q
آراء وافكار - مقالات النبأ

الوقت غير الضائع

الوقت الضائع أو المهدور، هو ما يفقده الإنسان من ثوانٍ ودقائق وساعات وأيام وشهور وسنوات من عمره دون مقابل، أما الوقت غير الضائع فهو العكس تماما، حين يحرص الناس على عدم هدر لحظة أو ثانية أو دقيقة من أعمارهم، ويتصرفون مع الوقت كأي شيء ثمين، كالأموال مثلا...

من المواضيع الشائعة التي يتحدث عنها الناس باستمرار، هو الوقت الضائع، قد يدور الحديث بين أفراد العائلة، أو بين صديقين، أو في مقهى، أو سيارة أجرة، وهناك من يناقش الوقت الضائع في برامج تلفازية أو إذاعية وفي محاضرات مختلفة للتوعية والتطوير الفكري والسلوكي، كذلك هناك علوم متخصصة تتناول الوقت الضائع بالتشريح والتفصيل، ولكن الحديث أو النقاش عن الوقت غير الضائع قد يكون أقل بكثير عن نقيضه!

الوقت الضائع أو المهدور، هو ما يفقده الإنسان من ثوانٍ ودقائق وساعات وأيام وشهور وسنوات من عمره دون مقابل، أما الوقت غير الضائع فهو العكس تماما، حين يحرص الناس على عدم هدر لحظة أو ثانية أو دقيقة من أعمارهم، ويتصرفون مع الوقت كأي شيء ثمين، كالأموال مثلا، فهل هناك عاقل يمكن أن يجعل من أمواله عرضة للهدر؟

الزمن وساعات العمر هي ثروة مهمة بل هي الثروة الأهم من ثروات الإنسان، فكيف له أن يضحي بها، أو يكون مستعدا لهدرها، والتصرّف معها دونما وعي ولا تخطيط ولا حساب؟، وهناك من يؤكد أن الإنسان الذي يثبت عليه تعامله غير الحكيم مع الوقت، فهو مستعد للتفريط بكل ثرواته الأخرى.

فما هي ثروات الإنسان الأخرى؟، هل ثروة المال والذهب والمجوهرات، هي الثروة الوحيدة التي يجب أن يحافظ عليها الإنسان؟؟

ثروات أخرى غير مالية!

هناك ثروة الصحة، وثروة الذكاء، وثروة الأفكار أو التفكير، وثروة القراءة، وثروة الصدق، وثروة الأخلاق ... إلخ، هذه كلها ثروات كبيرة متاحة تقريبا لكل إنسان، وعليه أن يحافظ عليها، كما يحافظ على ثروته المالية، ولكن ثروة الوقت أو الزمن أو العمر، هي أم الثروات كلها، لماذا؟، لأن الإنسان الذي يكون مستعدا لهدر ثروة الوقت والعمر، سوف يفقد جميع ثرواته الأخرى التي سبق أن ذكرناها.

من هذه الثروات مثلا ثروة العلم، فإذا ضيَّع الإنسان ثروة الوقت، بمعنى ساهم بشكل أو بآخر بهدر وقته، فهذا يعني أنه على استعداد لتضييع ثروته العلمية، وهذا أمر طبيعي، فمن يكون قابلا على ضياع وقته وتبذيره دونما حساب، فإن ضياع علمه منه سوف يكون نتيجة مؤكّدة ومفروغاً منها، لأن الذي يتساهل مع ضياع الوقت بالتوافه، سوف لا يهتم ولا يعتني بثروته ومعلوماته العلمية المختلفة، ومن لا يواكب تطوّر العلوم ساعة بساعة، وما يستجد فيها، فإنه مع مرور الأيام سوف يفقد معلوماته (ثروته العلمية).

