كانت شبكات التواصل الاجتماعي ولا زالت، من أهم وسائل الاتصال بين الأفراد والمجموعات المتجانسة والمختلفة، بعض النظر عن الجغرافية أو الهوية أو المعيقات الأخرى، وعندما انطلقت في العمل، لم يكن أحدنا يتخيل أن هذه الوسائل التي تتخذ من الأثير وسيطا لعملها ونشاطها، أنها ستكون في يوم ما شاغلة لعقول الناس، وسارقة لأوقاتهم، ومستحوذة على اهتمامهم الى الحد الذي جعل منها عالَما آخر يوازي العالم الواقعي للبشرية.
لم يبتئس الناس ولم يتذمروا في بداية الأمر، ووجدوا في هذه المواقع قفزة كبيرة في مجال الإعلام والتواصل والاختلاط، لدرجة أن كثيرا من المختصين أكدوا أن هذه الشبكات التواصلية سوف تترك تأثيرا جوهريا حاسما على العلاقات المتشعبة بين الأمم والشعوب والأفراد، لاسيما في مجال تناقل الثقافات والقيم والعادات والسلوكيات الفردية والجمعية.
لم يكن يخطر في بال أحد، أن غرف الدردشة أو ما يسمى بـ (القروبات)، سوف تشكل خطرا ما حقا على الإنسان وخاصة فئة الشباب، فقد غزت الغرف السرية أو المجموعات أو القروبات السرية مواقع التواصل لاسيما الفيس بوك، وانتشرت آلاف من هذه الغرف والمجاميع وخاصة بين الشباب، وأخذت تنشط بحرية في تدمير الأسس الأخلاقية والقيم على نحو مدروس، ويمكن لم ينتمي لبعض هذه القروبات ويستطيع متابعتها أن يكتشف مدى وحجم الأخطاء التي يتعرض لها الشباب، خصوصا في مجال تغيير القواعد الأخلاقية والقيم التي ابتني عليها العديد من المجتمعات الناجحة المتماسكة.
من الغريب أن تتحول شبكات التواصل من وسائل مقرّبة بين الناس الى وسائل داعمة للعزلة ومنتجة لها، فبالإضافة الى الغرف السرية التي يغيب فيها الشباب، ويقضون فيها أوقات لا حدود لها، وهي أوقات ميتة في الغالب، حيث يقضي الشاب هذه الأوقات الثمينة في مواضيع وحوارات وأحاديث وأعمال ذات طبيعة أخرى، لينتهي بالنتيجة أما الى لا شيء، فقط خسارة الزمن سدى، أو تنعكس عليه قيم وثقافات دخيلة مدمرة تضعف الأخلاق وتقصي القيم وتزج بالقيم المدمرة كبديل لها.
الشبكات الاجتماعية تواصل أم انعزال؟
ما نريد أن نصل إليه في الجزء الأول من مقالنا هذا، أن الأهداف التي كان متوقعا لها أن تتحقق للبشرية عبر شبكات التواصل، أقصيت على نحو غريب، وبدلا من أن تكون هذه الشبكات وسيلة لتقريب الناس من بعضها، فإنها أصابت العديد من المجتمعات والأفراد بنوع من العزلة التي فصلت بينهم وبين أقرب الناس إليهم، حتى بين العائلة الواحدة، صارت هناك جدران وحواجز، فصلت أفراد العائلة عن بعضهم، فصارت هذه المواقع عنصر تفريق لا عنصر تقريب، ووسائل عزلة لا وسائل تواصل بين الأفراد أو بين الأمم والجماعات المختلفة.
عندما نتابع الأسباب التي جعلت من وسائل الاتصال وسائل تشجّع أو تنتهي الى العزلة، قد لا نصل الى نتائج حاسمة في هذا المجال، ولكن حتما أننا نعي خطورة ما يجري على الأرض، لقد تسابقت شركات انتاج (الهواتف النقالة) فيما بينه، لكي تقدم للزبون أسهل طرق الاستخدام، ويما بعد يوم تقدم لنا مزايا جديدة تجعل من هذه الهواتف أفضل وأسرع في الاستخدام، لدرجة أن الأطفال صاروا أكثر ولعا بها وتعلقا فيها من الكبار، حتى صغار السن منهم بمن في ذلك أطفال الروضة، أو حتى من لم يدخل رياض الأطفال بعد.
