من جديد تعود الذكرى، وتضيء مصابيح الفكر الحسيني في سماء كربلاء المقدسة، لتنتشر في عموم الأرض، كذلك ها هي صفحات المجد تعود لتوقد في أذهان الناس، أحداث تلك الملحمة ودروسها والعبر التي تم استنباطها منها، واليوم علينا أن نتوجه الى الشباب، نساعدهم من ناحية ونطالبهم بتجديد الرؤية المبدئية والفكرية والسلوكية بما يتواءم مع روح العصر ولعلنا لن نأتي بجديد في قولنا أن الدروس التي يمكن للشباب استخلاصها من الفكر الحسيني تصطف بلا أدنى ريب الى جانب المبادئ الإنسانية التي تنصف البشرية جمعاء.
وعندما نتفحص واقع المسلمين عموما، وحين نكون أكثر تخصيصا، فنقصر كلامنا على عينة واحدة هي الشباب العراقي، سنلاحظ أن هنالك مشكلة كبيرة يعاني منها هؤلاء الشباب، ونعني بها تراجع إيمانهم بالحياة، ومعاناتهم من الإهمال، وهذا في الواقع أصابهم بنوع من اليأس والتقهقر النفسي، ما جعلهم أقرب الى التشاؤم من سواه، وهم على حق في ذلك خصوصا إذا لاحظنا درجة الإهمال التي يتعرض لها الشباب، حتى وصل بهم الأمر الى فقدان الإيمان بالحاضر والمستقبل، حتى أنهم ما فتئوا يستنجدون من واقعهم المزري على مستوى الفكر أو المبادئ أو العمل، لكن في الحقيقة نجد هناك نوعا من الصمت حيال هذه الاحتياجات.
إن هذه الأيام الخالدة تستدعي استرجاع المواقف العظيمة التي أقدم عليها الحسين عليه السلام، وتطالب الشباب بوضع آخر، وواقع آخر تتم صناعته بجهودهم أولا، بمعنى أن الشاب على الرغم من إهمال الآخرين له، عليه أن يسعى ويتحرك ويثق بنفسه، فلقد بدأ الرسول محمد (ص) فردا مع ربه الخالق الجليل وبدأت بوادر النور تتدفق في وسط الظلام الجاهلي الذي كان مستشريا بين الناس آنذاك ولقد أخذت منافذ الشر والظلم والجهالة بالانكماش رويدا في صراع إنساني فكري قل نظيره في الوقت الذي تصاعدت وتيرة الخير وهي تكتسح أمواج الظلام في طريقها الى الرقي الإنساني، فكانت الجهود العظيمة والإرادة الكبيرة والسعي الحثيث بلا كلل أو ملل والإيمان القاطع، كلها أسباب للنجاح، وهذا في الحقيقة درس للشاب كي يجدد رؤيته لواقعه ويكون أكثر إيمانا وأملا في التغيير الأفضل.
صفحات من المجد العظيم
وينبغي أن لا يتسلل اليأس الى الشباب، فالحسين عليه السلام واجه حشود الظلام وتمكن من صنع صفحات خالدة من المجد على مر الزمن، ولكن حدث هذا بثبات الموقف ووضوح الرؤيا والاستعداد المستمر للتضحية، وهي دروس لشباب اليوم كي يستمروا بتحديث رؤيتهم وتعاطيهم مع ما يستجد في عالم اليوم، وهكذا جاء سبط الرسول الأكرم الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وثورته العملاقة وفكره الإسلامي الخلاق امتدادا عظيما لبزوغ فجر الإسلام الخالد وانتشاره بين بني الإنسان ليشكل عبرة خالدة في إعادة الأمور الى جادة الصواب، ولا شك أن ذلك يمثل درسا عظيما للبشرية جمعاء، كما أن على الشباب بوجه خاص استثمار مثل هذه الدروس لتحسين الواقع المعاش، واستلهام المبادئ الحسينية، كالإيمان والسعي نحو الأهداف الجيدة بلا تردد أو توقف مهما كانت المصاعب والعوائق، فهذه الأيام العظيمة التي تحمل في طياتها وقائع الثورة الحسينية الخالدة وأحداثها، ينبغي أن تكون مشعلا مضيئا يحمله الشباب عاليا لكي يستضيئوا به وهم في طريقهم الى صنع الحياة الحرة بعيدا عن الظلم والقهر والامتهان.
