q

نجلس أنا وصديقي المثقف في مكان عام، نسترجع أيام الماضي، قبل عقود عندما كنا في مرحلة الشباب، حيث الحياة تفتح ذراعيها لنا، وآفاق الأحلام تمتد أمامنا ونوافذ الأمل تتيح لنا أن نحلم ونخطط ثم نسعى بقوة وحيوية نحو ما نخطط له، يساعدنا في ذلك نوع من التواصل مع الآخرين (أصدقاء، مقرات صحف ومجلات، مطاعم، مقاهي في العاصمة، قاعات رسم تشكيلي، مسارح، وقاعة حوار خلف أكاديمية الفنون) كل هذه الأماكن وسواها، كانت متاحة أمامنا في شبابنا، وساعدتنا على تطوير علاقات جيدة مع الوسط الثقافي.

عندما نعود من العاصمة الى المحافظة التي نسكن فيها، نبدأ بمراسلة الأصدقاء عبر الرسائل الورقية المكتوبة بالقلم، وعبر البريد الحكومي العادي، حيث يستغرق وصول الرسالة الى العاصمة أسبوعا في أقل تقدير، وتستغرق الرسالة الجوابية من الصديق الى المرسِل أسبوعا آخر، هذا يعني أنني أحتاج الى أسبوعين لكي أتواصل مع أصدقائي بصورة محدودة على الرغم من أن الموضوع ربما يتعلق بقضايا وأمور بناء المستقبل.

اليوم كما هو معروف يمكن للشاب أن يتواصل مع أبعد صديق في العالم خلال لحظات لا أكثر، أي بكبسة زر في الكيبورد يمكنه أن يرسل عشرات وربما مئات الأوراق المنضَّدة الى الجهة التي يرغب بمراسلتها، ليس هذا فحسب بل هناك مواقع معروفة للتواصل الاجتماعي، فتحت مساحات لا محدودة للتواصل بين الشباب بعضهم مع بعض فضلا عن الفئات العمرية الأخرى، وكلنا نتابع ما يحدث على سبيل المثال من تواصل آني مباشر بين الشباب في موقع الفيس بوك الناشط بقوة في العراق.

في الحقيقة تعد هذه الخطوة ثورة في مجال التواصل الاجتماعي، وهو يشكل فرصة ذهبية للشباب لتطوير المهارات والذات في حالة الاستخدام الصحيح لهذه الفرص الواسعة المتاحة للتواصل فيما بينهم، وبإمكان المتابع أن يلاحظ ذلك في جميع مواقع التواصل وسوف نأخذ موقع الفيس بوك نموذجا في موضوعنا هذا.

ونبدأ بالتساؤل التالي، هل أن سهولة التواصل بين الشباب والفئات العمرية الأخرى تمثل نعمة لهم أم نقمة عليهم؟، وهل هذا اليسر والبساطة والسرعة في تبادل العلاقات الإنسانية بين الشباب بعضهم مع بعض، أمر جيد بالنسبة لهم أو العكس من ذلك؟.

الاستفادة من العالم الافتراضي

على الرغم من أن موقع الفيس بوك أتاح للشباب العراقي التواصل مع فيما بينهم، فإن فرص التواصل مع شباب العالم أجمع باتت متاحة لهم، ولكن ما يهمنا الآن الطرق التي يتم عبرها التواصل بين الشباب العراقيين، ولغة الحوار التي تدور فيما بينهم، هل هي لغة سليمة وصحيحة؟، هل تعبّر عن رغبة الشباب العراقي بالتطور ومواكبة ما يجري في العالم من قفزات شبابية هائلة في المجالات العلمية والعملية في دول العالم الأخرى.

وقبل الدخول في عمق هذا الموضوع نقول في الإجابة عن الأسئلة أعلاه، أن هذه السرعة في التواصل ينبغي أن يتم استثمارها بصورة صحيحة من فئة الشباب، فكما ذكرنا في مقدمة المقال أن الرسالة المحدودة كانت تستغرق أسبوعين بين الأصدقاء لكي يناقشوا موضوعا ما، أما اليوم فإن الأمر قد تحول الى محادثات مباشرة، مع مزايا أخرى مهمة، مثل المحادثة السرية والشخصية أو محادثات غرف الدردشة، او أعضاء الكروب أو الجماعة وما يتاح لهم من أفضليات في الحوار.

كل هذا وسواه يصب في صالح الشباب، لكن ما يصب بالضد منهم هو الخلل الواضح في لغة التواصل والحوار فيما بينهم، فهي في الحقيقة وحسب إطلاعنا وإطلاع آخرون عليها تمثل مشكلة حقيقية في طريق تطور الشباب، إنها لغة لا تليق بالشباب، هكذا نقولها بصراحة تامة، فهي لغة هابطة، تتخللها تجاوزات وخدش للمشاعر وتجاوز على الأخلاقيات والأعراف السائدة، حيث يمكن ملاحظة هذه الظاهرة تنتشر بين الشباب العراقي.

