من القصص التي التقطتها كاميرا السبت لهذا اليوم، وهي تتعلق بالكهرباء، وبالكيفية التي تتعامل بها الحكومات الناجحة مع مواطنيها، قصة عائلة يمنية هاجرت إلى ألمانيا، بالطبع فرت من خطر الحرب ونقص الخدمات، وفقدان التطبب والضمان الصحي، فما هي قصة هذه العائلة؟...
ما يجري في العراق يكاد يكون من غرائب ما يجري في عالم اليوم، ففي الوقت الذي تنعم فيه شعوب دول فقيرة بالخدمات الأساسية (ماء، كهرباء، ضمان صحي.... إلخ)، فإن البلد الذي يمتلك احتياطيا نفطيا متقدما إقليميا وعالميا، وتعلن حكوماته عن ميزانيات سنوية انفجارية تفوق مئة مليار، يفتقد شعبها لهذا النوع من الخدمات.
مثال ذلك الكهرباء التي كتبنا كثيرا عن سر فقدانها في العراق، وقيل أنها معركة سياسية، تدخل في إطار الصراعات والتناحر بين الكتل والأحزاب السياسية، لكن هذا لن يبرر ما يحدث للناس من أذى لاسيما حين تبلغ درجة الحرارة نصف الغليان، أو تشتد موجات البرد القارس في غياب الطاقة الكهربائية.
كل التبريرات التي يسوقها المسؤولون والسياسيون غير مقنعة، وليست مقبولة، لأنها لا تشفي غليل المواطن الذي يقاسي حر الصيف القاتل، أو برد الشتاء المميت، والمشكلة لا تنتهي عند فقدان الكهرباء فقط، بل من المشاكل العنقودية التي تتفرع عنها، تلك الطبقية أو التفاوت الطبقي الذي تعكسه للناس.
فطبقة المسؤولين وذوي المناصب العالية تتمتع بكهرباء دائمة غير قابلة للقطع عبر ما يسمى (بخط الطوارئ)، وإذا حدث وتنازل المسؤول من عليائه وامتنع عن التجاوز على الكهرباء، فإنه يسارع إلى شراء أفخر وأكبر المولدات التي تضاهي أو تفوق (أمبيرية الكهرباء الوطنية)، وبعضهم أو معظمهم يحصل على وقود التشغيل مجانا، فهذه الطبقة لا تشعر بمحنة المواطن العادي مع الكهرباء.
هذا يؤكد تخلي الدولة في تقديم الخدمات وعجزها عن توفير الشعور بالمواطنة لمواطنيها، كما وتؤكد أيضا التباين الصارخ بين الطبقات، وتزرع شعورا مريرا لدى المواطنين تجاه دولتهم ووطنهم وحكوماتهم، وتدفع بالكثير إلى التفكير بعيدا عن سمة (الولاء الوطني)، وتذكرهم بالقول الكبير للإمام علي (المال في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة)، وهذا ما يجري في بلدنا اليوم.
من القصص التي التقطتها كاميرا السبت لهذا اليوم، وهي تتعلق بالكهرباء، وبالكيفية التي تتعامل بها الحكومات الناجحة مع مواطنيها، قصة عائلة يمنية هاجرت إلى ألمانيا، بالطبع فرت من خطر الحرب ونقص الخدمات، وفقدان التطبب والضمان الصحي، فما هي قصة هذه العائلة؟؟
أسرة يمنية لاجئة في ألمانيا، رب هذه الأسرة يحكي قصتهم فيقول:
حين وصلت إلى ألمانيا عام 2015 قامت الحكومة الألمانية بدفع إيجار البيت والكهرباء والماء لمدة سنة!؟، بعدها يجب أن أتكفل أنا بالفواتير!؟ باعتباري رب الأسرة، في أحد الأشهر تأخرتُ عن دفع فاتورة الكهرباء البالغة حوالي 200 يورو، فقامت شركة الكهرباء بقطع الطاقة عن البيت.
أنا وعائلتي أخذنا الأمور ببساطة لأننا متعودين في اليمن على أن الكهرباء فاكهة وليست ضرورة!؟..
ذهبتُ إلى السوق واشتريتُ شموعا للبيت.. وجلسنا أنا وأطفالي وزوجتي معا، أحكي لهم قصص مأساتنا في بلدنا الأم.. لاحظَ الجيران أن البيت الذي نسكن فيه مظلم رغم سماعهم لأصوات الساكنين فيه.. بعد ساعات تجمع جيراني الألمان وسألوني لماذا لا توجد عندكم كهرباء؟
فقلت لهم: الأسبوع القادم سوف أستلم الراتب من العمل وادفع الفاتورة.
قالوا: وهل تبقى هذا الأسبوع كله مع أطفالك من دون كهرباء؟
أجبت: نعم، وأين المشكلة في ذلك.. أهلي في بلدي الأم يعيشون الآن بلا كهرباء (مسألة طبيعية جداً)، اعتدنا عليها مضطرين.
بعد كلامي هذا ذهب جيراني واشتروا مولدا صغيرا لنا.. ثم اتصلوا بقنوات فضائية جاءت لمقابلتي، وأصبحت قضية قطع الكهرباء عني بيتي قضية رأي عام هي (عائلة بدون كهرباء)!!!؟؟؟
بعدها على الفور اعتذرت شركة الكهرباء، وأعطتنا سنة كاملة كهرباء مجاناً مع هدية1000 يورو لأنني أخبرتهم أن اللحم والدجاج المخزون في الثلاجة قد فسد، ورميته كله في مكبّ الزبالة بسبب عدم وجود الكهرباء.. ثم أعطوني بطاقة للتسوق قيمتها 1500يورو.
لقد فعلت شركة الكهرباء كل هذا، وكأنما يقولون لي ( بس اكفينا شرك لأننا انفضحنا أمام الشعب الألماني وسمعة الشركة أصبحت سيئة نتيجة لقطعنا الكهرباء عنك!!).
إلى هنا تنتهي هذه القصة التي تبيّن بوضوح الفارق الهائل والبون الشاسع، بين دول تحترم مواطنيها، وحكومات تحرص على شعوبها، وبين دولنا التي لا تشعر بأدنى المسؤوليات تجاه الإنسان، وقد يبقى لغز الكهرباء دونما معالجة أو حل، إلى أن تصبح دولنا دولا بالفعل، وحكوماتنا شرعية بالفعل.
اضف تعليق