مقدمة: تحتلّ وسائل الإتصال اليوم موقعاً مهماً في حياتنا اليومية نتيجة لتصاعد استخدام المجتمعات للتقنية الحديثة، إذ أن الانتشار العالمي لوسائل الاتصال يعد ظاهرة مذهلة، كما أصبح بإمكان كل شخص أن يقوم بتسويق نفسه أو مؤسسة تقوم بتسويق نفسها جماهيريا، عن طريق وسائل الاتصال الجماهيري، لذا يعد الاتصال الجماهيري أهم انواع الاتصال كونه اكثر شمولية ويتعامل مع وسيلة مادية، فأن أغلب - إن لم نقل جميع- الدراسات التي تناولت موضوع الاتصال الجماهيري أكدت على أهمية الوسيلة الاتصالية ودورها المؤثر والرئيسي في عملية الاتصال الجماهيرية، وستتضمن هذه الورقة البحثية ما يأتي عناصر الاتصال الجماهيري ومكوناته، وكذلك البحث في الاتصال الجماهيري وزواياه ومحاوره.
عناصر الاتصال الجماهيري:
لا بد من تعريف ماهية الاتصال الجماهيري قبل الدخول في لمعرفة ما عناصر هذا النوع الاتصال واركانه:
عرف بعض الباحثين الاتصال الجماهيري بأنه: علمية نشر أو بث أو إيصال لرسالة ما، في ظرف ما، تحمل أخبار ومعلومات وآراء، أو اتجاهات، أو مشاعر، حول حدث أو قضية أو مشكلة أو ظاهرة تتصل بالاهتمامات العامة في المجتمع، أو يمكن أن تثير الاهتمامات الجماهيرية، يقوم بها مرسل عبر وسيلة اتصال، من أجل الوصول الى دوائر جماهيرية واسعة بهدف التأثير في الرأي العام بغض النظر عما قد يعترضها من تشويش.
عناصر الاتصال الجماهيري ومكوناته:
لفهم عملية الاتصال الجماهيري ومكوناتها قدم العالم (هارولد لاسويل) نموذجا اتصاليا شهيرا ضم مجموعة من التساؤلات التي تجسد عملية الاتصال الجماهيري وهي:
- من؟ (وهو هنا المصدر المرسل القائم بالاتصال)
- يقول ماذا؟ (الرسالة، المضمون، المحتوى)
- لمن؟ (وهو هنا المستقبل/الجمهور/القارئ/ المستمع/المشاهد)
- بأي وسيلة؟ (وسيلة الاتصال الوسيط ما بين المرسل والمستقبل)
- بأي تأثير؟ (التأثير)
ومعنى ذلك ان علمية الاتصال تقوم بدورتها الكاملة.
ففي عملية الإتصال بالجماهير، على سبيل المثال ـ والتى تعرف بأنه العملية التي يتم بواسطتها الاتصال بجمهور، أو بغالبية المجتمع الكلي أو جمع كبير منه، إتصالاً يهدف إلى إحداث تغيير في استجابة السلوكية الظاهرة أو غير الظاهرة، نجد.. مجموعة من المكونات الأساسية يقع في مقدمتها ما يلي.
المرسل: ويعد نقطة الإنطلاق في عملية الإتصال، وعنه تصدر الرسالة التي تحمل معنى محدداً يتفق مع وجهة نظره، وهو يهدف من الرسالة إلى إستثارة إستجابة محددة لدى الجمهور المستقبل.
المستقبل: تعد جماهير المجتمع هدف الإتصال، ويجعلها المرسل في حسابه دائماً عند النظر في كل عنصر من عناصر الإتصال. يستقبل المواطن (أي كل فرد من أفراد الجماهير) الرسالة ويؤوِّل رموزها ويفسرها متأثراً بتكوينه النفسي وتجربته الذاتية الحاضرة والتاريخية وبمضمون الرسالة ومصدرها.
الرسالة: وهي المادة أو المحتوى في عملية الإتصال، وتتكون من مجموعة المعاني التي يضعها القائم بالاتصال في رموز تنقل إلى المستقبلين. تتعدد أنواع الرسائل بتعدد محتواها. ومن الأمور التي تؤخذ بالحسبان في كل رسالة رموزها وموضوعها ومعالجة المضمون.
