قد تختلف الإجابات من قارئ إلى آخر، بحسب تجربته القرائية، فإذا كان الوسط القرائي من غير (الكتّاب والأدباء)، أي أنهم شغوفون بالقراءة وحدها، دون أن يخوضوا في بحور الكتابة، فالتفسير للقراءة سوف يختلف عمّن قرأ ليكتب، فأن تصبحَ كاتبا يُشار له بصفة الكتابة والقدرة على إنجازها...
لو تم توجيه السؤال التالي لك، ما هي القراءة، كيف تصفها، وما هو تفسيرك لها، بماذا تجيب؟؟، أو كيف سيأتي جوابك عن هذا السؤال؟
قد تختلف الإجابات من قارئ إلى آخر، بحسب تجربته القرائية، فإذا كان الوسط القرائي من غير (الكتّاب والأدباء)، أي أنهم شغوفون بالقراءة وحدها، دون أن يخوضوا في بحور الكتابة، فالتفسير للقراءة سوف يختلف عمّن قرأ ليكتب، فأن تصبحَ كاتبا يُشار له بصفة الكتابة والقدرة على إنجازها، هذا يتطلّب قراءات لا حصر لها في الكم والنوع.
ولكن ماذا عن القارئ الذي لا يروم أن يصبح كاتبا، وإنما يقرأ لكي ينهض بوعيه وثقافته وأفكاره؟، هل يتوافق تفسيره للقراءة مع تفسير من أصبحوا كتّابا؟؟
في عنوان هذا المقال سؤال يحمل شحنة استفزازية عالية للقارئ، فقد يحتج قراء على صيغة السؤال، بالقول: وهل هناك قراءة بلا هدف؟؟
الجواب: نعم توجد قراءة بلا هدف، هذه إجابتي من وجهة نظري، وقد استخلصتها من تجربتي الشخصية، ولا زلت أتذكّر كيف كنتُ أدفنُ وجهي بين دفتي الكتاب، وأُسقِطُ بصري على الكلمات، لكن دون أن أفهم معناها، لأنني في الحقيقة لم (أهدف إلى فهمها)، بمعنى أن الهدف من قراءتي لم يكن لفهم ما أقرأه، وإنما هنالك أسباب أخرى منها مثلا:
- إثارة انتباه الآخرين.
- التحجج بقتل الوقت.
- ارتداء ثوب القارئ مظهرياً.
تداعيات القراءة السطحية
في السبب الأول، هناك من يقرأ كي يجلب انتباه الناس له، كي يُقال عنه بأنه إنسان مثقف قارئ مطّلع، وينتج هذا عن شعور بالنقص القرائي والثقافي معا، لذلك يحاول بعضهم أن يحمل معه كتابا في السفر أو المقهى أو أي مكان آخر، كي يوحي للآخرين بأنه ينتمي لعالم المثقفين، وهو بذلك إنسان متميز على غيره.
السبب الثاني، يلجأ بعض الناس إلى القراءة لوفرة الوقت لديهم، بمعنى لو أنهم مشغولون بأعمال أخرى، لما اقتربوا من الكتاب إلا نادراً، وهؤلاء لا يتعاملون مع القراءة على أنها منهل ينهلون منه الأدب والفكر ومختلف العلوم المجمِّلة للحياة والمبسِّطة لها.
في السبب الثالث، بعضهم يرتدي ثوب القراءة بشكل (سطحي مظهري)، ولا يعنيه الغوص في الأعماق، وبذلك تنتمي قراءته إلى اللاشيء، إذ لا فائدة مما يفعله بحمله للكتاب، وهذا النوع من القراء يدخل في مدارات النقاش المظهري أو الاستعراضي مع الآخرين، وصولا إلى ما يسمى بـ (النقاش البيزنطي) المغلق، أو ما يسمى بالنقاش بلا نتائج.
