له.
وله العشرات من الحقوق التي طمس الكثير منها تحت سلطة الاستبداد وذرائع الحكام، ومن هنا جاءت نهضة الامام الحسين (عليه السلام) الاصلاحية لتعيد الأمور الى نصابها الطبيعي بعد ان حول المستبدون هذه الحقوق الإنسانية الى مجرد كلمات يتداولونها امام الناس، ولا وجود لها في الواقع، وهو خلاف الفطرة وما سعت الى تطبيقه جميع الأديان السماوية التي قامت على مصلحة الانسان كما عبر عنها الامام الشيرازي (رحمه الله): "تقوم الأديان السماوية على مصلحة الإنسان، لذلك فإن للأديان وخصوصاً الإسلام القدرة على اقتلاع جذور الأفكار الضيقة المبنية على مصلحة القوم أو الفئة أو العرق أو اللغة أو الجغرافية، وبالدين تكونت أمم عامرة وقامت حضارات زاهرة"، بل ان الأديان السماوية، وخصوصاً الإسلام جاء ليحرر الانسان من هذه القيود ويحارب الجاهلية والتخلف والاستبداد: "لقد جاء الإسلام ليخرج عباد الله من عبادة الناس إلى عبادة الله، فالإسلام دين الحرية والتحرر".
ولا يكفي ان ترفع شعارات إنسانية او إسلامية او حقوقية لتكون على الطريق الصحيح، فمن دون تطبيق حقيقي لها تبقى هذه الكلمات مجرد شعارات لا أثر لها في نفس الانسان او المجتمع، فقبل أيام قليلة تمكنت حركة طالبان الإرهابية من السيطرة على اغلب ولايات أفغانستان، وهي في طريقها لإعلان امارة إسلامية فيها وتطبيق الشريعة الإسلامية على غرار ما فعلته قبل (20) عاما، وبذات الطريقة التي سعى تنظيم داعش الإرهابي الى تطبيقها في العراق وسوريا وغيرها من البلدان الإسلامية، وبدلا من تعاطف ورغبة الشعب الافغاني المسلم مع حكم طالبان، حدثت موجة نزوح جماعية هربا من بطش الحركة وعنفها المفرط ضد الأقليات والمرأة وكل المخالفين لارائها.
ان من يسعى لتحقيق هدف ما لا يمكن ان يجمع الهدف بنقيضه والا سيكون مصيره الفشل كما عبر عن ذلك الامام الشيرازي: "من يحارب الدكتاتور يجب ألا يكون ديكتاتوراً، ومن يحارب الظلم يجب ألا يكون ظالماً، ومن يحارب الكذب لا يكون كذاباً، والحزب الذي يحارب الأصنام البشرية والحجرية ويحارب ما هو ضد الإسلام لا يمكن أن يكون صنماً، وإلا فلا جدوى من محاربته، لا إسلامياً ولا اجتماعياً، ومصيره النهائي هو الفشل المحتم".
وقد اختط الامام الحسين (عليه السلام) لنفسه واهل بيته واصحابه في يوم عاشوراء نهجاً صادقاً يحمل الكثير من الرسائل بمعانيها المتعددة التي توحدت تحت راية الحرية والإنسانية والسلام، لذلك كان "من الضروري توسيع دائرة الاستفادة من محرم ومعنوياته الهائلة لخدمة الإنسانية ولتحقيق السلام في العالم"، خصوصاً وان: "كل ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الإنسانية، ورحلته التكاملية وحياته اليومية، من سلامة روحه وجسمه، وسعادة حياته، ورغد عيشه، وأمن سفره وحضره، وصلاح دنياه وآخرته، كل ذلك وأكثر يجده في كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)".
