q
كل السلطات بأنواعها كافة تعشق المدح، وكل الحكام حتى الدمقراطيين منهم يحبون من (يمدحهم)، فهذه طبيعة بشرية لا تستثني أحدا، وربما تشمل المخلوقات كلها، لذلك يتطيّر الحكام والمسؤولون والأنظمة السياسية وحتى الأفراد من أصحاب السلطات المختلفة، يتطيَّر هؤلاء جميعا من القدْح، ويكرهون من لا يحبهم أو يقف في رأيه بالضد منهم...

لا تُحصَر السلطة بالسياسة أو بإدارة الدول وحدها، فهناك سلطة الأب، وسلطة المعلّم، وسلطة رئيس العمل بأنواعه المختلفة، وكل إنسان يمتلك صلاحيات بحدود معينة، فهو يمتلك سلطة بقدر صلاحياته، وكل من يقع تحت هذه السلطة وحدود صلاحياتها، سوف يكون له سلوك معين مع صاحب السلطة (الحاكم، الأب، المعلم، مدير العمل.... إلخ).

سلوك من يقع تحت السلطة، لا يشبه سلوك من يتمتع أو يتحكم بها أو يحرّكها، فالأول عليه الخضوع والتنفيذ سواءً بالطاعة أو الإكراه، والثاني يكون مصدر إصدار قرارات سلطته (بأي نوع أو حجم كانت)، وفي كل الأحوال يكون هو مصدر قرارات وأوامر، لذلك فإنه سوف يكون دائما في حالة من الشعور بـ (التفوّق)، والإشباع النفسي، والاكتفاء المعنوي الوهمي، والتلذّذ المستمر بما يعود عليه من صلاحياته أو سلطته.

يقابل قرارات السلطة دائما، نوعان من السلوك الفعلي أو اللفظي، يقوم بهما من يكون تحت طائلة السلطة أو الخاضع لها، هذان السلوكان متناقضان وهما: المدح والقدْح.

ويقف بينهما الموقف الحيادي أو الوسطي أو اللامبالي واللامتفاعل.

أما المدحُ فهو يحدث عبر كيْل المديح المجاني للسلطة أو الحاكم من دون أن يستحق ذلك، وفي هذه الحالة يتحول المدح من حالة عقلانية استحقاقية متوازنة، إلى حالة تملّق وتزلّف فاقدة للصدق وللمبدئية أيضا، وهذا يعني أن المادح للسلطة أو الحاكم أما أن يكون مؤيدا للسلطة فيمتدحها لأنه مستفيد منها، ومصالحه مرتبطة بها بشكل أو بآخر.

أو أنه يؤيدها بسبب الخوف من بطشها، وملاحقتها له لكنه في حقيقة الأمر لا يقبل بسلطتها وأوامرها، كما يحدث مع الحكام الطغاة، والدول التي تديرها أنظمة دكتاتورية، وهي كثيرة ومعروفة في الماضي والحاضر.

المعارضون لا يخسرون شيئا

القدْح هو الفعل واللفظ المضاد للمديح أو أنه نقيضه تماما، فمن يقدَح السلطة ويقدح الحاكم أو صاحب السلطة بمختلف أشكالها، فإنه يعلن موقفه المضاد منها لأسباب كثيرة، وفي هذه الحالة يسمى بالصوت أو الرأي أو الطرف المعارِض، وهؤلاء يتعاكسون تماما مع المؤيدين، لهذا السبب لا توجد لديهم مصالح مع السلطة، فلا يخسرون شيئا في معارضتها لأنهم أصلا بلا مصالح مع السلطة وليس لهم معها أي ارتباط، وهم يسعون لإنهاء هذه السلطة.

