q

الأسابيع الماضية التي شهدها العراق حملت الكثير من الاحداث التي نغصت على العراقيين فرحتهم بالتحسن الأمني النسبي الذي تحقق في العاصمة بغداد واطرافها، إضافة الى تراجع المواجهات المسلحة والعمليات العسكرية وانكفائها في بؤر المواجهة المباشرة مع تنظيم "داعش" في صلاح الدين والانبار وكركوك والموصل، وقد اثبتت الاحداث الأخيرة (ما حدث في ناظم الثرثار وتضارب الروايات حول أصل الحدث)، اننا ما زلنا بعيدين عن اعلان النصر النهائي ضد التنظيم المتطرف، او على الأقل ادامة زخم الانتصارات والمحافظة على المكاسب التي تحققت بأيدي أبناء العراق من القوات الأمنية والمتطوعين من قوات "الحشد الشعبي"، مثلما ما زلنا بعيدين عن الشعور بالاطمئنان لوجود توافق سياسي حقيقي بين الكتل السياسية التي تتولى المناصب السياسية والأمنية والاقتصادية الرفيعة وتدير السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) الفعلية في العراق، والتي قد تفشل امام اول اختبار يمكن ان تتعرض له من خلال رجوعها الى خطاب الامس والحلقات المفرغة بدلا من توحيد الجهود امام الازمات.

الجميع يعرف ان امام حكومة العبادي مهمة ليست سهلة ابدا، حتى ان البعض عد توليه لمنصب رئيس الوزراء في هذه المرحلة بالذات اشبه "بالانتحار السياسي"، سيما وان الأخطاء في هذه المرحلة لا تغتفر نتيجة للظرف الحساس الذي يمر به البلد، إضافة الى وجود الكثير من الشركاء السياسيين من يغلب المصلحة الحزبية على المصلحة العامة، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها بعد ان ابتلي العراق بها، لكن هذا لا يبرر الأخطاء التي تتابعت على السقوط فيها جميع الحكومات السابقة، ومن ضمنها حكومة السيد العبادي، أخطاء لم تضع في جدول العبرة من الماضي والتدقيق قبل الشروع، وحتى لا نخسر مكاسبنا العسكرية والأمنية الأخيرة ينبغي مراجعة وتصحيح هذه الأخطاء من دون الالتفات الى الماضي.

آفات خطيرة

ذكرنا في السابق ان هناك أربع افات ينبغي على حكومة العبادي مواجهتها قبل ان تتحول الى معضلة لا يمكن التخلص منها بسهولة، والتعامل معها بحسب أهميتها واولويتها في سلم البرنامج الحكومي المعلن بعد تسلم الحكومة لمهامها في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وتمحورت هذه الآفات حول افة "الإرهاب" و"النازحون" و"الفساد" و"الاقتصاد"، وهي مشاكل لها تأثير مباشر على أداء الحكومة على المستوى الداخلي والخارجي نتيجة لتفاعلاتها وافرازاتها المحلية والإقليمية والدولية، ومع ان القرارات الحكومية التي واكبت الاحداث والتطورات الخطيرة التي شهدها العراق بعد تاريخ 9/6/2014، كانت في معظمها سليمة وجريئة، الا انها كانت في ذات الوقت بطيئة وضعيفة.

ومن باب التذكير بما كان، وعلى مستوى مكافحة الإرهاب، تحققت الكثير من الانتصارات وتم استرجاع الكثير من الاراض التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، إضافة الى تشجيع العشائر السنية وقوات البشمركة لمساندة القوات الأمنية والحشد الشعبي في عمليات مشتركة تديرها الحكومة المركزية، ونجحت في استرجاع العديد من المناطق، لكن ما زال الوضع أكثر تعقيدا مجرد استعادة الأراضي وطرد عناصر التنظيم من العراق، ويمكن توضيح ذلك في الملاحظات التالية:

- لم تتمكن الحكومة من تفكيك الوضع العراقي الداخلي في مكافحة الإرهاب والمتطلبات الإقليمية والدولية، والمثال الاوضح على ذلك ما جرى في تحرير مدينة "تكريت" والذي اجبر الحكومة على إيقاف الحملة لعدة أسابيع قبل إعادة انطلاقها بصورة مغايرة، وتعتبر هذه المحددات (التداخل بين الإرادة المحلية والإقليمية والدولية في العراق) من المعرقلات التي ينبغي على الحكومة تجاوزها او تحقيق التوافق السياسي فيما بينها بشكل لا يضر مصالح العراق العليا.

- لم تتمكن الحكومة من تجاوز عقدة داعش في فتح المزيد من الجبهات او محاصرة القواعد العسكرية والقتل الجماعي للجنود او محاصرة الاشاعات التي يطلقها التنظيم، والتي تدخل في باب "الحرب الإعلامية"، وأثبتت الفعاليات الأخيرة للتنظيم تفوقه على الجهد الحكومي في هذا الباب، بعد ان اجبر عشرات الالاف من النزوح من الانبار وما جرى في ناظم الثرثار أيضا.

- لم تتمكن الحكومة من تعزيز الاستفادة من التوافق والدعم الدولي للعراق في مكافحة الإرهاب العالمي بالمستوى المطلوب، وقد ينتهي هذا التوافق تجاه القضية العراقية او يضعف من دون تحقيق مصلحة العراق من الدعم والخبرات التي يمكن ان توفرها هذه الدول.

اما على مستوى مكافحة الفساد، فالخطوات الأولى كانت صحيحة بعد اقالة ونقل مئات الضباط وكبار القادة من أصحاب الأداء الضعيف او الفاسدين، لكن ما زال هناك الكثير غيرهم، والسرعة في بعض الأحيان مطلوبة، حتى لا تتعرض هذه الحكومة الى إخفاقات جديدة لا تستطيع السيطرة عليها.

من جانب اخر، الجميع يعرف ان الفساد في العراق لا يقتصر على الجانب العسكري (وان كان مهما) فحسب، بل يتعداه الى جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها الحساسة، ولم نسمع ان العدالة شملتهم حتى اليوم، وهناك من يعمل على تحقيق الفشل في جوانب أخرى من العمل الحكومي للتقليل من أهمية الانتصارات العسكرية ضد التطرف، ولهذا ينبغي على الحكومة ان تبعد المفسدين من جميع المؤسسات، وبالأخص من المناصب التي يكون لقراراتها وعملها تأثير مباشر على المواطن البسيط وحفظ امنه ومعيشته وخدماته الأساسية وحياته اليومية، وتنسحب الإجراءات الحكومية على جميع الآفات الأخرى، من خلال معالجة جوهرية وحقيقية للازمة بدلا من البحث عن الحلول الانية، فأزمة النازحين ما زالت تتفاقم، والاقتصاد ما زال يراوح في مكانه، وحتى الحلول المقترحة لتعويض النقص النقدي في الميزانية نتيجة لانخفاض أسعار النفط، كانت ضعيفة ومضحكة في بعض الأحيان.

اضف تعليق