من المتوقع أن نقدم الى هذه الشريحة الكادحة والصبورة، باقات ورد في يومها العالمي تيمّناً بذكرى المولد العطر لبضعة المصطفى الصديقة الزهراء، عليها السلام، لما تبذله من جهد لا ينكر، وما تتحمله من مشاق العمل وتحديات وضغوطات عدّة. بيد أن الرسالة – المشار اليها- هي بالحقيقة، باقة ورد تضم أطيب المشاعر وأصدقها، من شريحة التلاميذ؛ من مرحلة الابتدائية وحتى مرحلة الاعدادية. لان التلاميذ – بمعظمهم- لا ينظرون الى المعلمة والمدرسة، بأنها موظفة مثل سائر الموظفات في الدوائر الحكومية، فالاجواء هنا مختلفة تماماً، فالمهمة الملقاة على عاتق هؤلاء النسوة، تجعلهن يسرن على خطين متوازيين؛ التربية والتعليم، كلما امتد سالماً متيناً، كانت المسيرة التعليمية آمنة، وخرجت النتائج عظيمة، بينما انحراف بسيط لأحد الخطين يؤدي الى كارثة...!.
لننظر أولاً؛ ما لدينا في سيرة الصديقة الزهراء، عليها السلام، نقدمها باقة عطرة الى السيدات الفاضلات في سلم التربية والتعليم؟.
لاشكّ، هنالك الشيء الكثير في هذا المجال، بيد أننا نقتطف أمرين مهمين عسى أن ينفعنا لإصلاح ما تعاني منه بعض مدارسنا، ثم توفير الاجواء الصالحة لتخرج اكبر عدد من المتفوقات من مدارسنا:
الامر الاول: ضخّ الثقة بالنفس
معظم الطلاب والطالبات – إن لم نقل جميعهم- يرسمون في مخيلاتهم صوراً جميلة لما يمكن ان يكونوا عليه في المستقبل، فهم ينطلقون من الرحلة الخشبية الصغيرة الى عالم فسيح من الطموحات المجنحة وهم يغوصون بين العلوم والمعارف ويكتشفون حقائق كثيرة من الحياة، وهذا بحاجة الى عناية خاصة من لدن الكادر التدريسي للمساعدة على اكتشاف المواهب والقدرات الكامنة. صحيح أن البعض يحلقون بعيداً في خيالهم ويتوقعون البعيد عن واقعهم، بيد أن التعامل الذكي واحترام المشاعر وغيرها من اشكال العناية، يساعد التلاميذ على تلمّس الطريق الصحيح الذي يربطهم بالواقع الذي يعيشونه، ثم يشجعونهم على رسم الطموحات في ضوء هذا الواقع وما يحتاجه مجتمعهم وبلدهم.
وهذا بحاجة الى ضخّ الثقة في نفوس التلاميذ، لاسيما الصغار منهم، وتنمية الشعور في نفوسهم بأن بامكانهم ان يكونوا ذووا شأن في المستقبل، مهما تفاوت مستوياتهم الذهنية والثقافية والاجتماعية.
لنقم بزيارة خاطفة الى دار الصديقة الطاهرة، عليها السلام، وهي وحيدة في بيتها، عندما يكون أمير المؤمنين، عليه السلام، مشغولاً في عمله، والحسنان مع جدهما المصطفى في المسجد، فما أن يدخل الحسنان الى الدار، حتى تبادر الى اجلاسهما في مكان مرتفع، وتطلب منهما أن يقلدا شخصية جدهما، صلى الله عليه وآله، وينقلا لها ما تحدث به للمسلمين، فكان الحسن والحسين، يتحولان الى خطيبان بارعان أمام أمهما، ويتحدثا بنفس اللهجة والعبارات التي سمعاها في المسجد، وعندما كان يزورها النبي الاكرم، تحدثه بما جرى في المسجد، فيستفهم الأمر، ثم يبتسم ويزدد في حضوره هذا البيت الطاهر، بهجةً وسرورا.
