يعيش الانسان ضمن فترة من فترات حياته نوبة من المشاكل والأوضاع الصعبة التي تخلق منه انساناً آخر يمارس من خلالها عادات سيئة، فتتأطر اخلاقه ضمن الحدود التي لا تمت للدين والإنسانية بصلة، كما ان البيئة التي يعيش فيها لها الدور الأكبر في التأثير على سلوكيات الفرد وبناء شخصيته، فتراه يتخبط يميناً ويساراً ليعود الى طبيعته الإنسانية، وتبقى الخطوة الاولى للخروج من دائرة الخطيئة والرجوع الى الفطرة السليمة هو التغيير.
"والطباع السيِّئة أو العادات القبيحة غالباً ما تكون نتيجة إمّا "إفراط" أي إسراف ومغالاة وتجاوز، وإمّا "تفريط" أي تقصير وإهمال وتهاون. واعتماد قاعدة العدل والوسطية في الأمور كقاعدة حياتية عامّة، طريق مهم لتبديل الطباع ونبذ الفاسد منها.
فيعتبر التغيير عبارة عن مسلسل من الافكار والمشاعر ينتقل من (لا يمكن!) الى (كيف؟)، مروراً ب (لم لا؟) ، ثم (محتمل جداً!) ، الى ان يقال (سأنطلق على بركة الله !)".
وتبقى القدرة على تغيير السلوك غير المرغوب والعادات السيئة أمر مهم جداً في حياة كل انسان، فالشخص الذي يعزم على تَغيير سلوكِ خاصِ او عادة معينة، سيصبح حازماً حقاً، بل ومؤكداً لذاته، لأنه في هذه الحالة قد تفوق على نفسه واستطاع السيطرة على مشاعره وشهواته، وهذا هو ما يُعينُ على ضبطَ النفس في أغلب الأحيان، أو ما يدعونه بإرادة التغيير، التي تثمر الاحترام الخاص لنفسه ولذاته ولكن بشرط ان تكون خطوة التغيير خطوة جدية لا رجعة فيها.
اذن عملية التغيير تحتاج الى صبر ونفس طويل جداً حتى يبدأ تأثيرها على الانسان وتقوده نحو طريق الخير والصلاح المليء بالأفعال الحسنة والحياة الهانئة.
وبداية كل تغيير يبدأ من رغبة الانسان الحقيقية في ذلك، فلا يمكن أن يتغير الشخص نحو الأفضل إلاّ إذا شاء ذلك واقتنع بالفكرة، كما أن أي تغيير اعتباطي ناجم من شعور عابث وقتي غير جاد يعتبر تغيير هش لا قيمة له.
لأن الكلام لا يُجدي نفعاً ما دامت الأفعال لا تتوافق مع اللسان والقلب ولا يُمكن للتغيير أن ينجح ويستمر بالكلام والخُطب بل بالممارسة والتطبيق يصبح المستحيل ممكناً.
"ويطرح بعض المهتمين بشؤون النفس أسلوباً عملياً لتغيير الطباع والعادات المستحكمة، وهو أن تستبدل العادات القديمة بأخرى جديدة حتى تنسخ الجديدةُ القديمةَ، ويقترحون أن تكون العملية تدريجية، ذلك أنّ العادة المستحكمة لا تزول بسرعة وإنّما تحتاج إلى شيء من الوقت، وهذه العادات الجديدة جيِّدة وصحّية ونافعة، ومع الإصرار والمواصلة والانتباه ستقلع عن عادتك القديمة".
ويذكر لنا الكاتب ناصر الأسدي ضمن باقة من الملاحظات التنموية: " على ان الحياة التي نحياها والطريقة التي نعيش بها هي عبارة عن انعكاس لسلوكنا وفي كيفية تناولنا لهذه الحياة وتعاملنا معها، لذلك فبإمكاننا أن نتعلم بعض الأساليب التي من شأنها أن تغير الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا وبالتالي كيفية تناولها للحياة عندما نواجه المشاكل أو الفشل.
والملحوظات التالية تساعد في تقوية حس التفاؤل عند الإنسان بحيث يستطيع التغلب على مشاكل الحياة بقوة حكيمة وبعزم أكبر:
حارب الأفكار السلبية: حاول محاربة الأفكار السلبية والسوداوية، ولا تكترث من التفكير في المشاكل بل أبعدها قدر الإمكان عن تفكيرك وحاول دوماً التفكير بالأمور الايجابية.
حدد اهداف منطقية لحياتك: إذا قمت بتحديد أهداف صعبة جداً فإن احتمالات الفشل كبيرة وهذا يؤثر سلباً على نفسيتك. قم بوضع أهداف ممكنة لأنك كلما حققت هدفاً زاد ذلك من تفاؤلك، وليس هنا المقصود ان لا تتطلع لإنجازات كبيرة بل أن تقوم بتقسيم اهدافك على مراحل بحيث يصبح تحقيقها ممكناً.
كف عن المبالغة: لا تبالغ في وصف المشكلة التي تواجهها بل حاول أن تقلل من شأن المشكلة.
