ربط بعض المفكرين إثبات وجود الانسان بفكرة الانتظار، فقيل (أنا أنتظر اذاً أنا موجود)، على غرار المقولة الفلسفية الشهيرة (أنا أفكر اذاً أنا موجود)، فما هي النتائج التي يمكن أن يقودنا إليها الانتظار، وهل تنطوي على نوع من التغيير الإيجابي في حياة الانسان؟، لا شك أن الإجابة هنا سوف تأتي بالإيجاب، لسبب واضح أن الانتظار يرتبط بوشائج قوية بالأمل، لدرجة يمكن معها القول، أنت المنتج الحقيقي لقوة وطاقة الأمل لدى الانسان هي فكرة الانتظار.
هل فعلا تشكل ثنائية الأمل والانتظار حالة من الترابط الإيجابي القادر على تغيير المجتمع والفرد من حال الى حال؟، يمكن هنا أن نتخيل إنسانا فاقدا للأمل بصورة تامة، أي أنه مصاب بحالة يأس تامة، ما هو الوصف الأقرب لمثل هؤلاء الناس اليائسين، هل يمكن أن تكون لديهم قدرة على التغيير ومواصلة الحياة بصيغ أرقى مما يعيشون؟.
ان التغيير مرتبط بهذه الثنائية بصورة حاسمة، فلا تغيير من دون أمل، ولا أمل من دون انتظار، ولا قدرة على التغيير من دون استثمار هذه الفكرة بصورة متقنة، فهناك دوافع مهمة يحاول الانسان ان يصنعها من اجل إدامة الحياة، على نحو مناسب ومقبول، وتكمن أهمية هذه الدوافع في حث الانسان على العيش في حالة من التفاعل والامل، لكي يتواصل في الانتاج والابداع والابتكار، وعدم الثبات على حالة واحدة من التفكير أو نمط العيش، لان التجديد من أهم سنن الحياة، وعندما يختفي الدافع للتجديد، سوف تكون هناك مشكلة اسمها اليأس، وهي غالبا ما تستوطن أعماق الانسان وتشل قدراته بصورة تامة.
فيصبح الانسان في حالة استسلامه لليأس، خاليا من قدراته الفكرية والمعنوية، وقد يصل الى حالة من الانكسار، فيكون عندها بلا قيمة انتاجية او ابداعية، لذلك حتى نعيش حياة متحركة منتِجة متفاعلة، نحتاج الى الفكر المنتِج المتحرك، والانتظار محاولة صنعها الانسان حتى يحرّك افكاره، وتتولد لديه رغبة دائمة بالتجديد والأمل المستدام، ويندفع الى الابتكار والتغيير نحو الأفضل دائما، وينحو بقوة الى تحسين الحياة، يحدث هذا عندما ننتظر شيئا إيجابيا بإمكانه أن يغير حياتنا ويجعلها أفضل، فيزرع الأمل في النفوس والعقول، ويجعلها اكثر استعدادا للتغيير، وهذا يشكل ركنا أساسيا من أركان نجاح الفرد والمجتمع.
عالمنا يغصّ بالقهر والوجع
كيف يمكن أن نصف العالم الذي نعيشه الآن بصورة حيادية؟ من دون تزويق أو رتوش، أي أننا نصف حياتنا على حقيقتها، هل هي الحياة التي تنسجم مع طموحاتنا؟، هل نحن نعيش حالة قبول بما يحدث حولنا، في مجال السياسة، ألم يحدث ظلم بيّن لنا على أيدي السياسيين، على المستوى الاقتصادي أليست هناك أخطاء فادحة، على مستوى ادارة أمن الشعب والبلاد، ألا توجد خروقات هائلة، هل نحن مقتنعون بهذا الواقع.
اذا جاءت الاجابة بنعم، فهذا يعني أننا في قمة اليأس، وأننا لا نمتلك أملا بالتغيير، ولا ننتظر حالة أفضل مما نعيشه الآن من أحداث ووقائع مؤلمة، من هنا نحن نرفض هذه الاستكانة وهذا الخمول الذي يصل الى حد الخنوع، إننا نأمل بالأفضل وننتظر ولكن هذا الأمل والانتظار لا ينطلق من حالة فراغ، انما هناك منطلقات ننطلق منها، إننا مع حالة الانتظار والأمل، لدينا تخطيط مسامر من أجل التغيير، في هذه الحالة يكون الانتظار منتجا والأمل فاعلا ومؤديا الى نتائج ايجابية نحو التغيير.
