نشأت مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) في بيت الوحي والنبوة، وقد سمع المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقول:
(فاطمةُ بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني، ومن سرّها فقد سرّني).
(إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله فَطَمَ من أحبّها من النار).
وغيرها من الأحاديث التي لم يأت مثلها في غير الزهراء (عليها السلام) قط، وقد نقل تلك الأحاديث أهم وأشهر مصادر الحديث عند السنة والشيعة.
عندما توفيت أمها السيدة خديجة (عليها السلام)، كانت (عليها السلام) ترعى أباها، وعمرها ست سنين، فكانت تسعى لملء الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها.
وأيضاً، في تلك السن الصغيرة، شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكة، وكانت تضمّد جراحه، وتبعد ما يُلقيه سفهاء قريش، حتى سمّاها (صلى الله عليه وآله وسلّم) بـ(أمَّ أبيها).
وقد شاركت (عليها السلام) معاناة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في مكة، وآلام الهجرة، ومجريات الغزوات والمؤامرات، وكانت ترقب انتشار الإسلام ورسوخه، يقول الإمام الشيرازي(قده): (كانت الزهراء عليها السلام صغيرة السن في بداية تكوين المجتمع الإسلامي بالمدينة المنورة، ولما تكمل عامها الثامن، إلا أنها كانت عارفة واعية بالعلم الرباني اللدني وبالعصمة الإلهية التامة، بحيث أنها أدت دوراً مهماً في نشوء ذلك المجتمع، وامتازت بتفاعلها مع الأحداث واستيعابها للرسالة السماوية، وبالرغم من وجود نساء أخريات في بيت الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، لكنها نالت مرتبة سامية وعالية عند الله، وًفي المجتمع الإسلامي، وذلك بفضل إصطفائها من عند الله، وإخلاصها وزهدها وعبادتها وإنفاقها وجهادها وتحملها في سبيل الله، فاستحقت أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين).
بعد شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) تشارك زوجها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مهمة الحفاظ على الإسلام، فوقفت بوجه الاستبداد والانحراف، وكشفت عن أن موقف القوم، ما هو إلا بداية التراجع إلى الجاهلية، فكان وقوفها بداية الجهاد والاستشهاد الذي استمر مع أبنائها وذريتها، وإلى اليوم مع محبيها.
إن سيرة مولاتنا السيدة الزهراء (عليها السلام) مليئة بالمواقف التي لها تجلياتها الفقهية والفكرية والسياسية والتربوية وغيرها، وهذا ما ينبغي أن ينعكس (شكلاً ومضموناً) على مجالس الاحتفاء بأيام هذه السيدة العظيمة، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (في أيام الإحتفاء بذكرى شهادة السيدة الزهراء (عليها السلام) عليكم أن تبينوا الهدف الذي تحملت (عليها السلام) كل تلك المعاناة والأوصاب، وبالتالي استشهدت من أجله، وهذا الأمر قد تضمنته خطبتها المباركة، حيث أوضحت بها الهدف من تحملها كل ذلك التجاسر والحيف والظلم الذي وقع عليها، ونحن بدورنا علينا أن نبين ذلك للعالم).
اضف تعليق