أما عن بعض الامور التي تساهم في تحسين المزاج النفسي بحيث يشعر الإنسان بالتفاؤل هي:
١- حاول تغيير المنظر عن طريق تغيير الأماكن بحيث لا تعتاد على نمط معين من الحياة.
٢-حاول عمل شيء يدفعك الى التحدي، بحيث تتحدى قدراتك وتكتشف طاقاتك الدفينة.
٣- حاول من وقت لآخر عمل شيء مختلف عن روتين حياتك لكي تكسر الملل.
٤- حاول التعرف على اشخاص جُدد كلما سنحت لك الفرصة، لأن ذلك يفتح أمامك آفاقاً جديدة ومعارف جُدد قد يضيفون الكثير الى حياتك.
٥- حاول أن تبتسم أكثر، لأن ذلك سيُعْكس على نفسيتك.
٦- حاول أن تستمتع بما في يديك بدلاً من النظر لما بيد الآخرين".
هنالك مسالك عديدة تؤدي الى التغيير الايجابي في الانسان من تهذيب النفس والسعي الى فعل الخير والابتعاد عن الخطايا، وفي كل الأحوال تبقى الطرق وعرة ومليئة بالصعوبات والمشقات، لأن محاربة النفس ليس بالأمر السهل والاّ لما سماه الله بالجهاد الأكبر الذي من خلاله يتمكن الانسان من انقاذ نفسه من تلابيب الذل والخوف والألم الى جنة الطمأنينة والرضا.
الاّ ان هنالك طريقاً واحداً مبلط باليسر والراحة، طريق يستطيع انقاذ أي شخص مهما كان ذنبه وسوء حالته من قعر الجحيم الى جنة الفردوس، ألا وهو درب الحسين (عليه السلام)، الدرب الذي جعل الله تعالى كل الثواب في رحلته.
فكل خطوة يخطوها الانسان الى المولى تمحو الذنوب، وتخلف بدالها ثواب ألف حجة وعمرة، وتزامناً مع الأربعين الحسيني، وقدوم الملايين من الزوار الى الحرم المقدس نستطيع الاستفادة من هذه الرحلة الإلهية في تغيير الأشياء غير الجيدة فينا، وتغيير العادات السيئة واستبدالها بعادات جيدة.
فالأجواء الروحانية التي يعيشها الزائر في طريقه الى حرم سبط الرسول كفيلة بزرع نبتة الخير في داخله، لأن هذا الطريق وتلك الخطوات المباركة قادرة على تغيير ما لم تستطع الدورات والكتب من تغييره.
لأن نفحات البركة ترافق الانسان في مسيرته لتتزكى كل خطوة من خطواته، وتتطهر نفسه من دناءة الحياة، فينسى نفسه وأهله ويترك الدنيا قاصداً الحسين (عليه السلام) لتجديد الولاء، ويبقى طريق الحب هذا افضل طريق للتغيير، فما على الانسان الاّ زرع بذرة التغيير وترك الباقي على الامام الحسين الذي سيتكفل بسقيها والعناية بها حتى تنمو وتُزهر ورداً وياسميناً، لتحل محل كل سيئة وعادة سلبية اجراً وخيراً، لأن طريق الحسين (عليه السلام) هو طريق الاستثناء الإلهي وفرصة ذهبية لمسح ملامح الذنب والارتقاء بالنفس وتحقيق الغايات الأخلاقية التي ثار من اجلها الامام في تحقيق العدل الإلهي والوصول الى السمو، ليدرج على اثره التغيير ضمن الخانات الاولى في تحقيق الأهداف العاشورائية التي هزت كيان البشرية.
اذن من المهم جداً تركيز فكرة المسيرة الأربعينية لتكون كربلاء هي المحطة الأولى والهدف الأسمى في تهذيب النفس وخطوة جادة للتغيير الايجابي ومنبر لاستلهام العبر والأفكار التي حاولت واقعة الطف ايصالها الينا.
وقد خلفت مسيرة الإمام اسساً جديدة للتغيير، فالثورة التي جاء بها الحسين (عليه السلام) اسقطت الولاءات القبلية، فثار العبيد على الأسياد وثار الحق على الظلم، فقد حطم الامام (عليه السلام)، حاجز الخوف من التغيير، فإذا كانت المسلمات الأخلاقية المزيفة تجول في المجتمع، فإن الثورة نسفت هذه المسلمات ووضعت ضرورة الثورة مكانها، فقد استطاع الحسين (ع) طمس كل الصيغ والتراكيب الفكرية والنفسية التي كانت تشكل العمود الفكري للتغير.
وبعد ان بدأت تتوضح ملامح الثورة وتكشفت عن الهوى والحفر في نوعية الفكر القديم، بدأ الانسان المسلم على أثرها يبحث عن هوية جديدة لفكره، لأن ثورة الامام خلفت مرحلة مهمة هي مرحلة التغيير على زيف الأفكار وعبودية النفس.
اضف تعليق