النوع الثالث من المتعاملين مع السلطة هم أصحاب المواقف الحيادية، فلا يقولون نعم لها، ولا يقولون لها لا، فيبقون يتأرجحون في الوسط، لا هم إلى الأرض ولا هم إلى السماء كريشة تتقاذفها الريح، لكن قد يكون هؤلاء أفضل حالا من المعارضين، فلا يتعرضون للبطش ولا يضطرون للهرب إلى المنافي ولا يتم زجّهم في السجون، لكنهم يبقون محسوبين على المواقف الضعيفة الهشة التي تفتقر للمبادئ وللإيمان بقضية واضحة.

أكثر الناس الذي تفضلهم السلطة بين الأنواع الثلاثة من أصحاب المواقف تجاه السلطة، هو المؤيدين لها، والسبب واضح ومعروف، فالسلطة لا صديق لها سوى من يقف معها على عواهنها، أو يساندها مع كل أخطائها الكبيرة والصغيرة، وهذا هو منطق الطغاة والحكومات القمعية التي تعمل مع الجميع وفق مبدأ أما أن تكون معي أو أنت عدوّي.

لذا نلاحظ أن المؤيدين يقدّمون المدح للسلطة على طبق من ذهب ومن ولاء مصيري، فهم يعلنون تأييدهم للحكومات الظالمة دونما تردد أو خشية من انتقاد أو استهداف، فهو قد حسم أمره تماما، لذلك يكون مادحا للسلطة حتى لو لم تكن غير مستحقة للمدح بسبب ظلمها وقمعها ولا عدالتها وفشلها.

الحيادي في سلّة المهملات

كل هذه النقاط التي تشكل أسبابا واضحة لفشل الحكومات لا تعني شيئا للمؤيدين لها، لذلك يكيلون لها المدح حتى لو كانوا يعرفون بأنها لا تستحق ذلك، ولكن لا خيار لمن أحرق مراكبه كلّها وركب في مركب السلطة.

وأكثر الناس الذين تمقتهم السلطة هم أصحاب المواقف القادحة، أولئك الذين يرفضون السلطة علنا ودونما تردد، وهؤلاء في الغالب يحسبون حساب الخسائر التي يتعرضون لها قبل وقوعها، بمعنى يكون المعارض مستعدا للسجن والملاحقة والتصفية، ويخاطر بمستقبله وبعائلته بسبب موقفه الرافض والمعارض للسلطة، وهؤلاء هم أصحاب القدْح الذي لا يتوقف للسلطة، وهناك تجارب تؤكد أن هؤلاء كانوا وراء إسقاط عروش دكتاتورية راسخة.

أخيرا الطرف الثالث وهو المتأرجح بين بين، لا هو مؤيِّد للسلطة، ولا هو معارض لها، وهو أأمن الأطراف الثلاثة، لكن مع ذلك السلطة القمعية تضع هؤلاء أيضا تحت المراقبة، وأحيانا بسبب وشاية مقصودة أو إخبارية غير صحيحة أو شبهة ليست صحيحة، يتعرض هؤلاء إلى ما يتعرض له المعارض الحقيقي، وقد حدث هذا كثيرا في ظل حكومات دكتاتورية لا تحترم حقوق الناس، فهي تحتقر حتى من يؤيدها، فكيف بمن يظل حياديا إزاءها؟

أخيرا كل السلطات بأنواعها كافة تعشق المدح، وكل الحكام حتى الدمقراطيين منهم يحبون من (يمدحهم)، فهذه طبيعة بشرية لا تستثني أحدا، وربما تشمل المخلوقات كلها، لذلك يتطيّر الحكام والمسؤولون والأنظمة السياسية وحتى الأفراد من أصحاب السلطات المختلفة، يتطيَّر هؤلاء جميعا من القدْح، ويكرهون من لا يحبهم أو يقف في رأيه بالضد منهم، وهكذا يقول المختصون:

إن السلطة والحاكم أو المسؤول وصاحب السلطات بشكل عام، يعشقون المدح ويكرهون القدْح، ويرمون (الحيادي) في سلّة المهملات.

اضف تعليق