بطبيعة الحال هناك من يُستثنى من هذا التعميم، ولكن أغلبية الشباب لا يمتلكون لغة الحوار التي يمكن أن تقودهم إلى مستقبل أفضل، لاسيما إذا عرفنا أن لغة الإنسان تعبر عن طبيعة أفكاره وشخصيته وثقافته، كما جاء في قول الإمام علي عليه السلام (المرء مخبوء تحت لسانه)، كذلك قيل في البيت الشعري الشهير (الإناء ينضح بما فيه)، بمعنى أن لغة الشاب والإنسان عموما تعرّف الآخرين به، وتطلع الناس على أخلاقه وثقافته وأفكاره.

أما إذا اطلعنا على ما يدور اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب العراقي من أساليب للحوار، ونموذجنا هنا الفيس بوك، فإننا نقول بصراحة تامة أن لغة الحوار يعتريها الكثير من الشوائب التي ينبغي أن يتم تهذيبها وتشذيبها حتى يستطيع الشباب العراقي الاستفادة من هذه النعمة في التواصل المباشر، ولكي لا تتحول الى نقمة، فيما لو تحولت هذه المواقع الى نشر أساليب مسيئة للحوار، فهي لا تليق بشبابنا الذين من المؤمّل أن يكونوا مثالا جيدا ونموذجا راقيا يقتدي به الأقل عمرا، وهم الشريحة الأخطر في المجتمع ونعني بهم (المراهقين).

مقترحات ورؤى وحلول

لنتفق أولا على أن مواقع التواصل الإلكترونية أو ما يسمى بـ (العالم الافتراضي)، تمثل فرصة مهمة لصالح الشباب العراقي من أجل معرفة ما يجري في العالم على مستوى الشباب، وما تحقق في مجال الابتكار وتطوير المهارات الشبابية عالميا، ولابد أن نبدأ بنقطة حاسمة نقول فيها أن هذا العالم الافتراضي ينبغي أن لا ننظر إليه نظرة سلبية، بل علينا أن نستفيد منه بأقصى ما يمكن وأن نستثمر الفرص المتاحة فيه لصالحنا.

المهم في هذا الأمر، أن يتم تحسين لغة الحوار بين الشباب، ونعني بها الحوارات الظاهرة أمام الجميع (الصفحة الرئيسة أو ما يسمى بالنشر العام)، على أن تلتزم هذه اللغة بالضوابط الأخلاقية والاجتماعية والدينية وما تتفق عليه الأعراف، وأن يربأ الشاب العراقي بنفسه من الاستخدام اللغوي الخاطئ في الحوار وتبادل الأفكار وما شابه، فاللغة على الرغم من أنها لا تنتمي لحالة ملموسة (مادية) لكنها هي الوسيط الناقل الذي يؤدي الى التوافق أو الخلاف وما يتبع ذلك من خطوات لاحقة قد تكون (مادية) بالنتيجة.

أما كيف يمكن تحسين لغة الحوار بين الشباب، فالحقيقة يستدعي هذا الأمر جهودا كبيرة يتمم التخطيط لها بصورة منظّمة، تشترك فيها النخب الثقافية والدينية على أن يتم دعمها بصورة مخطط لها من وسائل الإعلام بأصنافها كافة، حتى مواقع التواصل نفسها كالفيس بوك ينبغي أن تدخل في هذا الجهد الكبير ويتم توضيح خطورة هذه الظاهرة على الشباب أنفسهم.

على أن يتم تقديم البديل الصحيح والمناسب للشاب العراقي، بمعنى عندما نطالب الشاب بالبديل في لغة الحوار، يجب أن نقدم له البديل، وهذا يتطلب التدريب والتعليم الدائم عبر المنظمات والجهات والمؤسسات المعنية بهذا الأمر، ونعني بها كل الجهات التي يمكنها تطوير ثقافة ووعي الشاب.

كما أننا ينبغي أن لا نستثني الجهد العائلي ودوره الكبير في هذا المجال، فالأسرة يمكنها أن تكون رافدا مهما للثقافة والوعي السليم، من خلال الجهد التربوي الأخلاقي الذي تقدمه لأعضاء الأسرة، لاسيما إذا عرفنا أنها الأساس الذي تقوم عليه شخصية وأفكار وسلوك الإنسان من الطفولة صعودا الى المراحل القادمة.

خلاصة القول.. يحتاج الشباب العراقي الى تحسين لغة التخاطب في مواقع التواصل الاجتماعي، كونهم يمثلون واجهة مهمة للمجتمع، وسوف تنعكس لغة الحوار الشبابي على الفئات الأدنى (الأطفال، المراهقون)، لذا ينبغي أن التعامل مع هذه القضية بجدية تامة والنظر لها على أنها من المهام والوظائف ذات الأهمية القصوى في الجهد الثقافي التربوي الأخلاقي للمنظمات والجهات الرسمية والمدنية المعنية بهذا الشأن.

اضف تعليق