ما نعرفه أن الحسين الشهيد لم يكن يوماً نصيراً للحكام الظلمة، ولم يعلن الحسين ثورته من أجل إرضاء أحد، لذلك ليس من حق أحد احتكاره ومحاولة فرض تفسير معين على ثورته من أجل إرضاء هذه الدولة أو ذاك المجتمع، فالثورة الحسينية واضحة ولا تحتاج إلى تفسير أناس لا يؤمنون بها أصلا...
بعد ثلاثة أيام من اعتقال الديكتاتور العراقي صدام حسين من قبل القوات الأميركية، في ديسمبر 2003 ظهرت فضيحة مدوية مكشوفة سابقاً لكنها تأكدت على أرض الواقع، تمثلت باستبعاد صدام من ذرية الأشراف المتحدرين من سلالة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، التي ادعاها "زوراً وبهتاناً" وفق ما أعلنت نقابة الأشراف في العراق.
فقد أوضح نقيبهم الشريف ناجح محمد حسن الفحام الأعرجي في تصريح لوكالة فرانس برس "بعد تحقيق وتدقيق لجنة الأنساب في النقابة أعلنّا (...) في مؤتمرنا الأول بطلان نسب صدام حسين إلى سلالة النبي". وأضاف: "أجبر صدام بعض العلماء في علم الأنساب على تزوير شجرة لسلالته تعود إلى النبي".
وفي بحثه عن أصل القصة يذكر الباحث العراقي طالب الحسن في كتابه "حكومة القرية فصول من سلطة النازحين من ريف تكريت" كيف قام صدام حسين بتزوير لقب عشيرته "البيجات" وأعلنوا انتمائهم للإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ويقول الحسن إن العراقيين كانوا يتندرون عندما تطالعهم صحف النظام وقد كتب عليها "إبن الحسين يزور جده علي بن أبي طالب" وكذلك نجد الحالة نفسها في تكريت.
وفي هذا الصدد يتحدث المؤلف عن حوار جرى بينه وبين الأستاذ عبد الله رمضان التكريتي (أبو عبد القادر) وهو سيد ينتمي إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني، أكد فيه أن "البيجات ليسوا سادة" وحتى الشجرة التي نشرتها لأول مرة مجلة "الف باء" العراقية لإعلان نسب صدام حسين كانت مسروقة ومزورة، وأن خير الله طلفاح هو الذي قام بسرقتها وتزويرها.
وفي عام 1999 نشرت صحيفة القبس الكويتية حلقات كتبها ضابط المخابرات العراقي عباس فاضل مشعل، وتحدث في إحدى الحلقات عن الجانب الطائفي لحزب البعث وكيف يستخدم الانتماء للإمام علي والحسين عليهما السلام من أجل تحقيق غايات سياسية أما سلوكه على أرض الواقع فهو بالضد تماما من فكر علي ومن ينتمون إلى مدرسته، يقول الضابط عباس فاضل مشعل، كنت جالساً مع صديقي حسين عمر العلي شقيق صلاح عمر العلي بمحله التجاري في مدينة تكريت، وكانت الصحف العراقية قد نقلت قبل أيام خبر وفاة شاكر محمود العبيدي، والد كل من "محمود" و"ناطق" و"سعدون" والأخير كان وزير الداخلية في حكم صدام، وأشارت الصحف إلى مراسيم دفنه في مدينة النجف الأشرف، فقال حسين عمر العلي أن مجلساً خاصاً ضم خير الله طلفاح واخرين في بغداد وكانت علامات عدم الارتياح بادية على وجه طلفاح عند سماعه خبر دفن شاكر محمود العبيدي في النجف، وكان يقول للجالسين معه "ظهر هذا شيعي ملعون الوالدين وما ندري بيه".
ويعلق الباحث طالب الحسن على هذه الواقعة بالقول أن خال صدام لا يتحمل أن تنقل جنازة ميت إلى جوار مرقد امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أخي رسول الله وخليفته وزوج بضعته، إن خير الله طلفاح وأحمد حسن البكر ومن ينتمي لفكرهم قوم مردوا على النفاق فهم يتحمسون من أجل أن يكون نسبهم متصلا بأمير المؤمنين، لكنهم يتحسسون ممن يتأثر به ويدفن قريبا من مثواه عليه السلام.
هذه نماذج بسيطة جداً للصراع من أجل الفوز باسم الإمام الحسين عليه السلام ليس لحماية ثورته من السراق، بل للمتاجرة باسم الحسين وعلي وائمة اهل البيت عليهم السلام، فالحكام دائماً ما يستغلون هذه الأسماء العظيمة من أجل تحقيق غايات سياسية، لعلمهم بمدى حب الجماهير لعدالة أمير المؤمنين عليه السلام وثورية الإمام الحسين عليه السلام، واهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، كما أن الطغاة والكثير من الحكام يحاولون احتكار طريقة تعاطي الناس مع فكر اهل البيت بطرق شتى، فهم يريدون من الناس أن يفسروا فكرهم بالطريقة التي تخدم الحكام فقط، أما غير ذلك فهو ممنوع ونتذكر جيداً كيف كان صدام حفيد الحسين كما يزعم، كان يشن حرباً شرسة ضد اتباع اهل البيت خلال زيارة عاشوراء والاربعينية، ليس لان الشعائر ملوثة وغير ذلك من الكلام الذين نسمعه اليوم، بل لمجرد أن الزوار يذهبون مشياً على الأقدام بشكل سنوي.
وليس الحكام وحدهم من يريدون احتكار الحسين وفكره وثورته، بل أن بعض القوى المجتمعية تريد تفسير سلوكه وفق هواها، تريد أن تكون الزيارات الحسينية متوافقة مع السلوك الغربي والرأسمالية المتوحشة، فلا شعائر حسينية ولا أي شيء من إحيائها، تجدهم يطلبون أن تكون الشعائر الحسينية مرغوبة في الغرب ومما لا يثير حفيظة الدول الأخرى التي لا تهمها سوى مصالحها الاقتصادية ومصالح مجتمعاتها، متناسين أن قوة المجتمعات تكمن في قدرتها على فرض التنوع الذي يعد السبب الحقيقي لتطور البشرية، وكما يقول الله عزو وجل في كتابه الكريم "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
ما نعرفه أن الحسين الشهيد لم يكن يوماً نصيراً للحكام الظلمة، ولم يعلن الحسين ثورته من أجل إرضاء أحد، لذلك ليس من حق أحد احتكاره ومحاولة فرض تفسير معين على ثورته من أجل إرضاء هذه الدولة أو ذاك المجتمع، فالثورة الحسينية واضحة ولا تحتاج إلى تفسير أناس لا يؤمنون بها أصلا، نحن نرى الصراع مستمر الثورة الحسينية والشعائر الحسينية هي لمن يسير على نهج الامام الحسين قولاً وفعلاً وليس لمن يحاول امتطاء الموجة وتوجيه دفة الثورة إلى مسارات ترضي الغير.
وإذا كان صراع الإمام الحسين مع النهج الأموي قائم على دور الحسين الشهيد في الحفاظ على منهج النبوة، فإن الصراع اليوم مستمر لكن بأساليب جديدة وأغلبها قائمة على محاولة فرض تفسير معين لثورته تارة، أو احتكار كل ما له علاقة بالإمام الحسين من حيث الانتساب له وما يحققه ذلك الانتساب من أهداف سياسية، أو محاولة إلغاء الشعائر الحسينية بطرق متعددة مرة بالقمع كما كانت تفعل حكومة البعث أو بالحرب الفكرية كما يحدث الآن بحجج مختلفة.
اضف تعليق