العلوم كغيرها تنمو وتكبر بالتراكم، فإذا أهدرت وقتك في الصغائر، هذا يعني أهملت علومك، والنتيجة هدر الثروة العلمية، هذا المنطق أو الاستنتاج ينطبق على جميع الثروات التي يمتلكها الإنسان، فمثلما ضاعت ثروته العلمية لأنه أهدر وقته جزافا، سوف تضيع ثروته الأخلاقية مثلا، لأن من يلهو ولا يتعامل بحرص مع الوقت تقلّ أخلاقه وتضمحل، كيف يحدث هذا، لنتصوّر أنك وعدتَ شخصا بإنجاز عمل ما يخصه عل أن يكتمل في ثلاثة أيام، فإن كنت لا تحرص على وقتك، فإنك لا تلتزم بوعدك، وقد تصبح الثلاثة أيام ثلاثون يوما!!

سلسلة تحليلات للوقت الضائع

ينطبق هذا على ثروة الصدق التي تمتلكها، فإن أضعت وقتك هنا وهناك من دون حساب لأهمية الزمن والعمر، فإنك لا تفكر بجدّية بقيمة الصدق في حياتك، وهكذا الأمر مع ثروة الالتزام، وثروة التفكير وسواهما، ومن المؤكد بأن من لا يعبأ ولا يهتمّ بوقته لا يمكن أن يكون تطوير الأفكار ضمن اهتماماته، باختصار كل انسان يُصاب بعدم الحرص والاهتمام بالوقت، فإنه يكون عرضة لفقدان جميع ثرواته المادية والمعنوية.

هذه السلسلة من التحليلات لقضية الوقت الضائع ونقيضه، تم تجريبها واقعيا أو فعلا، على الأقل تم ذلك في حدود تجاربي الشخصية، فانتهيت إلى أنني فقدتُ الكثير من ثرواتي إبان هدري للوقت في مفاصل معينة من حياتي وعمري، ففي الشباب مثلا كنتُ أهدر أياما وشهور وربما سنوات في أمور ليست مهمة، وفي وقتها لم أكن أعي ذلك جيدا ولم أستشعر خطر هذا التضييع الغريب للوقت!!

السبب كما أظن أن من يكون داخل الساحة لا يرى ما يدور فيها، أو أنه لا يضع رؤية أشياء الساحة المكانية والزمنية المتواجد فيها ضمن اهتمامه، لكنني الآن وأنا أقف خارج تلك المساحة الزمنية التي مرّت عليها عقود من الزمن، أستطيع أن أستعيد ما حدث فيها من هدر للوقت، وما ضاع منّي من ثروات نتيجة الاستهتار بأهمية وقيمة الوقت.

على سبيل المثال كنت في العشرين من عمري بدأت مشروعا أدبيا فكريا طَموحا، وحققتُ فيه خطوات نجاح متلاحقة، وسرعات ما حفرتُ اسمي وأعمالي في عالم الأدب، وبعد مرور سبع سنوات، توقفتُ عن مشروعي، ونسيتهُ تماما، وتركته صوب تدمير الزمن الذاتي والانغماس في أمور ليس لها علاقة بالفكر والأدب مطلقا، خمس سنوات قمتُ بإهدارها دون أن يرفّ لي جفن، فما هي النتيجة المتوقَّعة من هذا التوقف عن مواصلة دعم الأفكار والمشروع الأدبي؟؟

النتيجة ظهرت لي حين عدتُ إلى مشروعي بعد السنوات الخمس التي توقفتُ فيها وأهدرتُ وقتي وزمني ومشروعي، لقد وجدتُ جميع الذين كانوا ورائي يتقدمونني بمسافة كبيرة، أحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والمثابر لكي أقترب منهم، وليس أتقدَّم عليهم!!

الوقت غير الضائع هو الذي يجعل منّا أشخاصا ناجحين، والوقت الضائع هو الذي يضع بيننا وبين النجاح ألف حاجز وحاجز، لذا أتمنى أن يحرص الجميع على ثرواته كافة وليس المالية فقط، من خلال حرصه على عدم هدر وقته هنا وهناك.

اضف تعليق