في كل زمان ومكان تبقى مكانة الإنسان وحرمته محفوظة ولا يصح الاعتداء عليها وانتهاكها لأي هدف كان، فما حصل في عاشوراء يجب ان يكون درسا للبشرية جمعاء، بان لا تتكرر هذه الاعتداءات بحق الاطفال والنساء، الشباب والكُهل، فإذا تحقق ذلك ضمنا العيش في مجتمع مثالي...
للمرأة والطفل مكانة متميزة في جميع المجتمعات وتعطيهما اولوية في الحقوق، لكونهما كائنين لطيفين يتميزان بمواصفات تجعل منهما أيقونة للجمال والبراءة، بل هم اكثر من ذلك كونهم من ألاعمدة الاساسية للأسرة.
ففي المجتمعات العربية وحين تغوص في الأعماق تلحظ المكانة المتميزة التي تتمتع بها المرأة، اذ اصبحت حاضرة في إشعارهم ومعلقاتهم، ولم تفارقهم في حلهم وترحالهم، فهي شريكتهم في جميع الميادين كالزراعة والرعي وتربية الاطفال.
لكن الأمر مغاير تماما بالنسبة لنساء بيت النبوة، فقد تعرضن الى الظلم والاعتداء على الرغم من وجودهن في مجتمع يتبع تعاليم الدين الإسلامي في تمشية اموره الحياتية.
من الشواهد الشاخصة لغاية الآن في تاريخ الإنسانية على انتهاك حقوق النساء والأطفال هو ما حدث بموقعة كربلاء الخالدة، فهي بحق تعد من ابشع الجرائم التي اقترفها أعداء البشرية، دون رحمة ورأفة بحق السلالة المحمدية.
في واقعة كربلاء حصلت العديد من المفارقات، وبطلت الكثير من الادعاءات، فمن ينادي بتطبيق الشريعة السماوية، في ذات الوقت ينتهك تلك القوانين بدوافع شخصية وعدوانية، هدفها التخلص من الأصوات العالية التي تصدح بالحق وتفضح الباطل، ولا تخاف في الله لومة لائم، طالما تقدم الدروس لبني البشر، وتعطيهم الطريق السليم الذي ما ان يسير فيه الفرد حتى يقترب كثيرا من الرحمة الإلهية.
لو قلبنا الأبعاد الإنسانية التي تم اختراقها في يوم عاشوراء لوجدنا ما يندى لها جبين الدهر، فلا يوجد دين سماوي يسمح بان يقتل الإنسان لمجرد انه خالفك بالرأي ولم يستسلم للأفكار المنحرفة التي ابتعدت كثيرا عن الجادة الصحيحة والفطرة السليمة التي فُطر عليها الإنسان.
فلا يُجوّز المشرع السماوي انتهاك حرمة الإنسان الذي كرمه الله على غيره من المخلوقات وجعل حرمته ميتا كما هو حي، بينما لم يراعى ذلك مع سبط النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وأهل بيته الاطهار. فقد قُتل مظلوما، وسفكت دمائه بعضا بابيه المرتضى الذي لم يستوحش طريق الحق ولم يهادن على الباطل أبداً.
ووفقا لجميع الأعراف الدولية والقوانين الوضعية التي تنادي بحقوق الإنسان، يُعتبر ماحدث على رمضاء كربلاء جريمة بحق الإنسانية، فكيف لطفل يُقتل عطشانا ولأسرة تسبى جميع أفرادها من دون ذنب سوى انهم يمتلكون بصيرة ووعي قادهم الى عدم الاستسلام للظلم والجبروت الذي يحكم الأمة الإسلامية آنذاك، فكان نصيبهم القتل والسبي والتشريد وإنزال أقصى العقوبات بحقهم، فأين الإنسانية من ذلك؟ واين النواميس والأعراف الاجتماعية؟
في زمننا هذا عندما يتعرض شخص لظلم معين فترى الدنيا قامت ولم تقعد بسببه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما تعرض له المواطن الامريكي فلويد من اعتداء من قبل احد ضباط الشرطة، حيث خرجت المظاهرات وعمت الشوارع الاحتجاجات تعبيرا عن رفضهم لهذا التصرف العنصري والمنافي للأخلاق والقوانين الإنسانية.
واصطفت الى جانب هذه الاحتجاجات مطالبة منظمات حقوق الإنسان الدولية، التي وصفت هذه الجريمة بالبشعة وطالبت بإنزال اشد العقوبات بمقترفها، في حين يمكن ان نقول ان حجم هذا الاعتداء لا يساوي شيئا مقارنة بما حصل في يوم العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة.
فالمنظمات الدولية لتي تهتم بالإنسان وحقوقه لم تعطي احداث عاشوراء الأهمية الكافية، رغم توفر الأدلة الدامغة والشافية لوصفها بالجريمة الإنسانية، وبقت تنظر للموضوع بعين واحدة مجانبة للحقيقة، في ذات الوقت نراها تصب اهتمامها على قضايا اقل أهمية وأضيق نطاقا من حيث الانتشار والتأثير.
العالم جميعه ينظر الى قضية عاشوراء بنزعة سياسية، وصوّر لهم ان الإمام الحسين عليه السلام خرج على امام زمانه، وأصبح بمثابة المعارض للنظام السياسي القائم ويحق للسلطات او الأمير قمعه، وهذه الفكرة بحد ذاتها تعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.
فمن حق المرء ان يشجب عنه الحيف اذا وقع عليه وان يضمن لنفسه حياة حرة كريمة غير مهددة من جميع المنغصات، وهو ما أرداه سيد الشهداء عليه السلام، الى جانب الوظيفة الأسمى والغرض الاهم وهو الإصلاح بامة جده رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام.
في كل زمان ومكان تبقى مكانة الإنسان وحرمته محفوظة ولا يصح الاعتداء عليها وانتهاكها لأي هدف كان، فما حصل في عاشوراء يجب ان يكون درسا للبشرية جمعاء، بان لا تتكرر هذه الاعتداءات بحق الاطفال والنساء، الشباب والكُهل، فإذا تحقق ذلك ضمنا العيش في مجتمع مثالي، تحكمه القوانين ولا تُنتهك به الحقوق والحريات، بل ولا تتكرر إهانة الذات.
اضف تعليق