q

لماذا يفشل الحاكم وحكومته في ادارة السلطة، ولماذا ينتشر الفساد في مفاصل الحكومة ومؤسسات الدولة؟، هل لنوع النظام السياسي دخل في ذلك؟، ومن هي الجهات المسؤولة عن التصدي لهذه الظاهرة التي تتمثل بتآزر فيها الفشل الحكومي والفساد، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، فأينما يوجد الفساد يوجد النظام الفاشل للحكم، وكأنه نتاج حتمي لفشل النظام السياسي، كما نلاحظ ذلك في جميع تجارب الحكم السابقة واللاحقة.

لا شك أن نوع النظام السياسي له دور أساس في نجاح الدولة أو فشلها، لذلك لا يمكن أن نبرّئ الحكومة من الفشل اذا كانت البلاد فاشلة، المجلات السياسية والاقتصادية والتعليمية والحقوقية وما شابه، وكذلك الحال عندما يتم اهدار حقوق الشعب بصورة فاضحة، وفق سلسلة اجراءات فاشلة تديريها رؤوس تسرق كل شيء من الشعب، وتطمع حتى بما يسد رمق الناس وينقذهم من الموت.

ومن بداهة القول أن إحجام الشعوب عن المطالبة بحقوقها، سيساعد الحكام على تصعيد حالة الفساد السياسية والاداري والمالي، كما أن غض الطرف عن التجاوز على حقوق الشعب، مخافة البطش والتعذيب وما شابه من عقوبات سلطوية جاهزة، لمن يجاهر بالمطالبة بحقه، ستؤدي بالنتيجة الى تنمّر السلطة، وتصعيد العمليات القسرية والقمعية ضد الشعب.

وعندما نبحث عن الجهات المسؤولة عن ادارة الكفاح ضد الفساد، فإن مسؤولية النخب القيادية الدينية والسياسية والمهنية وغيرها، هي المسؤولة عن ذلك بالدرجة الأولى، لكي تؤدي دورها الصحيح حيال تعنت السلطات وايغالها في سلب حقوق الناس مقابل الحفاظ على مصالحها، فإذا كان الفرد لا يعي حقه ولا يعرف كيف يسترده ويجهل الطرق التي تقوده الى ذلك، فمن واجب النخب القائدة أن تبيّن له تلك الطرق والسبل والوسائل التي تذهب به للحصول على حقوقه المدنية وغيرها.

المرجعية تدق جرس الانذار

وهذا ما يحدث الآن في العراق، فبعد أن فشل النظام السياسي في ادارة البلاد بطريقة سليمة تحفظ حقوق الجميع، وتمنع من انتشار الفساد في مفاصل الدولة والحكومة معا، فإن مسؤولية النخب في ادارة الكفاح ضد الفساد الحكومي تتجلى بوضوح، وهو ما حدث فعلا، عندما تصدت المرجعية للفشل الحكومي في العراق، وانتشار الفساد بصورة لافتة بل وخطيرة.

عند ذاك دقت المرجعية جرس الانذار للحكومة وأعلنت رفضها لظاهرة الفساد، ولحالات الظلم التي يتعرض لها الشعب على ايدي الطبقة السياسية الحاكمة، ولو افترضنا أن النخب لم تم بدورها، فماذا ستكون النتائج، لا شك أن التخلي عن دور التصدي للحكومة وفسادها، يمثل سكوتا على تجاوزات السلطة وبالتالي تصاعد حالات القمع وانتشار شبكات الفساد، وهو ما لا يتسق مع دور النخب الواعية في ادارة ملف مكافحة فشل السلطة وظاهرة الفساد معا.

إننا في الحقيقة لا نزال نعاني من التجاوزات التي تدعم ظاهرة الاستبداد وتضاعف من قمع الحريات ومصادرة الرأي وما شابه، وتزيد من المساحات التي يتحرك فيها اللصوص بحرية داخل البلد، لذلك لابد من فضح هذه الظواهر والوقوف بوجهها من قبل اهل العلم ونعني بهم نخب المجتمع، وهذا أيضا دور كل انسان له القدرة على القيام بالحفاظ على الحقوق المدنية التي تحفظ بدورها كرامة الانسان، وحرياته التي لا تضر بحريات الآخرين.

