لا يخفى على كل منصف ما تشتمل عليه زيارة الأربعين من شعائر مقدسة، يحييها مئات الآلاف من زوار أبي الأحرار الإمام الحسين (ع)، القادمين من داخل العراق وخارجه، إذ أن هذه الزيارة تعد من المناسبات الدينية المتميزة، ولها أهمية بالغة في قلوب المؤمنين والمؤمنات، حيث يتوجه ملايين الزوار الى كربلاء المقدسة من كل حدب وصوب، صغارا وكبارا، نساءً ورجالا، بل حتى المرضى والمعوقين والعجزة يسيرون بين الجموع طالبين الشفاعة من الإمام عند الله تعالى.
إن من يتطلع الى هذه الجموع المليونية المتوجهة الى سيد الشهداء (ع)، سرعان ما يخطر في باله تلك العلاقة القائمة بين القلب والدماء بوساطة الشرايين، فالقلب هنا هو مرقد الإمام الحسين (ع) والشرايين هي الطرق المؤدية الى كربلاء المقدسة، أما الدماء فإنهم جموع الزوار الكرام التي تتدفق من كل حدب وصوب نحو الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) متضرعة طالبة الصفح والتخلص من الذنوب والأحمال الكثيرة التي تثقل كاهل الإنسان عبر مسيرة الحياة الشاقة، طامعة بالمغفرة وزيادة الهدى والرحمة الإلهية، وعلى الرغم من إن هذا التشبيه مجازي، لكن من خلاله يمكن لنا أن نتصور ما لهذه الشعيرة وإحيائها من فوائد جمة، لدرجة أنها أصبحت إحدى أهم الشعائر الحسينية التي يحييها سنويا ملايين المؤمنين.
ومن الجدير بالذكر إن زيارة الأربعين تأخذ الثقل الأكبر، من هذه الاستعدادات والخدمة كونها أعظم حدث ومسيرة وتجمع يحدث في العراق بكل عام، بل لا توجد مسيرة وتظاهرة وتجمع يضاهيها على وجه المعمورة، وتنقسم تلك الاستعدادات إلى تهيئة الأموال اللازمة والمخيمات أو الحسينيات والأغطية ومستلزمات الطبخ، وتهيئة أماكن استقبال الزوار ومبيتهم مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد خدَمَة الزوار يزداد سنة بعد سنة وكذلك يتضاعف عدد الزوار، بل حتى وقت استعداد هؤلاء الكرماء لتأدية مهمتهم لخدمة زوار مولانا الحسين (عليه السلام)، نراه يتقدم قبل موعد الزيارة عاما بعد عام، حتى أن البعض منهم يبدأ بأداء هذه الخدمة قبل شهر من موعد الزيارة، أما وقت الذروة فيكون قبل أسبوع من موعد الزيارة وخصوصا على الطرق الرئيسة التي تربط كربلاء بالمحافظات والمدن الأخرى.
زيارة الأربعين شعيرة كبرى
وتعني زيارة الأربعين، إقامة وإحياء هذه الشعيرة وتخليد مزاياها الدينية والتربوية والأخلاقية التي لا تحدها حدود، لذا فإن إقامة المجالس والمواكب الحسينية في زيارة الأربعين من كل سنة، تشكل إحياءً لنهضة الإمام الثائر والتعريف بالظروف القاسية التي أحاطت بها، وخصوصا تلك التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبها الحكام الأمويون بحق سبط الرسول الأكرم وذويه وصحبه عليهم السلام أجمعين.
وكلما أمعن الخطباء والشعراء الحسينيون في رثاء الإمام الحسين وذكروا مصيبته وأهل بيته (عليهم السلام)، تفتح لهم ولزوار الإمام أبواب الفضيلة والشفاعة والغفران، ولهذا باتت هذه الزيارة سياقا مستداماً لتجديد العهد لسيد الشهداء، من قبل الزوار الكرام في يوم الأربعين من كل سنة، هؤلاء الزوار القادمون من أصقاع العالم كافة، متجشمين عناء السفر، والمشقة والتعب والمخاطر التي تتمثل بتهديد حياتهم من قبل المتطرفين والإرهابيين كالدواعش، لهذا فهؤلاء جميعا أحباب الحسين الذين يستحقون أفضل وأكبر الخدمات.
