عجبا ايها الليل يقولون عنك هادئ وفيك تُصرع كل القلوب، وكأن للذكريات قلب لا ينبض إلا ليلا، لليل حكاية أخرى بين العشاق حيث تهيج أشوق قلوبهم. في الليل يبحث كل عاشق عن معشوقه ليفرغ آلام قلبه لمحبوبه، فالليل أقرب الأوقات إلى الله وأقرب إلى الإخلاص في العبادة؛ في غفلة النوم وفي هدأة الليل لا يسمع نجوى، إلا أنين الواهنين وصوت المحبين الذين تجردوا عما يشغلهم عن محبوبهم.
قيام الليل هو أن يقضي العبد الليل كله أو جزء منه ولو ساعة في التكلم مع اقرب وأفضل محبوب وهو الله تعالى بالصلاة وقراءة القرآن وذكر الله تعالى والتضرّع له، ويُعَدّ قيام الليل من أعظم العبادات التي خصّصت للصالحين والأتقياء وهو دأب يسير عليه كل من يريد أن يكون من الصالحين، ففيها يتفرّغ العباد من أمور وهموم الدنيا ويتوجهون إلى الله تعالى ليشكون له سبحانه عمّا فعلت فيهم الأيام ويشكون أحوالهم.
يختلون بالله تعالى في الليل لكي لا يراهم أحد وهم يعبدونه سبحانه، فقيام الليل هو من الأمور التي لا يدخل الرياء فيها، فهي الإخلاص بحد ذاته وتطبيقا لمفهومه الصحيح وهي أن تعبد الله كأنه يراك.
قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجع)، بمعنى لا يستطيعون النوم إلا وأن يصلوا ويذكروا الله والناس نياما، فهؤلاء هم حقّاً أصحاب الجنة، فمن يريد الآخرة والدنيا عليه قيام الليل ولو لساعة واحدة، وأفضل الرجال عند الله هم الذين يقيمون الليل، فأصحاب الليل سيماهم في وجوههم .
وقد حثنا الإمام الصادق (ع) على تأدية هذه الصلاة كما ورد في أحواله انه كان يقوم ليله بالعبادة ويناجي ربه وقد قال (ع): صلاة الليل تحسن الوجه وتحسن الخلق وتطيب الريح وتدر الرزق وتقضي الدين وتذهب بالهم وتجلو البصر وقَال ايضا: " كَانَ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ بِهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (ع) أَنْ قَالَ لَهُ :
يَا ابْنَ عِمْرَانَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي، أَ لَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ، هَا أَنَا يَا ابْنَ عِمْرَانَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ حَوَّلْتُ أَبْصَارَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ، وَمَثَّلْتُ عُقُوبَتِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ يُخَاطِبُونِّي عَنِ الْمُشَاهَدَةِ، وَيُكَلِّمُونِّي عَنِ الْحُضُورِ .
يَا ابْنَ عِمْرَانَ: هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ، وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ، وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ، وَادْعُنِي فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ، فَإِنَّكَ تَجِدُنِي قَرِيباً مُجِيبا".
كيفية صلاة الليل
إن قيام الليل تبدأ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وأفضل وقت لقيام الليل يكون في الثلث الأخير من الليل، بعد الثلث الأول من الليل في ساعة لا يعلمها إلا الله، يقول فيها عز وجل: من ذا الذي يسألني فأعطيه ومن ذا الذي يستغفرني فأغفر له، والكل يريد هذه الساعة.
عدد الركعات احدى عشرة ركعة، ثمان ركعات بنية نافلة الليل، ركعتان تتلوها ركعتان وتقرأ التشهد خلف كل ركعتين.
ركعتي الشفع:
بعد النية يقرأ في الركعة الأولى الحمد وسورة الناس وفي الركعة الثانية يقرأ الحمد وسورة الفلق وتكون من غير قنوت وبعد السجود يتشهد ويسلم.
ركعة الوتر:
بعد النية (ركعة الوتر قربة الى الله تعالى) يقرأ بعد الحمد سورة الاخلاص ثلاث مرات والمعوذتين مرة واحدة، ثم يقنت ويستحب فيه الدعاء لأربعين من المؤمنين.
يقوم العبد بقيام الليل بأن يقرأ من آيات الله تعالى ويطلب الرحمة ويستغفر فيها لله عزّ وجل، فهي تعتبر خلوة بين العبد وربّه، فأقرب ما يكون العبد لله تعالى هي في الثلث الأخير من الليل، فالله تعالى في هذا الوقت لا يردّ سائل أو من أتعبته الهموم إلا وكشف عنه همومه .
يشعر العبد بالقرب من الله تعالى في وقت الليل اكثر من باقي الأوقات لان فيها الرحمة والمغفرة، ولو علم الإنسان ماذا أعدّ لعباده المخلصين من نعيم في الآخرة والدنيا لبقوا طوال حياتهم يصلون لله تعالى في كل ليلة، فما أعظمها من عبادة خصّصت لأناس علموا بما فيها من أجر وسكينة لأرواحهم وعاهدوا الله تعالى وصدقوه، وصدق الله تعالى بوعده عباده المخلصين الذين لا تنام جنوبهم إلاّ أن يذكروا الله تعالى ويصلون عليه ، قم الليل إلا قليلا.
اضف تعليق