علما أننا جميع نعرف ما هي نتائج حالة السكوت على الظلم والقهر والتجاوز السلطوي، والى ماذا سيقود، إن انتشار حالات التردد والخوف وعدم التصدي لأخطاء الحكومة، سوف يؤدي الى المزيد من مصادرة الحقوق والحريات، وأن كتمان الحق ومراءاة السلطة ومجاراتها لن تقود الى حفظ الحقوق بل على العكس تزيد من اهدارها وضياعها، فضلا عن السماح بانتشار مافيات الفساد وضياع ثروات الشعب وحقوقه في صفقات التهريب وغسيل الاموال والاختلاس وما شابه.

لهذا لابد أن تأخذ النخب دورها في ادارة مكافحة الفساد، وتصحيح الفشل الحكومي أيا كان حجمه او نوعه، بالاضافة الى أن المتنورين وأهل العلم والعارفين ببواطن الامور وظواهرها، لهم دورهم في تنوير الناس وتوجيههم نحو مساندة الحق ومقارعة الباطل، لأن هذا الطريق مع التضحيات والخسائر التي يتسبب بها لكنه بالنتيجة، هو طريق الخلاص من الظلم، وتصحيح عمل الحكومة والقضاء على رؤوس الفساد والإتيان بقيادة تدير البلاد وفق معايير العدالة والمساواة.

لا بديل لدور النخب

وعندما ينصح العارفون بأهمية أن تتصدى النخب لمكافحة الفساد والفشل الحكومي، فإنهم يؤكدون أيضا أن هذه النخب وقادتها، هي الأولى بهذا الدور، بسبب قدراتها الكبيرة على اتقان المواجهة، لذلك ليس هناك من يستطيع أن يقوم بهذا الدور على الوجه الأفضل، سوى النخب التي تقود المجتمع، وفي حال ترددها، او تهرّبها من اداء دورها الحاسم في هذا المجال، فإن ظاهرة الفساد التي وصلت (الذروة) في العراق لن تتراجع، بل سوف تصبح أكثر خطرا وتدمير للدولة.

وهذا بدوره سوف يقود الى مزيد من الانتكاسات في مجال الادارة الحكومية للبلد، لأن المعادلة الصحيحة تقول، أن هناك علاقة عكسية بين الحكومة الناجحة وبين الفساد، ولكن وفق خطوات ينبغي أن توضع بدراية استنادا الى معطيات الواقع، ومن هذه الخطوات:

- أن تعتمد النخب على الحقائق وتبتعد عن الاعلام العاطفي المتسرّع.

- أن تعتمد سياسة النفس الطويل وتبتعد عن سياسة التسرع والحماسة غير المناسبة.

- أن لا تتراجع عن دورها في مواجهة الحكومة بأخطائها.

- أن لا تضعف التهديدات من ارادتها.

- أن تستثمر المظاهرات بصورة صحيحة لتحقيق اهداف الشعب.

- أن تحافظ على سلمية الاحتجاجات وتتنبه لمحاولات تخربها وحرف مسارها.

- أن تستمر بمضاعفة الضغط على الحكومة باتجاه تحقيق مطالب المحتجين.

- إن قادة النخب الدينية والمدنية هما الجهتان اللتان تحصدان نتائج النجاح، وتتحملان نتائج الفشل (لا سمح الله)، في ادارة الصراع مع رؤوس الفساد.

- إن تحسين العمل الحكومي لا يعني القضاء على الفساد فقط، وإنما يمتد ذلك الى تحقيق الحياة الكريمة للشعب، والحفاظ على وحدته ووحدة أرضه.

وخلاصة القول، عندما يؤكد المعنيون أن لا بديل لدور النخب في هذا الاختبار الصعب، فإن هذا الرأي لا يبتعد عن الحقيقة، وهكذا لا مجال أما قادة النخب كافة للتراجع عن دورها، في هذا الصراع الدائر، بين الشعب من جهة وبين الفساد وأصحابه من جهة ثانية.

اضف تعليق