ولتغطية فعاليات هذه الزيارة المباركة، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بجولة استطلاعيه، لمعرفه آراء الزوار والقائمين على المواكب الحسينية بالمكانة العظيمة لهذه المناسبة الدينية السنوية التي تجري وقائعها في أرض كربلاء المقدسة في كل سنة بمثل هذه الأيام، ولابد من معرفة وقائع زيارة الأربعين عن كثب وما يدور حولها، والخطط الأمنية والخدمات المقدمة فيها للزوار الكرام، وقد تم طرح بعض التساؤلات على الزوار والمختصين وبعض المهتمين بهذا الأمر.
لماذا تسير مئات الكيلومترات كي تصل لكربلاء المقدسة وتشارك في زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، وماذا تمثل لك زيارة الأربعين؟ وما هي الجوانب الايجابية فيها؟.
أجابنا الدكتور (محمد خالد)، قائلا:
لابد أن أكثر من 15 مليون إنسان عراقي، مع عدة ملايين من الضيوف الأجانب القادمين من دول أجنبية، للمشاركة في هذه الزيارة الأربعينية، تشكل ظاهرة اجتماعية أخلاقية وإنسانية مؤثرة، تركت أبعادا ايجابية جديرة بالرصد والدراسة والبحث والتوقف عندها، بعد فرزها لحالات رائعة وأبعادا ايجابية من شأنها أن تشكل دافعا قويا، للنهوض بمجتمعنا الى مصاف المجتمعات المتقدمة، ومن هذه الإيجابيات، الظهور بمظهر إنساني، سلمي، مدني، حضاري أمام العالم، ما أذهل المراقبين رغم التعتيم الإعلامي المقصود، وأيضا شيوع مشاعر الإخاء والمحبة والتعايش والوئام وحب الحياة والتضحية في سبيل الآخر، والشعور بالقوة في السير الجماعي نحو هدف أعلى في الحياة، وتعزيز القيم الشامخة نحو القمم الإنسانية ونحو النموذج والقدوة الحسنة التي باتت نادرة في الحياة العامة، ومضاعفة الثقة بالنفس والقناعة بالإمكانيات الذاتية وترشيد النفس ومنعها عن القيام بالسوء.
التأثير الكبير لوسائل الإعلام المختلفة
وكذلك طرحنا التساؤلات نفسها على الإعلامي (أمير فاضل)، فأجابنا قائلا:
إن التأثير الكبير لوسائل الإعلام المختلفة والفضائيات العراقية على الداخل العراقي، يستوجب أيضا البحث عن كيفية الاستفادة من هذا التعامل الروحي والأخلاقي والإنساني المتعاظم، وإرساله الى الإعلام الخارجي ليتعرف العالم اجمع على هذه الزيارة وما تحتويه من عبر ومشاعر وقيم تربوية اجتماعية مهمة، وبروز الحالات الايجابية التي تعبر عن ما موجود في داخل النفس، من العطاء والتفاني والتضحية والإيثار والكرم والضيافة.
وأضاف الأستاذ أمير فاضل: إن هذه الحشود المليونية التي تأتي مشيا على الأقدام، لها حالات ايجابية تنصب في محورين، الأول الثواب والمغفرة وقضاء الحاجة للزائر الكريم، وكذلك هناك أمور صحية ونفسية يحصل عليها الزائر من المشي والتوجه نحو سيد الشهداء(ع)، منها الشعور بحالة من الصحة والعافية بعد ممارسة رياضة المشي التي يوصي بها أطباء العصر، كذلك مغادرة حالة القلق وضجيج الحياة وتعب المشاكل والأزمات التي يواجهها، والانطلاق في الهواء الطلق النقي للتوجه الى أبي الأحرار (ع)، وأيضا التخلص من الروتين اليومي، وقضاء بعض الوقت مع وجوه جديدة مؤمنه يمكن الاستفادة من ثقافتهم مع تعزيز العلاقات والروابط الاجتماعية، فهذه الزيارة تعرفك على مجموعة من العراقيين والأجانب الرائعين الذين يمتلكون أفكارا وخططا راقية لتغيير المجتمع نحو الأفضل.