علما أننا عندما نركز على هذه الثنائية ونبحث في أهميتها، فلا يعني هذا أننا أول من يفعل ذلك، أو ان هذه الفكرة من ابتكاراتنا الفكرية او الفلسفية او المنهجية الجديدة في رسم التغيير، فلا شك أن فكرة الانتظار موجودة لدى معظم الامم، وقد صاغها المفكرون بأساليب شتى وافكار متنوعة، إذ تدور معظم تلك الاحداث والصور حول فكرة الانتظار، كذلك توجد لدينا فكرة الانتظار والخلاص وحالات السمو والارتقاء، موجودة لدى مفكرين من امم عديدة فضلا عن الاديان حيث تتواجد فكرة المنقذ المخلص، أما المسلمون فهم يؤمنون بمجيء المنقذ متمثلا (بالامام المهدي المنتظر عليه السلام)، وهو الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا، بعد أن تغص بالمآسي والظلم والويلات، ولكن تبقى قيمة الانتظار مرتبطة بالهدف الاسمى لها، وبقدرتها على تحريك الانسان ودفعه نحو الافضل دائما، اي أن الانتظار ليس سلبيا، بل هو الدافع الأول لإحداث التغيير المطلوب، مشفوعا بحالة من الأمل المستمر.
نحن في هذه الحالة نحتاج الى استعداد دائم للخلاص من عالم (القهر والوجع) الذي يحيط بنا، ويكاد يطيح بآمالنا بحياة أرقى، لذلك ينبغي أن لا يكون الانتظار مدعاة للتراجع او الاتكال او التلكّؤ، انه الانتظار الذي يدفع الانسان الى امام، وهو القيمة الايجابية الفعالة للانتظار، حيث يبقى الانسان في حالة أمل متواصلة للتغيير نحو الافضل، فيسعى الى التجديد والابتكار والتغيير مؤمنا بثنائية الانتظار المشوب بالأمل، وفاعلا أساسيا في هذا الاتجاه، مبتعدا عن الانتظار المتكاسل السلبي، الذي يبقي على الانسان في حالة هي أقرب الى الشلل الفكري والفعلي.
ابتكار حياة الإرتقاء
الانسان الواعي مطالب بالمشاركة الفعالة في ابتكار حياة أفضل، لذلك فإن فكرة الانتظار الايجابي، غالبا ما تدفع الانسان الى ابتكار الحياة الارقى والاجمل، والاكثر اندفاعا نحو التجديد، وهو امر لا يمكن تحقيقه مع التكاسل او ضمور الارادة، بهذا المعنى تكون قيمة الانتظار مؤثرة وناجحة، وينبغي تعميمها على المجتمع عموما بالطريقة التي تجعل منها طريقة واداة للتطور وليس طريقة او سبب للسكون والثبات على فكر او نمط حياتي متكرر.
وثمة خطوات عملية لتوظيف ثنائية الانتظار/ الأمل، لأن السعي لتوظيف هذه الفكرة، يتطلب أولا نشرها كقيمة من قيم المجتمع، وينبغي أن ينظر اليها ويعيشها ويتفاعل معها الجميع على انها وسيلة للابداع، وليس طريقا الى الرتابة والتكرار والملل، وعندما تكون فكرة الانتظار والأمل مكملة للقيم الاخرى، عن قناعة وايمان تام، عند ذاك سيكون الفرد والجماعة اكثر استعدادا للتغيير، واكثر أملا بتحقيق النجاح المطلوب، خاصة أن المنقذ متمثلا بالإمام (الحجة المنتظر عليه السلام)، عند ظهوره سيعيد الاعتبار الى الانسان الذي تعرض للظلم والقهر والطغيان بكل أشكاله، وهذا يعني أن الطبقة الفقيرة في العالم سوف تكون أو المستفيدين من هذا التغيير الناتج عن ثنائية الانتظار والأمل والعمل المستمر بها.
من الأساسيات المهمة في هذا الجانب أن فكرة الانتظار تقوم على التصحيح، ولذلك تعد فكرة منتجة للأمل بدلا من اليأس وهذا المطلوب، وهكذا ستكون دافعا للتطور والسعي نحو الابداع، على العكس من حالة الاتكال التي تنشرها حالة اليأس بين الناس، وهكذا ستكون هذه الثنائية (الانتظار/ الأمل) فكرة عملية فعالة ومطلوبة في تصديها للكسل والخمول وعدم الابتكار والتجديد.
وهكذا نكون قد خطونا من خلال فكرة ثنائية (الانتظار الأمل) خطوات مهمة نحو صناعة التغيير المرتقب في التكوين الفردي والمجتمعي، وهي نتيجة سعت إليها أمم وشعوب كثيرة سبقتنا في العصر الراهن بعد أن كانت تستقر وتسير خلفنا، واليوم هناك أمل وهناك انتظار ليس بمعنى التخلي عن مسؤولية التغيير، وانما انتظار مع العمل والسعي والتخطيط للتغيير والتخلص من القهر والحرمان والجهل والتخلف، وهذا هدف قديم جديد يستدعي جهودا جبارة لتحقيقه، على أن يبقى الأمل والانتظار اطارا مستداما للوصول الى درجة التغيير الكبرى.
اضف تعليق