q

في العشرة الثانية من شهر ربيع الأول من كل عام، يحتفل المسلمون بالمولد النبوي الأكرم شاكرين الله على تلك الرحمة المرسلة منه (عز وجل) للناس كافة الذي أرسل داعياً إلى الحق وشاهداً ومبشراً ونذيراً، ويستحضر المحتفون بهذه الذكرى الزاهرة محطات من حياته (صلى الله عليه وآله وسلّم) بمشاهدها الروحية والأخلاقية والسياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، لتكون دليلاً ومنهجاً لبناء الإنسان الصالح والمجتمع الفضيل والأمة الحية، يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله): (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في جميع حالاته مثالاً أعلى للأمانة والإخلاص، والصدق والوفاء، وحسن الخلق, وكرم السجية، والعلم والحلم، والسماح والعفو، والكرم والشجاعة، والورع والتقوى، والزهد والفضيلة، والعدل والتواضع، والجهاد).

ولد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكان أهل الأرض مللاً متفرقة، وأهواء منتشرة، فهداهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الضلالة، وأنقذهم من الجهالة، وبين لهم سبل الخير، وحذرهم من طريق الشر، وحثهم على التعاون فيما بينهم على البر والتقوى، ونهاهم عن الإثم والعدوان، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): (بعد أن كان المجتمع الجاهلي متفرقاً تحكمه نعرات التكبر ونزعات العنصرية، جاء رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، ودعا الناس إلى الوحدة، والأخوة، والانضواء تحت راية الإسلام المباركة).

ودعا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسعى، على مدى سنوات عمره الشريف، إلى الإصلاح والإعمار والتقدم والارتقاء، إنطلاقاً من الإنسان باتجاه الأمة والإنسانية جمعاء، وقد بدأ (صلى الله عليه وآله وسلّم) استراتيجية الإصلاح بنفسه وأهل بيته وإنذار عشيرته، فكان أن عرف (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل بعثته بـ(الصادق الأمين)، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (لقد جذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كثيراً من الناس بأخلاقه الرفيعة الكفار الذين لم يزالوا يكيدون الإسلام والمسلمين، ويعادون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم شخصياً، ويكذّبون النبي وينسبون إليه ما لا يليق، مع ذلك كانوا يعيشون بأمن وسلام وحرية ورفاه، في ظل حكم رسول الله وأمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلّم، ولم ينقل أنه أُصيب أحد منهم بسوء، بل حفظ التاريخ، أن كافراً افتقده النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم أياماً، فسأل عنه، فقيل: إنه مريض فعاده النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في ناس من أصحابه).

وبعد أن صرفت نحوه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أفئدة من الناس، ودفنت به الضغائن، وأعز الله به أذلة، وألف إخواناً، لم يترك (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمته في مهب ريح التفرق والضعف والضياع، إنما ترك لها ما يحفظ دينها، ويوفر حياة العدل والسلام والرفاه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبداً).

واليوم وحيث يحتفل المؤمنون والمؤمنات بمولده (صلى الله عليه وآله وسلّم)، جدير بالأمة العودة إلى الثقلين (كتاب الله والعترة الطاهرة)، لتنتشل نفسها من مستنقع التكفير والتعصب والتطرف، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يؤكد بقوله وفعله وتقريره على حرية الفكر والعقيدة، فكان يكرم وفود المشركين، ويسعى في دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان يجادلهم بالتي هي أحسن، ومنذ اليوم الأول الذي صدع فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم برسالة الإسلام الحقة، دعا الناس إلى الالتزام بوحدانية الله (عز وجل)، ورفض كل القيود والأغلال التي تكبل حرية الإنسان).

ونحن نحتفل بمولده الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم)، حري أن نتذكر، إن الذي يدخل الحزن إلى قلب مَنْ أرسل (رحمة للعالمين)، تفاقم مظاهر الظلم والقهر والانحراف والفساد والجوع والجهل والبطالة والمرض والعنوسة والأيتام والأرامل، وهي ظواهر أتخم بها مشهد العالم الإسلامي، بالرغم من أن الله تعالى أنعم على بلاد المسلمين بثروات عظيمة، يقول الإمام الشيرازي الراحل: (المجتمع الإسلامي في زمن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم، لم يعان من أزمة البطالة وتأزم فرص العمل، إذ إن الجميع آنذاك كان بوسعه أن يعمل ويكد لعياله وأسرته بكل حرية، دون أن يحتاج إلى إجازة، أو دفع ضريبة، أو ما أشبه).

وبعد التجارب العديدة والمريرة، على مدى عقود، اليوم باتت القناعة راسخة، بأن أس الأزمة التي يعيشها المسلمون، بل عموم البشرية، هو الابتعاد عن القيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام، وهو ما ينبغي الدعوة الى القيم النبوية، في ذكرى المولد النبوي، لخلق رأي عام بالاتجاه الصحيح، الذي يصل بنا (مجتمعات وأنظمة حكم) إلى حلول، ثم الى حياة كريمة، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أفضل إنسان، وصاحب خير منهج، فمن ذا الذي لا يحب أن يتبع المنهاج الأفضل، أو ينتسب إلى النظام الأمثل؟! ففي الإسلام مواد ثلاث التي بمجموعها لم يسبق لها في التاريخ مثيل، ولم يعقبها حتى اليوم نظير، فلا يوجد في معظم بلاد العالم (لا ضريبة على الإرث)، كما لا يوجد في أي قانون اليوم (قانون ضمان الدولة لجميع ديون الميت)، كما لا يوجد (تكفل أية دولة لجميع حاجات العائلة التي لا معيل لها ولا مورد)، هذه المواد لما أعلنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أسلم بسببه الكثير من الكفار، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: أن سبب إسلام كثير من الكفار كان بعد هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم).

اضف تعليق