ماذا تعلمت من هذه الزيارة؟
والتقينا بأحد الزوار في كربلاء المقدسة وطرحنا عليه السؤال أعلاه، وهو أستاذ في إحدى المدارس في الديوانية وأسمه (عبد الله حسين/ 41 سنة)، فأجابنا بالقول:
إن زيارة الأربعين تمثل أعظم واكبر تجمع ديني في العالم، لذا فإن أردنا أن نتعرف على الإسلام الحقيقي علينا بزيارة الأربعين، لأنها مناسبة عظيمة لتعضيد القيم والمثل، كما أننا نتعلم من هذه الزيارة تحمل الصعاب والصبر لأنه مفتاح كل شيء، وكذلك الوقوف ضد الإرهاب والتكفيريين، ونلاحظ هذا من خلال المشي المليوني والإصرار على التوجه الى كربلاء المقدسة لأداء مراسم زيارة الأربعين، على الرغم مما يتعرض له الزائرون من ألوان العذاب والتهديدات الأمنية أثناء المسير الى كربلاء المقدسة.
ويضيف الأستاذ عبد الله قائلا:
وتعتبر مراسم زيارة الأربعين الى الإمام الحسين(ع)، صرخة مدوية ضد الظالمين والطغاة وتحفز الزائرين على المجيء الى كربلاء المقدسة، من اجل تجديد البيعة للإمام الحسين (ع)، وهذه دلالات كثيرة ومعاني كبيرة، وهي رسالة واضحة المعالم الى كل الطغاة للكف عن أساليبهم في انتهاك حقوق الأمة، كما أن زيارة الأربعين تساعد على بناء وتنمية المثل العليا للفرد المسلم، والملتزم بما يريده بالإمام الحسين (ع) ممن يناصره، كي يُصنَع الضمير الحي لدى كل إنسان قد تجرفه الأهواء والدنيا وحبها.
وحين وجهنا هذا السؤال: هل الجهات الأمنية والحكومية تقوم بواجبها، وما الفرق بينها وبين الحكومات العسكرية التي كانت تطارد الزوار المشاة وتعتقلهم؟.
أجابنا أحد ضباط الشرطة الاتحادية، قائلا:
لقد تم وضع خطة أمنية في كافه الأنواع والأقسام الأمنية، مع المباشرة بتوزيع المنتسبين في القطوعات وأماكن التفتيش للزوار، وتم توصية جميع المنتسبين بالتعامل الإنساني الجيد مع الزائر، وإرشاده للطريق الصحيح ومساعدته بكل ما يحتاجه من أمور مختلفة، وكذلك توفير عجلات الإسعاف والإطفاء للحالات الضرورية، أما بخصوص الحكومة في النظام السابق فإنها كانت تمنع وصول الزوار إلى الإمام الحسين (ع)، وكانت تحاربهم وتسنّ القوانين والأحكام القاسية كي تحد من قيام الزوار بالتوجّه الى كربلاء المقدسة.
وأضاف: إن هناك مجاميع من المتطوعين يقومون بمساعدة عناصر الأمن، وأن هذه المجاميع الشبابية من متطوعي مديرية الشباب في كربلاء والمحافظات الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني التي ترتبط بشعبة العمل التطوعي، لتنسيق العمل والمشاركة في مختلف الأعمال، وحسب حاجة المحافظة وستباشر تلك المجاميع الشبابية عملها الى جانب قواتنا الأمنية في المحاور الرئيسية خلال أيام الزيارة، كما أن هناك مجموعة أخرى من الشباب وأكثر من 250 متطوعا من كشافة تربية كربلاء، ستقوم بتوزيع بوسترات إرشادية وتثقيف صحي أعدتها المحافظة للزائرين الكرام، تحثهم على طرق الوقاية من الأمراض.
اضف تعليق