الوسيلة: وهي الأداة أو الوساطة التي تنقل بها الرسالة إلى أعداد كبيرة من الأفراد المنتشرين على مساحات واسعة ومتفرقة. وقد تكون الوسيلة سمعية مثل الإذاعة، أو بصرية مثل الملصقات واللوحات والإعلانات، أو سمعية بصرية مثل التلفزيون والسينما، أو متعددة القنوات كالفيديو والحاسوب. وتختلف الوسائل فيما بينها من حيث نوع الآثار التي تخلفها ونوع الرسائل التي تحملها ونوع الجمهور الذي تتصل به. ويتوقف نوع الوسيلة على قدرات كل من المصدر المرسل والجمهور المستقبل، ولهذا تختلف وسائل الإتصال القائمة في الدول الصناعية عنها في الدول الآخذة بالنمو سواء في إطار تطويرها أو إطار المؤسسات المعنية بها.
ردود الفعل: يقصد بردود الفعل إستجابة المستقبل التي يستدل المرسل بوساطتها على تأثير رسالته في المستقبل ووجهة نظر هذا الأخير بشأنها. وكثيراً ما يسمى رد الفعل بمصطلح «رجع الصدى» و «التغذية الراجعة» و «الرجع»
التشويش: يقصد من التشويش تدخل أي مثير عارض، أو عرقلة عملية الإرسال والاستقبال. يؤدي التشويش إلى اختلاف الرسالة التي تم إرسالها عن الرسالة التي يتلقاها المستقبل. وتوجد عدة أنواع من التشويش منها التشويش الخاص بالدلالة والتشويش الميكانيكي. يحدث التشويش الخاص بالدلالة نتيجة المؤثرات الذاتية التي تؤثر في فهم المستقبل للرسالة. ويزداد هذا النوع من التشويش بازدياد غموض الرسالة أو عندما تكون العلاقة بين المرسل والمستقبل غير محايدة، أي عندما تكون مثقلة بالمعاني الانفعالية السلبية أو الإيجابية.
أما التشويش الميكانيكي فيقصد به التدخل الفني أو المادي الذي يطرأ على إرسال الرسالة في سيرها من مصدر المعلومات إلى الهدف الذي يراد الوصول إليه.
ويتفق الباحثون على ان العناصر الرئيسية لعملية الاتصال الجماهيري تتألف من مرسل ورسالة وقناة ومستقبل. ولكننا آثرنا أن نضيف اليها عدداً من العناصر الاخرى التي أشرنا اليها في نموذج الاتصال المبسط والعناصر هي:
المرسل: وهو المصدر الذي يعمل على انتاج رسالة محملة بالمعاني يوجهها عبر وسائل أتصال آلية الى الجمهور المتلقي. ويمثل المرسل في الاتصال الجماهيري مجموعة منظمة من الافراد تعمل على وضع المعاني المتفق عليها فيما بينها في رسالة ينقلها ناطق يمثل تلك المجموعة كالمذيع، ويسمى اعلامي اصطلاحا حارس البوابة.
الرسالة: تتألف الرسالة من مجموعة رموز مفيدة، تكون في الاغلب لغوية يتم اختيارها بصورة منظمة بقصد ايصال المعاني من المرسل الى المتلقي، وتتألف الرسالة من ثلاث عناصر الرموز، المضمون، المعالجة، وفي العلمية الاتصالية تصبح الرسالة المستقلة ذات الشخصية خاصة بها بعد اطلاقها من المرسل في طريقها الى المستقبل.
القناة: وهي وسيلة الاتصال التي تنقل الرسالة وتوصلها من المرسل الى المستقبل وفي الاتصال الجماهيري، تتكون القناة من الات واجهزة فنية قادرة على صنع نسخ كثيرة من الرسالة التي صممها المرسل لتوزع على الجمهور المستقبل.
المستقبل: هو المتلقي الذي تصله رسالة المرسل فيعمل على فك رموزها وتحويلها الى معنى بقصد تفسيرها وفهمها، وفي حالة الاتصال الجماهيري فأن المتلقين للرسالة يبلغون أعداد كبيرة ولذلك ندعوهم بالجمهور المستقبل.
التأثير: يعني التأثير التغيير في الادراك الذي ينجم عن المتلقي نتجية رسالة المرسل، ويعد التأثير العنصر الأصعب في نموذج الاتصال، ويعود السبب ذلك لصعوبة الوصول الى نتائج قاطعة حول مدى تأثير الاتصال الجماهيري على الناس.
