q

يرى مفكرون ومعنيون بقضية الإصلاح، أن ثمة مقومات ينبغي أن تتوافر في العراق على وجه الخصوص، حتى يتسنى تحقيق الإصلاح المنشود في المجالات المختلفة، ومن بين هذه المقومات تحسين أداء السلطة القضائية، وتنظيفها من الفاسدين، الذين يسيل لعابهم أمام الإغراءات والرشا وما شابه، ويرى هؤلاء ان القضاء هو العمود الذي يرتكز عليه الاصلاح في عموم مفاصل الدولة، ومجالات الانتاج والنشاطات المختلفة.

وقد ظهرت عدة تفسيرات لمصطلح الإصلاح، فمنهم من يقول هو تحسين وضع أو تعديل ما هو خطأ، أو الفاسد، أو غير المرضي، وما إلى ذلك، وقد تم استخدام المصطلح بالسياق السياسي في أواخر 1700 من قبل حركة كريستوفر ويفل التي سعت للإصلاح البرلماني، و يتميز الإصلاح عن الثورة كون هذه الأخيرة تسعى للتغيير الشامل و الجذري، في حين أن الإصلاح يهدف لمعالجة بعض المشاكل و الأخطاء الجادة دون المساس بأساسيات النظام.

وهكذا فإن الإصلاح يسعى لتحسين النظام القائم دون الإطاحة به بالمجمل، و يعد الإصلاح ضرورة في البلدان النامية لتحسين مستوى المعيشة، و يتم غالباً بدعم من المؤسسات المالية الدولية و وكالات المعونة والمنظمات المعنية بمشاريع التنمية وما شابة، و يمكن أن يتضمن الإصلاح المجالات السياسات والاقتصادية، و الخدمات المدنية، و الإدارة المالية العامة، لكن ينبغي الشروع أولا في تنظيف السلطة القضائية كمقوّم أساسي لتحقيق الخطوات الإصلاحية التي يبذلها المعنيون لتحسين حياة المجتمع واداء مؤسسات الدول.

الحرب مستمرة على الإرهاب

ولا شك أن الظروف المعقدة التي رافقت التحولات السياسية والاقتصادية في العراق، سمحت لكثير من العناصر المسيئة والمتصيدة بالماء العكر، للتسلل الى أجهزة الدولة والحكومة كافة، علما أن الفساد والإرهاب توأمان ابتلى بهما الشعب العراقي، لاسيما أن المؤسسات الحكومية تعاني من اختراقات كثيرة، لاسيما في المرافق الادارية، حيث الفساد عاث فيها منذ عقود.

علما أن الحرب مستمرة على الإرهاب، ولكن تم التغاضي عن الفساد الذي نغص حياة العراقيين إلى أن بلغ السيل الزبى، حيث انقطاع الكهرباء في الحر الشديد في تموز وآب، فخرجت الجماهير إلى الشوارع وساحات المدن في انتفاضة احتجاجية عارمة، بدأت بالبصرة لتنتشر شرارتها كالنار في الهشيم إلى بغداد وبقية محافظات الوسط والجنوب، مطالبة بالإصلاح السياسي والإداري والتخلص من آفة المحاصصة في وظائف الدولة.

وفي بادرة ربما هي الاولى في قوّتها و وضوحها، بادرت المرجعية الدينية الى توضيح المخاطر على نحو لا يقبل المجاملة او التلميح، فقد باتت آفة الفساد تضرب بقوة في مؤسسات الدولة، وقد أعلنت المرجعية ان تصحيح القضاء هو الطريق الاول لاصلاح المرافق الاخرى للدولة، وهكذا استجابت المرجعية الدينية للجماهير، كما يقول احد الكتاب فأصدرت كلاما بالغ الوضوح، تم توجيهه بصورة مباشرة إلى رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي بأن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية، وأن يضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب، كما طالبته بعدم التردد في إزاحة المسؤول غير المناسب وان كان مدعوما، بغض النظر عن الجهة التي تدعمه!.

وهذا النداء التاريخي لمحاربة الفساد، لا يقل أهمية وتأثيراً عن فتوى الجهاد الكفائي السابق بعد الغزو الداعشي لمحافظة الموصل في العام الماضي، بدعوة الشعب العراقي إلى الجهاد ضد الإرهاب وحماية الأرض والعرض والمقدسات والممتلكات من القوى الظلامية المتمثلة بداعش، والحكومات والقوى السياسية والطائفة الداعمة لها، فكان من نتائج تلك الفتوى ولادة (الحشد الشعبي) الذي أنقذ بغداد من السقوط، وأذاق الارهابيين الدواعش الهزيمة في تكريت، وبيجي، وسنجار، وآمرلي وغيرها.

الاعتماد على رجال القضاء الشرفاء

ولكن يبقى التركيز على المقومات الأساسية للإصلاح، على أن تبدأ بالسلطة القضائية، كما أعلنت ذلك المرجعية ظهيرة اليوم (الجمعة 14/آب، أغسطس)، لأن الفساد القضائي يفتح الأبواب على مصراعها لجميع انواع الفساد الاخرى، وهو ما حدث بالفعل في الدولة العراقية، لذلك ينبغي أن تتصدى الحكومة العراقية، ورئيس الوزراء العبادي للفساد الواضح في السلك القضائي، على أن تتواصل عملية الاصلاح في مرافق الحكومة ومؤسسات الدولة كافة.

على أن تكون الخطوات العملية، في مجال تنظيف القضاء على المنتسبين الذين يتحلون بالنظافة في القضاء، فلا شك أن هناك رجال قضاء شرفاء، لا يقربون الفساد ولا يقترب منهم، هؤلاء هم الطريق الاول لصلاح القضاء، ويمكن الاعتماد عليهم بصورة فاعلة في هذا المجال، على أن يتم تشخيص العناصر الفاسدة (من قضاة، او رجال تحقيق، او موظفين في دور القضاء كافة)، فالعنصر الذي يقبل الرشا، وضميره يسمح له بتغيير الحق الى باطل مقابل حفنة أموال، لا ينبغي له البقاء في هذا الموقع القضائي الشريف.

وبهذه الطريقة نكون قد وضعنا اللبنة الأولى للإصلاح في مكانها الصحيح والمناسب، لتأتي بعدها الخطوات الصحيحة اللاحقة التي تقود الى إصلاح شامل في جميع مرافق ودوائر الحكومة، ومؤسسات الدولة المختلفة، لأن إصلاح القضاء يعني بالمحصلة تصحيحا شاملا للدولة، في حين أن بقاء الفساد ينخر في جيد (القضاء) سوف يسمح لانتقال هذا الداء الى المجالات الأخرى الإدارية والأمنية وحتى الاجتماعية.

وهكذا نخلص بالنتيجة، الى أولوية تنظيف القضاء بكل فروعه، على أن يتبع ذلك خطوات عملية، للشروع بمعالجة الفساد من خلال القضاء نفسه بعد تصحيحه وتنظيفه، فالقضاء السليم القوي العادل، لن يسمح لانتشار الفساد في مرافق الحكومة والدوائر الرسمية الخدمية او الإنتاجية او سواها، وانما سيأخذ على عاتقه بمحاربة الفساد بقوة، وطالما أن القضاء يتحلى بالنظافة والقوة والعدالة، فإن العراق سوف يكون محصّنا ضد الفساد، لهذا عليكم أولا بإصلاح القضاء.

اضف تعليق