إن الشباب مطالبون بالفعل بقراءة متجددة للملحمة الحسينية المتجددة، ولابد من استلهام الدروس لتجديد الرؤية الشبابية، ومن تحسين الواقع المجتمعي كله وبالأخص واقع الشباب، هكذا ينبغي للشباب النظر الى ثورة الإمام الحسين (ع) العملاقة والى فكره الإنساني المتبصر، ولابد أن يحيد الشباب عن هذه الحقيقة قيد أنملة عندما، وعندما نؤكد على أهمي استخلاص الشباب للدروس الخلاقة من الفكر الحسيني الخلاق، فإن الهدف أولا وأخيرا هو انتشال الشباب والمجتمع كله من حالة الاستسلام لقوى الشر مهما كان مصدرها، ذلك أن المطلوب هو أن يأخذ الشباب حقهم في الحياة الحرة، وأن يتنبّه المسؤولون لهم، بالمقابل على الشباب أن يتمسكوا بمبادئ الحسين (ع) ويعملوا بها، فهي كفيلة بأن تجبر المسؤولين أن يتنبّهوا لهم ويمنحوهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.
إن الإمام الحسين عليه السلام لم يقم ضد الظلم إلا لأنه تجاوز مداه، وكما يُقال بعد أن طفح الكيل، حيث الانحراف بالإسلام الى درجة خطيرة وكبيرة، وتجاوز على حريات وحقوق المسلمين بصورة خطيرة أيضا، فكانت الثورة العملاقة، وبقيت نتائجها تنمو وتتفاعل وتؤثر في الآخرين على مر الزمن، وهذا ما يحدث بالفعل مع شبابنا اليوم، إنهم الشباب الحسيني الذي لا يتنازل عن حقوقه، ولا يتراجع أمام الظلم، ويتخذ دائما من مبادئ الفكر الحسيني حافزا عظيما لتجديد الرؤية الفكرية والعملية للتعاطي مع صنع الحياة الحرة الكريمة التي يستحقها العراقيون والشباب منهم على حد سواء.
دور المؤسسات الدينية والمدنية
إن المطلوب من الشباب أن يُظهروا الاستعداد الدائم للتضحية، وأن يتخذوا من إيمانهم نقطة انطلاق نحو تجديد رؤيتهم وتغيير سلوكهم تجاه ما يستجد في حياتهم وواقعهم، فلقد أتاح الإمام عليه السلام لنا جميعا وخصوص (الشباب) أن نتبصر أفعالنا وأفكارنا ونفرز أهدافنا ونمحصها بصورة متأنية وصحيحة ثم نقارنها بالأهداف المطلوبة وقدرتها الخلاقة على تجديد رؤية الشباب للواقع والانطلاق نحو حياة أفضل، مع أهمية أن تبادر الجهات ذات العلاقة، ليس الحكومية وحدها، وإنما المنظمات المدنية والمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، الى مد يد العون الى الشباب منطلقين بمواقفهم هذه من الذكرى العظيمة للملحمة الحسينية وما تقدمه لهم من دروس وعبر في دفعهم الى الأمام دائما.
وللحق ينبغي أن نقول ليس الشباب وحدهم مطالبون بتغيير الرؤية الفكرية والمبدئية أو تجديدها منطلقين من الملحمة الحسينية في ذكراها الخالدة، وإنما يجب أن تجدد الجهات الحكومية رؤيتها أيضا في التعامل مع شؤون واحتياجات الشباب، المادية والفكرية والتعليمية والثقافية والترفيهية، متخذين من مبادئ الإمام الحسين دروسا وعبر للتعامل مع السلطة والمال والحقوق، فهي قادرة على أن تقود الحكومة وجميع الأطراف الى الجادة الصواب، وعندما تعي جميع الأطراف جميعا حجم المسؤولية تجاه الشباب والأمة عموما، حينها سوف يتم صنع واقع آخر جديد، يقوم على العدل والإنصاف والرؤية العادلة الى التعاطي مع واقع الشباب واحتياجاتهم.
وبهذا تبقى هذه الذكرى الحسينية الخالدة، نقطة انطلاق دائمة لتصحيح المسارات السياسية والإدارية والأخلاقية، الفردية والجمعية، الحكومية والمدنية، وتبقى مبادئ الإمام الحسين (ع) فنارا لنا جميعا، نهتدي به الى مرفأ العدل والأمان وحفظ الحقوق وصنع الحاضر الأفضل، وضمان المستقبل المدروس لأجيالنا القادمة، وهو أمر ينبغي أن تأخذه الأجيال الحالية، وخصوصا من هو في موقع المسؤولية الحكومية والدينية والثقافية، فالجميع تقع عليهم ضمان مستقبل جيد ومضمون للأجيال القادمة مثلما هي حقوق الأجيال الحالية، مع أهمية وجدية التركيز على دعم الشباب واستثمار ذكرى محرم واستشهاد الإمام الحسين (ع) للتوعية والتثقيف وزيادة الإيمان والتبصر المستدام.
اضف تعليق