الرجع: ويسمى احيانا (التغذية الراجعة أو العكسية أو المرتدة أو رجع الصدى) وهو يعني رجوع المنبهات الى المرسل من المتلقي استجابة لما يكون المرسل قد ارسله من معلومات ورسائل، مما يساعد في احداث نزيد من الضبط والقدرة في ما يتبع الاتصال، فالرجع اذاً هو اتصال راجع من المستقبل الى المرسل، وفي الاتصال الجماهيري فأن الرجع يكون بطيئاً متأخراً بسبب انفصال المرسل عن المستقبل، وهذه نقطة سلبية تؤثر على فعالية الاتصال الجماهيري.
التشويش: وهو تلوث الذي يطرأ على الرسالة بسبب دخول أشياء اضافية عليها دون قصد من المرسل، ويؤدي هذا التلوث الى تغيير في معنى الرسالة أو عدم فهمها فهماً صحيحاً، وهناك نوعان من التشويش أحدهما يتعلق بالقناة، والآخر بالمعنى.
نموذج الاتصال الجماهيري (شانون وويفر)
كيف تتم عملية الاتصال او خطواتها:
- مثير داخلي او خارجي يتحول إلى فكر داخل عقل الإنسان.
- ترميز هذا الفكر في رسالة.
- نقل الرسالة.
- فك رموز الرسالة.
- فهم الرسالة من جانب المستقبل.
نموذج الاتصال الجماهيري:
المصدر – وسيلة – الرسالة – وسيط (القناة) – المتلقي – المتلقي النهائي
نموذج الدائرة للاتصال الجماهيري:
المصدر – الترميز – حارس البوابة – وسائل الإعلام الجماهيري – القوانين والقواعد المنظمة للاتصال الجماهيري – المصفيات أو المرشحات – الجمهور – الأثر/ رجع الصدى او المرجعيات
البحث في الاتصال الجماهيري:
يعرف البحث في الاتصال الجماهيري بأنه الدراسة العلمية لسلوك الاتصال الجماهيري عند الانسان، وغالباً في أوضاع تستدعي جمع المعلومات الكمية من المصادر الاولية، بما يعالج أوضاع المرسل الاعلامي، ووسائل الاعلام ومضمونها من الرسائل، والمتلقي، وعلى الرغم من أن هذا التعريف لا يتضمن الابحاث الاعلامية الاخرى، التي تتناول جوانب تاريخية وادبية ولغوية قانونية ودولية، الا انه يعكس أنواع الابحاث الحديثة في ميدان الاتصال الجماهيري.
زوايا البحث في الاتصال الجماهيري:
يمكن تصنيف مواضيع البحث في الاتصال من خلال تبني مختلف عناصر العملية الاتصالية التي تعكسها نماذج الاشكال البيانية العامة للاتصال. وتبعا لذلك يمكن تحديد زوايا البحث في الاتصال وكما يلي:
- المرسل: دراسة مصادر الاتصال (الخطيب، الكاتب، الرسام..) وخصائصها الشخصية ودورها ومكانتها في المجتمع. وكذا وسائل الاتصال الجماهيرية كمصدر معنوي للاتصال من حيث وسائل انتاجها، قوانين النشر، سلطة ومصداقية مؤسساتها.
- التأثير (الاستهداف): دراسة الاقناع في الاشهار، الدعاية السياسية، العلاقات العامة، استراتيجيات البرمجة وشبكاتها... وتحليل تأثيرها.
- الرسالة: تحليل مضمون الصحافة، البرامج الاذاعية والتلفزيونية، الافلام السينمائية، نصوص مختلفة: لغتها ومنطقها وتسلسلها، التحليل السينمائي او الدلالي للاشهار والشعارات...
- الترميز: دراسة الشكل الايكوني او البناء القاعدي النصي، اللفظي، غير اللفظي، وعاء الرسالة..
- الفعل: دراسة الديناميكية التفاعلية والافعال الاتصالية اللفظية وغير اللفظية داخل التنظيمات.
- الوسيلة: دراسة مختلف وسائل الاتصال، شبكات الاتصال داخل التنظيمات، تكنولوجيات الاتصال... وكذا المقارنة بينها.
- التشويش: الانساني والفيزيقي على الرسالة طيلة مسارها (تعديلها).
- المستقبل: دراسات الجمهور (القراء، المستمعون، المشاهدون..) كماً ونوعا. وهي عادة ما تكون في اتجاهين: التعرض لتأثير وسائل الاتصال (ماذا تفعل الوسائل بالجمهور؟)، تعرض معنى الرسائل و/ أو الوسائل نفسها لتأثيرات الجمهور تحريفا وتعديلا/ صدا أو ثقة (ماذا يفعل الجمهور بالوسائل).