هذا ما يتعلق بالقراءة التي تتم عبر الكتاب الورقي، فماذا بشأن الأنواع الحديثة أو الجديدة من القراءة، ونقصد بها، القراءة الإلكترونية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية الثقافية والعلمية والفنية وسواها؟؟
من المؤسف حقا أن أي مسح ميداني للقراءة في مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر لنا هدرا هائلا في الوقت يخسره الناس في قراءة ما لا يستحق القراءة، لاسيما الشباب بوصفهم الشريحة الأكبر في متابعة هذه المواقع، بالإضافة إلى حاجتهم الكبيرة للقراءة بمضامينها الأدبية والعلمية وسواها.
يُضاف إلى هدر الوقت الذي يخسره الشباب وغيرهم، في قراءة ما يُكتَب في الجانب الإلكتروني، مخاطر الأفكار والمضامين المنشورة، فهناك موجات التضليل والغزو الثقافي وتشويه القيم والتسميم الفكري والخبري، كل هذه الأنواع من القراءة يمكن أن تدمّر حياة القارئ، لاسيما أولئك الذين لا يحتمون مسبقا بالقيم الإنسانية المجتمعية الأصيلة، أو أولئك الذين يعجزون عن فهم المضمون، فيُبهرهم الفكر الغريب المتلفع (بالحداثة وما بعدها!).
عيوب القراءة الإلكترونية وفوائدها
أخطر ما في القراءة الإلكترونية على (القراء بلا هدف)، أنها باتت متاحة لهم بطريقة سهلة، في السابق كان الحصول على الكتاب قد يواجه معوقات كثيرة، منها قوانين المنع السلطوي، وارتفاع أسعارها، وعدم توافرها في المكتبات لأي سبب كان.
لكن القراءة في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الصحف الإلكترونية، والمواقع الثقافية والفنية والعلمية، بات مباحا للجميع من دون معوقات كبيرة، مما يزيد خطورة المضامين المقروءة.
والأسوأ من القراءة بلا هدف، حين تتحول إلى هدف للتلاعب بالعقول، وزج الأفكار التخريبية إليها، وهو ما يفوق القراءة بلا هدف سوءاً، لاسيما أن الظروف باتت مناسبة لتلقي الأفكار المسمِّمة لعقول لا تزال كالأرض العطشى للماء، إذ هناك فقر كتبي وقرائي وفكري، يعاني منه أفراد وجماعات المجتمعات المتأخرة، لذلك وجدوا في الفضاء الإلكتروني ضالتهم.
لقد باتت مسؤولية تجنب القراءة بلا هدف قضية فردية بالدرجة الأولى، خصوصا في ظل القراءة الإلكترونية بأنواعها، كذلك يجب تحصين العقل بمبادرات فردية، تحول دون الانزلاق في لجة الأفكار الرديئة المضلّلة، أو التخريبية التي تعجّ بها مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية الكتابية المختلفة، فإذا كانت القراءة بلا هدف تلحق الأضرار بنا، فإن القراءة غير الواعية، قد تدمّر عقولنا وقيمنا وركائز ثقافتنا.
كل ما تقدّم في أعلاه، ربما نجد أن (القراءة بلا هدف)، تسود على سواها، وهي غالبا ما تتّسم بالسطحية، أو الشكلية، وقد تشغل وتُغرق من يغوص فيها، بتفاهات لا حصر لها، لكن الأخطر والأصعب، حينما تصبح القراءة إلكترونية (عشوائية)، بلا توجيه ذاتي، ولا قيادة ذاتية واعية تعرف ماهيّة الكلمات والأفكار المقروءة.
حينئذ علينا أن ندق ناقوس الخطر، ولابد من قيام الجهات المعنية، - إعلامية، ثقافية، دينية، فكرية، مدنية، حكومية- بدورها المدروس والجاد على مستوى التنفيذ، لكي نتفادى مخاطر (القراءة بلا هدف) و (القراءة الإلكترونية المبتذلة).
اضف تعليق