شبكة النبأ: مع أن الانسان اجتماعي بالفطرة ويرغب في التقارب من جنسه، كما يؤكد ذلك العلماء المختصون بعلم الاجتماع وعلم الانسان، إلا أن ثمة معوقات كثيرة قد تحول دون هذا التقارب، وقد تزرع في بعض الاحيان مشكلات بين الانسان وبني جنسه، وعقبات ليس من السهولة تجاوزها، طريق واحد يمكن من خلاله المرور فوق العقبات والمشكلات التي تحول دون تواصل الناس (أفرادا ومجتمعات)، فيما بينهم، هذا الطريق يمكن ان نصفه او نصطلح عليه بـ (قيمة التواصل مع الآخر)، فضلا عن القابلية التي يمتلكها الانسان على تطوير هذه القيمة، حتى يتحقق التواصل بشكل جدي بين الطرفين، ويكونا قادرين على حل الكثير من الاستعصاءات التي يواجهها المجتمعات والافراد في حياتهم المكللة بكثير من التعقيدات.
ومن حسنات قيمة التواصل مع الاخر، أنها تبني جسورا مباشرة مع جميع الاطرف، بغض النظر عن التشابه او التناقض بالافكار والآراء وحتى الثقافات، ولكن ينبغي أن تسبق هذه القيمة برمجة عملية حقيقية لتطوير قابلية الانسان على التمسك بهذه القيمة، وجعلها جسرا انسانيا للعبور من خلاله الى الآخر، والتواصل معه بشتى الطرق والاساليب المتاحة، فهذه القيمة المتقدمة تشكل في حقيقة الامر طريقا وجسرا الى التعايش بين الجميع، حتى المتضادين والمختلفين في كل شيء يتعلق بالافكار.
وقد اثبتت هذه القيمة المتقدمة، قدرتها الكبيرة على التقريب بين الافكار المتضادة، ومن ثم احتواء الصراعات والنزاعات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، واستطاعت قيمة التواصل مع الاخر بعد تنمية القابلة على تكريسها وزرعها بالنفوس، استطاعت ان تحاصر الكثير من الخلافات الجوهرية بين الانسان والاخر المختلف، (فردا كان او جماعة)، ونجحت هذه القيمة المتقدمة وفق التجارب والاثباتات التاريخية والراهنة، في تذويب الكثير من الخلافات على مستوى المجتمع الواحد، وصراعات مكوناته مع بعضها، أو على مستوى النزاعات بين الدول والمجتمعات الكبيرة التي تضم في طياتها شرائح وفئات ومكونات تختلف مع بعضها في الافكار والآراء والثقافات وحتى العقائد.
من هنا ليس هناك مفر، من تطوير قدراتنا، على مستوى الافراد والجماعات، من اجل تفعيل القابلية على التواصل مع الاخر بصورة دائمة، حتى تكون هذه القيمة المتقدمة جسرا لنا، للعبور من خلاله الى الطرف الاخر والتوافق معه في العلاقات الانسانية حتى لو اختلفت الرؤى والافكار للطرفين، ولا بد من بذل المزيد من محاولات التناغم والانسجام الانسان، حتى لو اعترضت تحقيق ذلك صعوبات، فلا يصح استمرار القطيعة، ولا استفحال حالة التناقض والخلاف التي قد تصل الى حدود الصراع او النزاع، في حالة التباعد وعدم القدرة على مد خطوط التواصل والتفاهم، وهو امر تمكننا منه هذه القيمة التي تُحسَب على قيم التقدم، ويمكن أن يتم لنا ذلك، في حالة اصرارنا على تطوير قابليتنا على التواصل مع الآخر، بغض النظر عن التناقضات الفكرية او الثقافات وأشكال العيش او سواها.
فالنزاع وانواع الصراع تعد من طبيعة النفس البشرية القائمة على التنافس تحقيقا للذات، وضمانا للمصالح، وتأمينا للحاضر الجيد والمستقبل الافضل، ولكن يمكن ان تتحقق جميع هذه الاهداف، ليس بالقضاء على الصراع أو النزاع، لأن هذا الاسلوب من العلاقات، قائم في تركيبتنا النفسية وفي ذواتنا، وانما يمكننا تحقيق هذا الهدف، من خلال احتواء النزاع، ولعل قيمة القابلية على التواصل مع الاخر، تشكل أفضل بل أنجع السبل العلاقاتية، وصولا الى تحقيق هذا الهدف الجوهري للمجتمع البشري عموما.
من حق الانسان الفرد والجماعة والمجتمع، ان يحصل على مكاسب مادية ومعنوية تضمن له حياة افضل، ولكن ليس من حقه ان يحقق ذلك بالقوة الغاشمة، أو من خلال اختلاق النزاعات والصراعات مع الكيان الاضعف، او حتى مع الكيان الند له، لأن الطريق السليم لتحقيق الاهداف والمصالح لجمسع الاطراف، ينبغي ان يمر عبر طريق التواصل والحوار والتفاهم، واحتواء الصراعات والنزاعات بمختلف احجامها وانواعها واسبابها.
وهذا ليس مستحيلا بطبيعة الحال، بل يمكن تحقيقه فيما لو تمسك الانسان الفرد، والمجتمع البشري عموما، بقيمة التواصل مع الاخر، وتنمية القابلية عليها بصورة دائمة، من اجل جعلها سبيلا افضل، واجمل، وانسب، لدرء مخاطر الاحتراب بكل انواعه، واستبداله بلغة الحوار عبر تنمية قيمة التواصل مع الاخر، وتطويرها في ذواتنا، فكرا وسلوكا، بغض النظر عن عمق الاختلافات مع الطرف النقيض، في الفكر او الرأي او في اسلوب الحياة.
اضف تعليق