- فك الرموز: دراسة ادراك واستشعار الرموز غير اللفظية والتماثلية.
- التفسير: فهم النصوص، الرمزية الاشهارية، المعاني المشتركة بين الطرفين.
- الأثر: دراسة اثر وسائل الاتصال الجماهيرية، الآثار الاجتماعية والثقافية للعنف، للاشهار، الآثار على السلوك، القيم، والآراء.
- رد الفعل: دراسة سيبرنيتيكية التنظيمات (شبكتها الاتصالية الداخلية) وتفاعلاتها الاتصالية.
مناهج البحث في الاتصال الجماهيري:
إن بحوث الاتصال في السابق وضعت لها حدود وفواصل محدد بحدود بحوث الصحافة وبحوث الاتصال وبحوث الاتصال الجماهيري لكن فيما بعد بينت لنا مدارس الصحافة إن بحوث الصحافة لا تقتصر على وسيلة واحدة لتشمل الراديو والتلفزيون والمجلات والإعلان وذلك عن طريق أنشاء معاهد وبرامج أبحاث غطت كل مجالات الاتصال.
وتتعد الجوانب التي تجرى فيها أبحاث الاتصال الجماهيري وبعض هذه الأبحاث يؤدي إلى نتائج آنية يمكن الاستفادة منها مباشرةً ويسمى هذا النوع من الأبحاث بأبحاث الرجع على أساس أنه يزود الإعلامي بمعلومات من الجمهور وعنه وعن حول مدى تفاعله مع الرسالة، بذلك تفيد الدراسات في تحليل المضمون الإعلامي بأنها تكشف لنا أشياء عديدة تتصل بالمصدر كحارس البوابة الإعلامية ودوافعه وقيمه وأهدافه التي سعى إلى تحقيقها كما أن هذا التحليل يساعد على فهم الأثر المتوقع على المتلقين.
ويشكل مضمون الرسالة الاتصالية أو هيكلها الوحدة الأساسية التي يتم عليها أجراء البحث عن طريق تحليل البيانات إذ يسمح هذا التحليل باستنتاج عدة نتائج منها نوايا المصدر نتيجة عملية وضع الكود، كذلك يسمح لنا بمعرفة التأثير الذي قد يؤدي إليه، ويعد استخدام المنهج التجريبي في هذا المجال من البحوث النادرة وأفضل ما يقدمه هذا المنهج في هذا المجال هو تدعيم الأسلوب المنهجي في البحوث الإعلام بدلا من مجرد الاختبار الشكلي للفروض فمثلاً أدى أتباع هذا الأسلوب إلى وضع فئات أكثر مغزى لتحليل المضمون في الدراسات التي أجريت عن أداء الصحف خلال الانتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1956م والتي اقترحها مجلس الصحافة لبحوث الاتصال، واعتمد البحث على اختبار خصائص مختلفة في تحديد احتمال حدوث انحياز في عرض الإخبار مثل حجم القصة وموضوعها ومعالجة العناوين وغيرها.
محاور البحث في الاتصال الجماهيري:
فيما يخص محاور البحث في علوم الاتصال يمكن تصنيفها الى.
- الدراسات التي تهتم بالجوانب الاجتماعية والثقافية لوسائل الاعلام والاتصال وموضوع بحوثها: الوسائل التقليدية والحديثة ووسائل استعمالها على المستوى الفردي والاجتماعي، كدعائم تقنية وكمضامين اعلامية.
- الدراسات التي تهتم بمضمون وسائل الاتصال الجماهيري ويخص موضوعها الاتصالي الرموز: محتوى مسلسل تلفزيوني (بنية النص، شخصياته..)، تمثلات لافتة اعلامية،... الخ.. التي يمكن تحليلها ظاهريا وكميّا او رمزيا وكيفيا.
- الدراسات التي تهتم بالاتصال التنظيمي، وتشمل مواضيع تعني بـ: مسار الرسائل التي تنتقل داخل التنظيمات وبشروط انتاجها، بشبكات وافعال الاتصال (القولية، الفعلية، الغير لفظية، المسكوت عنها..) بمفاهيم المكان والزمان الاتصاليين..
- دراسات الاتصال والتنمية والتي عالجت، منذ خمسينيات القرن الشرين، اشكالية العلاقة بين الاتصال والتنمية من خلال محاولة الاجابة على التساؤل الرئيس عن مكانة الاعلام والاتصال في تحقيق التنمية في البلدان المتخلفة خصوصا.
اضف تعليق