حسن الاستماع للآخرين هو من مصاديق تحمل الآخر والتفاعل معه لان من طبيعة الإنسان الجاهل ان يتكلم فقط ويحب الآخرين ان يسمعوه وعندما يصل دوره لا يستمع إليهم باهتمام أو يقاطع المتحدث أو يمارس العنف عندما يتكلم أو يسمع، انه يستعمل حاسة واحدة فقط.
وهذه مشكلة أخلاقية وسلوكية تنتشر في الكثير من المجتمعات تهدد الحوار الموضوعي والهادف بالفشل. وعن الامام علي بن الحسين (ع): وحق الناصح ان تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك فان اتى بالصواب حمدت الله عزوجل.
وقال الإمام علي (ع): (إذا لم تكن عالما ناطقا فكن مستمعا واعيا). ومعنى هذا الكلام ان معظم الناس عندما يتكلمون يتصورون أنفسهم علماء وهم ليسوا كذلك فيوجههم الإمام (ع) إلى الاستماع الواعي إلى الآخرين للاستفادة من العلماء الحقيقيين.
ويرى البعض: ان القدرة على الاستماع هي الأداة الرئيسية للوصول إلى تفاهم وتواصل مثمر بين الناس خاصة في مواقف الخلاف والصراع وفي تخفيف الميول العدوانية في لحظات التوتر والانفعال العنيف فعندما نستمع بانتباه إلى محدثنا محاولين فهم حاجاته فان من الصعب علينا ان نمارس ضده أي شكل من أشكال السيطرة لاعتقادنا بأننا وحدنا على حق، ان الإصغاء الفعال يشكل صمام أمان يحمينا من الوقوع أسرى أفكارنا المسبقة أو انفعالاتنا المحمومة.
ولا يكفي الإنصات وحده فقد استمع إلى الآخر وقد أوحيت إلى نفسي بصحة فكري وخطأ فكرته مسبقا قبل ان استمع إليه، والاستماع الصحيح ان استمع إلى أفكاره قبل كلامه.
القبول بمبدأ الخطأ وان كل واحد منا لا يمتلك الحقيقة لوحده
ان اخطر أخطاء الإنسان انه يلبس أفكاره بالعصمة والحقيقة الكاملة ويلغي أفكار الآخرين ويعتبرها خطأ مهما كانت الاستدلالات وهذا يبعد المسافات ويقطع التواصل ويرسخ الانعزال في الجزر النفسية. ويتم التواصل المنطقي بالاعتراف المتبادل بان الحوار هو الذي يوفر الأجواء لمعرفة الحقيقة والتواصل هو الذي يقود الناس إلى المشاركة الجمعية للوصول إلى الحقيقة دون أفكار مسبقة بالتعصب والتفرد والإرهاب.
فإننا إذا تفاهمنا على الأمور بشكل عقلاني قد ندنو معا من الحقيقة حتى ولو لم نصل إلى اتفاق وهذا الدنو من الحقيقة لايمكن الوصول إليه من خلال النقاش إلا بفضل التسامح المتبادل والتبني المتبادل باستحقاق الطرف الآخر ان ننصت إليه. وقد قال فولتير سابقا: ما هو التسامح؟ انه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية، اننا جميعا من نتاج الضعف كلنا هشون وميالون للخطأ لذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل وذلك هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة والمبدأ الأول لحقوق الإنسان كافة.
وقد وردت روايات شريفة في هذا توجه الإنسان للاستفادة من رأي الآخر والتقارب معا نحو الحقيقة، فعن أمير المؤمنين علي(ع): ليكن آثر الناس عندك من أهدى إليك عيبك وأعانك على نفسك. وعنه (ع) أيضا: أفضل الناس رأيا من لا يستغني عن رأي مشير. وعن رسول الله(ص): المؤمن مرآة المؤمن. وعن الإمام الحسن بن علي(ع): الرجل ثلاثة: رجل رجل ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل، فالرجل الذي هو رجل من كان ذا عقل واستشار ذوي العقول، والرجل الذي هو نصف رجل من كان ذا عقل واستبد بعقله، والذي هو لا رجل من لم يكن ذا عقل ولم يستشر ذوي العقول.
ومن المبادئ الأخلاقية التي تحقق هذا الامر هو روح التواضع الذي يتمتع بها الفرد فكلما زادت حقيقة التواضع فيه كلما ازداد في داخله إحساسا بالجهل بينما هو في الواقع يتنامى علما وبصيرة، يقول الإمام علي بن الحسين(ع) في دعاء مكارم الاخلاق: ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.
وعلى العكس من ذلك فان التكبر والاستعلاء يغري الإنسان بإحساس كاذب بالكمال والاكتفاء فينكر افكار غيره بينما هو يتضاءل جهلا وعميا. يقول رسول الله(ص): ما عبد الله بمثل العقل وما تم عقل امرء حتى يكون فيه عشر خصال.. واما المعاشرة لايرى أحدا إلا قال هو خير مني واتقى، انما الناس رجلان: فرجل هو خير منه واتقى، واخر هو شر منه وادنى، فإذا التقي الذي هو خير منه واتقى تواضع له، واذا التقي الذي هو شر منه وادنى قال عسى ان يكون خير هذا باطنا وشره ظاهرا فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وساد اهل زمانه.
اضف تعليق