لقد انطلق الامام الحسين (عليه السلام) في مسيرته الإصلاحية التي استهدفت ارجاع الحقوق الإنسانية، بل وارجاع إنسانية الانسان، لأنه امن بالرسالة التي حملها ولم يستسلم للباطل او يتراجع امام الاستبداد والدكتاتورية التي حاولت سلب حقوقه، ولان الامام الحسين (عليه السلام) يدرك ان: "قيمة الإنسان ترتبط بروحه ونفسه أولاً، لا ببدنه المادي فحسب، والإنسان الجامد يكون حجر عثرة أمام كل انطلاق"، فقد ضحى بنفسه وعياله واصحابه في سبيل رسالته الإصلاحية التي عبرت عن روح الإسلام وجوهرها الخالد، وقد أشار اليها السيد الشيرازي (رحمه الله) من خلال نقاط رئيسية:
1. "توفر مناهج الإسلام وقوانينه الأجواء الحرة، لكي ينال كل إنسان القدر الممكن من العلم، ومن الحكم، ومن المال، وقد ضمن الإسلام لكل الناس حرياتهم المشروعة".
2. "لا دكتاتورية في الإسلام، لا في الحكم ولا في المرجعية الدينية، ولا في الأحزاب والحركات والتنظيمات، فالإسلام دين الحريات والعدالة الاجتماعية".
3. "وفر الإسلام الإنسانية والتعاون والخدمة والرفاه والثقة المتبادلة والاطمئنان والحياة السعيدة والاكتفاء الذاتي ورخص الأسعار والحوائج الجسدية والنفسية، وبهذه كلها شيد المسلمون حضارة إسلامية إنسانية كاملة".
اما عن كيفية الاستفادة من عاشوراء في ارجاع الحقوق الإنسانية، فيرى الامام الشيرازي ان هناك العديد من الطرق والسبل التي يمكن الاستفادة منها لتحقيق الأهداف المرجوة منها استثمار المجالس الحسينية في قوله: "إذا استثمرت المجالس الحسينية باعتبارها تثير الكوامن العاطفية في النفس، وبما تحمل من التوجيه العقلي المؤثر في تغيير السلوك الإنساني، في قضاء حوائج الناس، وفي التراحم والتواد، وإنجاز الخدمات الفردية والعامة، لقضيت ملايين الحاجات في كل عام"، كما يحذر الشيرازي (رحمه الله) من عدم الاستفادة منها وجعلها تمر مرور الكرام: :ومن الضروري أيضا ان لا نترك هذه المناسبة تسير سيرا بطيئا وبدون استفادة كاملة، كما هو المعتاد عند بعض المتصدين للمجالس خطيبا كان او هيئة إدارية".
اما فيما يتعلق بالحقوق او "المشاكل السياسية التي تعاني منها الامة"، كالاستبداد والعنصرية والحروب والآفات، فيمكن الاستفادة من واقعة الطف لإيجاد الحلول المناسبة لها ومنها:
اولاً: "مشكلة الاستبداد والدكتاتورية السائدة في العالم الثالث، وفضح الطواغيت الذين اتخذوا عباد الله خولا، وماله دولا، ودينه دغلا".
"فان المصالح الشخصية لجملة من الحكام وبعض الأثرياء المترفين وعلماء السوء تقتضي وجود التمييز والفرقة والعبودية بين الناس، فان الامام الحسين (عليه السلام) جاهد للقضاء على هذه الأمور، اليس هو القائل: "انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي (صلى الله عليه واله وسلم) اريد ان امر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، وفي هذا يكمن سر محاربة الطغاة للإمام الحسين (عليه السلام) فكرا ونهجا وبلدا وحرما وزيارة وشعائر ومصابا وبكاء وذكرا".
ثانيا: "العنصرية التي تعاني منها اغلب بلاد العالم –حتى التي تطلق على نفسها المتحضرة- فالتمييز العنصري والفروق اللغوية والجغرافية والقومية والعرقية هي الحاكمة في عالم اليوم".
ثالثا: "اخماد نار الحروب في البلاد الإسلامية التي اضرمتها الدوائر الاستعمارية في بلادنا ومنذ خمسين عاما، فان 80% من صراعات العالم مسرحها الدول الإسلامية".
رابعا: "إيجاد المؤسسات الإنسانية لإنقاذ بني الانسان من الجوع والفقر والمرض وامثال ذلك".
"ويتم حل المشاكل –الى حد ما- عبر قيام الخطباء بأداء دورهم الديني، وقيام الهيئات الإدارية للمساجد والحسينيات بتوزيع الكتب التثقيفية والتوعوية، وقيام وسائل الاعلام بأدوارها الحقيقية، تطبيقا لقول الله سبحانه (يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات)".
اضف تعليق