ذلك نحن في الوقت الراهن بأشد الحاجة الى استثمار ما جاء بواقعة كربلاء من نظم اصلاحية كثيرة، كون هذه الشرائع السماوية اذا ما تم تطبيقها بصورة سليمة وحرفية ستنعكس بشكل ايجابي على حياة الأفراد بصورة عامة، وهذا الانعكاس يتمثل بإحقاق الحق ونبذ العنف بجميع اشكاله...
عام 61 للهجرة شكل علامة فارقة في تاريخ البشرية، وأحدث الكثير من المتغيرات التي لا نزال نعيشها على الرغم من تقادم الأيام، الا انها تتجدد عام بعد آخر، فالثورة الحسينية لا يمكن ان ندرجها ضمن الثورات التي حدثت في اصقاع المعمورة.
وسر اختلافها كونها طرحت منهجا اجتماعيا متكاملا وجاهزا للتطبيق، بالإضافة الى انه يتميز بخلوه من التعقيدات التي ترافق الكثير من النظريات، وهذا بالتأكيد سر من اسرار بقاءها تتنفس الحياة الى يومنا هذا، في المقابل هنالك العديد من الثورات حدثت وربما أخذت من الانتشار حيزا كافيا مكنها من ان تكون محط أنظار واعجاب من قبل المجتمعات الإنسانية برمتها، لكنها لم تتمكن من الصمود لفترة طويلة امام المتغيرات التي طرأت على المجتمع بمرور الزمن.
ويعود السبب في ذلك الى عشوائية هذه الثورات وعدم امتلاكها من المقومات ما يجعلها تواجه التحديات والمتغيرات، بينما نجد ثورة عاشوراء غنية بجميع المعارف وبشتى صنوفها، ومختلف ابوابها، فلم تترك بابا الى وطرقته ولا شيئا الى وتناولته.
فتناول جزء كبير منها التربية الاجتماعية والأخلاقية التي يجب ان تكون عليها الطبيعة الفردية، بما يضمن توفير ظروف معيشية وحياة هانئة لجميع الأفراد، وهو ما أراده سيد الشهداء عليه السلام ان يسود بعد الثورة التي اطلقها وقدم دمائه في سبيلها، لتكون سراجا ينير طريق الأحرار الذين لن يقبلوا بالظلم ان يخيم عليهم.
وللقضية الحسينية آثار وتأثيرات كبيرة على بني البشر، وفي جميع الاتجاهات المتعلقة بالبناء الروحي والنفسي للإنسان، وظهر ذلك جليا في التربية الأخلاقية المستمدة من مبادئ وافكار النهضة الإصلاحية الخالدة، اذ نرى الأفراد متشربون بفكر سيد الشهداء الذي وضع خطوطه العريضة عبر ثورته.
فالثورة الحسينية هي امتداد حقيقي للنهج المحمدي الأصيل الذي استله من كتاب مجيد منزل من لدن رب كريم، فلا يمكن ان يتسلل الخطأ الى الفكر الرسالي الذي اراد سيد شباب اهل الجنة ان يرسخه في الذات البشرية، ويصبح عاملا مقوما وحافزا للفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها.
ان ما يحدث اليوم في المجتمعات من رفض للظلم وعدم الخنوع للاضطهاد الذي مُنيت به اغلب الشعوب على وجه الأرض لم يكن بمحض صدفة، بل هنالك سيل عارم من القيم النهضوية والأفكار الثورية التي غُرست في نفوس الشباب وأزهرت همة وشجاعة وبطولة لمواجهة الباطل مهما كلف الأمر.
فالحسين اصبح قائدا ملهما وابا روحيا لمن يشتعل بقلبه مصباح الهداية، وموقد العدالة، وليس ذلك بغريب طالما هو سليل الأوصياء، وابن الاتقياء، فهو من اهل بيت خُلق الكون لأجلهم، ودُحيت الأرض وبُنيت السماء اكراما لهم، فهم بذلك اصبحوا في الأرض قدوة ومنهج صالح لم تتمكن من حرف مساره جميع اعاصير الباطل وقوى الشر التي لا تريد خيرا ببني البشر.
ان عاشوراء مدرسة مثالية بجميع المقاييس، ولا يمكن لمجتمع يريد النهوض ان يغفلها او يتجاهل بعض بنودها، فهي كتلة متكاملة لا يمكن تجزئتها او اختصارها، حيث غذت الشباب وعلى امتداد العصر بالروح الثورية والهمة القتالية في مواجهة الانحرافات في المسارات الإنسانية.
ومع ذلك نحن في الوقت الراهن بأشد الحاجة الى استثمار ما جاء بواقعة كربلاء من نظم اصلاحية كثيرة، كون هذه الشرائع السماوية اذا ما تم تطبيقها بصورة سليمة وحرفية ستنعكس بشكل ايجابي على حياة الأفراد بصورة عامة.
وهذا الانعكاس يتمثل بإحقاق الحق ونبذ العنف بجميع اشكاله، فلا يمكن لفرد حامل للفكر الحسيني ان يظلم احدا او يعتدي على حقوق غيره، ومن هذا المنطلق هنالك ضرورة مُلحة الى تعميم الفكر الحسيني الوضاء وارساء معالمه بين شرائح المجتمع.
ويعتمد في سبيل تحقيق ذلك على المرتكزات الاساسية التي يستقي منها الأفراد افكارهم وقيمهم، ولعل ابرزها المؤسسات والمراكز الدينية التي يتوجب عليها ان تبذل ما بوسعها وتضاعف جهودها من اجل نشر المفاهيم الحسينية وترسيخها في النفوس لاسيما الأجيال الناشئة.
أضف الى ذلك احداث تغيير في نوع الخطاب الحسيني لكي تتولد مقبولية له من قبل الآخرين، مع ضرورة الابتعاد عن اللغة المتشنجة التي تراكم الكراهية وتبني الحواجز الأخرى في الوقت الذي تحاول الكثير من الجهات لردمها والعيش بمجتمع واحد تسوده المحبة ويحكمه الاحترام.
اضف تعليق