واذا افترضنا أن النسبة الأعلى من المستخدمين يحسنون استخدام هذه الأجهزة، ويتعاملوا مع الجوانب الايجابية والمحصلات الجيدة لما تنتجه وسائل وشبكات التواصل، وهو أمر مشكوك به طبعا في ظل حالة الانكشاف الهائلة التي بات عليها العالم كله، ولكننا نفترض استخداما أفضل مع وجود المتابعة والمراقبة خاصة على الأطفال وصغار السن، لكن مع كل ذلك باتت شبكات التواصل هي الأكثر تحريضا وإنتاجا لعزلة الإنسان في حين أننا جميعا نطلق عليها اسما آخر، هو (مواقع التواصل الاجتماعي).
كيف نحمي شبابنا من الغرف السرية؟
حتما أننا نبحث عن حلول لحماية أنفسنا من الجانب المسيء لشبكات التواصل، لاسيما صغارنا وشبابنا، ولكن بداية علينا أن نفهم أن أسلوب المنع ليس هو الحل، فقد استفحل الأمر وبات فوق قدراتنا على منعه، ولو افترضنا أن الأب قادر على منع ابنه وبنته من التفاعل ومواقع التواصل، فإنه كمن يبعده عن المجتمع وعن أقرانه ويعزله في سجن أو غرفة لا تطل عليها الشمس، لذلك فإن التفكير بالمنع لم يعد مفيدا أو مجديا بالمرة.
فالنتائج التي تعود من المنع أكثر ضررا بالإضافة الى أنها لا تحقق ما يصبون له أولياء الأمور، لهذا وجب البحث عن حلول أخرى أكثر واقعية وأنسب من حيث الاتساق مع العصر الذي نعيشه، وهو يمكن أن يسمى بعصر التواصل الإلكتروني العالمي، إذاً ما هي الحلول الناجعة التي يمكن أن نستفيد منها في تحقيق نتائج متوازنة، لا تعزل أولادنا عن العالم ولا تجعلهم فريسة له في الوقت نفسه.
إنه هدف صعب في حقيقة الأمر ولكن نحن لا نمتلك خيارات أخرى، بمعنى إننا عاجزون عن عزل أبنائنا عن العالم، ومطلوب منا أن نحميهم من الخطأ الذي يتربص بهم، فماذا نفعل؟؟.
من المقترحات المهمة وفق وجهة النظر الشخصية أن نقوم بما يلي:
- حملة توعية وتثقيف واسعة ومستمرة على مدار الساعة للصغار والشباب.
- مهم جدا أن يفهم فلذات أكبادنا حقائق الأمور كما هي من دون خفاء أو إحجام أو تردد.
- المراقبة مهمة جدا، ونعني بذلك مراقبة أولياء الأمور لكيفي استخدام أولادهم من (الجنسين) لمواقع التواصل الاجتماعي.
- تحذيرهم من الأخطار المتوقعة التي يمكن أن تحدث في الغرف الإلكترونية السرية، تلك التي لم يفكروا فيها أو يتوقعوها.
- تبصيرهم على نحو دائم بالمآرب الأخلاقية والمادية لمن يحاول استدراجهم الى المستنقع الضحل.
- ينبغي أن يشعر الابن والبنت أنهما تحت المراقبة، مع أهمية إقناعهم بالاستخدام الأفضل والأئمن لهذه المواقع، وخصوصا غرف الدردشة الخاصة او القروبات المغلقة.
- من الأفضل تحديد زمن معين للأولاد يسمح لهم فيه استخدام هذه المواقع.
- مهم جدا أن يشرح الأب والأم للأولاد بصراحة تامة المخاطر الأخلاقية التي قد يتعرضون لها، ولابد لهم أن يحذروا من ذلك.
- هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الآباء والأمهات فحسب، وإنما المعلم والمدرس التربوي والمثقف ورجل الدين وبقية النخب، الجميع عليه مسؤولية التوعية والتثقيف والإيضاح.
- وأخيرا تقع مسؤولية مباشرة على وسائل الإعلام في هذا الجانب، من حيث توعية وتثقيف الصغار والشباب على نحو دائم.
اضف تعليق