إن هكذا خطوة وامثالها لا تكلف المرأة كثيراً، سوى بعض الالتفات البسيط والتقرّب اكثر الى شخصية الطالبة، مهما كانت، لاسيما اذا عرفنا أن الطالبة في العراق – تحديداً- تتميز عن الطالب في الحرص على التعلّم والتفوق والتطلع الى الاختصاصات العالية مثل الطب والهندسة، فاذا ما حصلت احدى الطالبات على علامة (90) مثلاً، ينبغي ان يكون هذا مدعاة للسرور للمدرسة، لا أن الرد بالاستهزاء، لانها لم تحصل على (100) كما يحصل في بعض المدارس...!.
إن مسألة الثقة بالنفس، لها ابعاد واسعة، تتجاوز نتائج الامتحانات، او التفاعل اليومي في الصف او حل المسائل على السبورة، إنما تشمل مجمل التعامل الموجود خلال ساعات المدرسة، فاذا تصرفت المدرسة بشكل يتقاطع مع التطلعات الصاعدة للطالبة، ومع شخصيتها ومرحلتها العمرية، فانها بالحقيقة تصوب باتجاهها رصاصة تقتل فيها شخصيتها وطموحاتها، وتجعل منها مجرد ببغاء – إن جاز التعبير- يحفظ ويحفظ باتقان ليعيد ما تلقاه بإتقان شديد ويكون فيه نجاحه!.
الامر الثاني: الصبر
تعيش عديد مدارسنا أزمة حقيقية في القدرة على فهم المواد الدراسية، لاسيما العلمية منها، حيث تواجه البعض من الطالبات مصاعب في الفهم لاسباب مختلفة، ربما يكون البيت والمدرسة شركاء فيها الى جانب مسؤولية الطالبة نفسها، الامر الذي يتعين على الاستاذة – المُدرسة، ان تتحلّى بمزيد من الصبر وطول أناة.
هاكم مشهد واحد من حياة الصديقة الطاهرة، وهي ربة بيت، وإمرأة مثل سائر النسوة في المدينة – من الناحية الظاهرية- كانت تستقبل نسوة يسألن مسائل مختلفة، وكانت السيد الزهراء تجيب عن طيب خاطر، وحصل أن احداهن لم تفهم الجواب، فأعادت الصديقة الزهراء، ثانياً، ولم تفهم تلك المرأة، فأعادت مرة ثالثة ورابعة وخامسة و.... حتى المرة العاشرة، تقول الرواية: "وفي المرة العاشرة لما لم تفهم الجواب سكتت وقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله، فأجابت فاطمة، عليها السلام: إسألي، ولي بذلك الأجر...".
اذا كانت الصديقة الطاهرة تجد في تعليمها النسوة في بيتها المسائل الشرعية والاحكام والآداب، بمنزلة الامتداد لرسالة أبيها في نشر العلم والثقافة والمعرفة في الامة، فان الكادر التعليمي أمام مهمة مزدوجة – بالحقيقة- في الوقت الحاضر، فهي مسؤولية أخلاقية ورسالية ثم شرعية وقانونية ايضاً.
ولعل اكثر الهواجس التي تواجه قطاع التعليم في الوقت الحاضر، خطر تحول المعلم والمدرس الى موظف عادي، لا يفكر سوى باسقاط الواجب وتنفيذ التعليمات ثم انتظار الأجر والمرتب الشهري،ولا عليه بالطرف المقابل، إن استفاد أو لا.
إن الصبر مع التلاميذ بمختلف مستوياتهم العمرية والذهنية، والحرص على علو معنوياتهم وتعزيز الثقة بنفوسهم من شأنه، لا ينعكس ايجاباً على هؤلاء التلاميذ، وإنما يقرّب الكادر التدريسي من مهمته الرسالية الحقيقية والحضارية، ويضمن له النجاح بنسبة كبيرة، او على الاقل أداء الواجب بالشكل المطلوب لتبقى المرحلة الاخرى على التلاميذ واختبار قدراتهم الذهنية لتحقيق النجاح الكامل، ومن المؤكد فان "البليد" عنصر محدود بين جموع التلاميذ، لاسيما في الوقت الحاضر، حيث يتحفّز الجميع للوصول الى أعلى المستويات والحصول على المكانة اللائقة في المجتمع.
اضف تعليق