سينشر صاحب العصر عند ظهوره الأمن والأمان للبشرية التي قضت عمرها في الاضطراب والخوف من الحروب والجور والمخاطر التي تهدّد حياتها وتنغّص عليها رغد العيش، وبعد أن تعيش البشرية الفقر والحرمان والجوع يطل عليها عالم آخر مليء بالانتعاش والغنى بحيث لايبقى فقير إلا واستغنى حتى تصبح الثروات لا قيمة لها...

من الاسئلة الهامة في قضية ظهور الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو معرفة الذي سيجلبه للبشرية من خيرات وبركات. 

فماذا ينتظر العالم في عهدظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ؟

والسؤال الأهم هو: ما فائدة الاطلاع على ما سيحقّقه إمام الزمان (عليه السلام) للبشرية عند ظهوره؟

قبل أن نتعرض إلى ما تنتظره البشرية من بركات وخيرات في عهد إمام الزمان (عليه السلام) نجيب على السؤال الأخير وهو: ما فائدة الاطلاع على ما سيحقّقه للبشرية عند ظهوره؟

فنقول: لو عرفت البشرية ماذا سيقدّم لها موعود السماء من بركات وخيرات فإنّ شوقها إليه سيكون أكثر واستعدادها للقائه وتهيّؤها لمجيئه سيكون أفضل، فضلاً عن تأكيدها وإصرارها على الاتصال به وتتبّع أخباره حتى يظهر وتنتهي آلام الانتظار التي قطعت نياط قلوب المنتظرين.

وأمّا ما سيحقّقه الإمام الحجّة (عليه السلام) للبشرية عند ظهوره فأفضل طريق إلى ذلك هي أخبار أهل بيت الوحي (عليهم السلام)، لأنهم تعرضوا إلى النعم والبركات التي سيجلبها الإمام المهدي (عليه السلام) للعالم ومن ذلك: 

العدالة الواقعية

 في عالم الظلم والطغيان ومع إعاثة الظلمة ظلمهم في العالم بأسره تتجلّى عظمة الإمام المهدي (عليه السلام) الذي سيبيد الجبابرة والعتاة ويقضي على الطغاة وينشر العدالة الحقيقية التي حرم منها الناس طيلة حياتهم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1).

وعن أبي وائل، قال: نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ابنه الحسين (عليه السلام)، فقال: (إنّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله سيّداً، وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم فيشبهه في الخلق والخلق يخرج على حين غفلة من الناس وإماتة من الحق وإظهار من الجور والله لو لم يخرج لضرب عنقه، يفرح لخروجه أهل السماء، وسكانها يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(2).

وبطبيعة الحال فإنّ البشرية وهي تعاني مضض الظلم وتتجرع آهات الجور يحق لها أن تستبشر بظهور إمام همّام كهذا يسعدها بالعدالة ويجعلها تعيش تحت ظل القسط.

الأمن والأمان

 سينشر صاحب العصر والزمان (عليه السلام) عند ظهوره الأمن والأمان للبشرية التي قضت عمرها في الاضطراب والخوف من الحروب والجور وما أشبه ذلك من المخاطر الصعبة التي تهدّد حياتها وتنغّص عليها رغد العيش، وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له قائلاً: (حتى تمشي المرأة بين العراق والشام، لاتضع قدميها إلاّ على النبات، وعلى رأسها زبيلها، لايهيجها سبع، ولا تخافه)(3).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : (وتخرج العجوز... الضعيفة من المشرق، تريد المغرب لايؤذيها أحد)(4).

الانتعاش المعيشي

بعد أن تعيش البشرية الفقر والحرمان وتقاسي مضض الجوع وما أشبه من مشاكل الفقر يطل عليها عالم آخر مليء بالانتعاش والغنى بحيث لايبقى فقير أو محتاج إلا واستغنى حتى تصبح الثروات لا قيمة لها!

وإلى ذلك يشير رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث له قائلاً: (أبشّركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً.

فقال رجل: ما صحاحا؟

قال: بالسوية بين الناس، ويملأ الله قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وآله) غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا ينادي يقول: من له في المال حاجة؟

فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول: ائت السدان ـ يعني الخازن ـ فقل له: إنّ المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيقول له: أُحث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً أعجز عمّا وسعهم فيرده ولايقبل منه، فيقال له: إنا لانأخذ شيئاً مما أعطيناه)(5).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: (يتنعّم أمتي في زمن المهدي (عليه السلام) نعمة لم يتنعموا قبلها قط: يُرسل السماء عليهم مدراراً ولاتدع الأرض شيئاً من نباتها إلا أخرجته (6).

الأُلفة والمحبّة

 في عهد إمام الزمان (عليه السلام) تنتشر المحبّة والألفة والمودّة بين الناس بعد أن يكونوا متخاصمين كل منهم يسعى جاهداً من أجل أذيّة أخيه في البشرية.

ولايخفى أن إيجاد الألفة بين القلوب يحتاج الى عناية خاصة وولاية تكوينية عامة بحيث يؤلف بين قلوب البشرية على خلافاتها واختلاف مشاربها وكثرة نزاعاتها الشديدة وعداواتها المكنونة.

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (قلت يا رسول الله: أمنّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا بل منّا يختم الله به الدين كما فتح بنا، وبنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك، إخواناً في دينهم)(7).

إعزاز الدين

 وهذا من أهم الأمور التي يجلبها بقية الله الأعظم (عليه السلام) للبشرية حيث يعزّ الإسلام والعقيدة بعد أن تكالب الطغاة والمنافقون على محوه فيعيد للإنسانية عزّة الدين ويجعلها تلامس بنفسها عزّ الإسلام، فعن حذيفة، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه، ويفرُّ منهم بقلبه فإذا أراد الله عزّوجلّ أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كلّ جبّار عنيد وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها فقال (عليه السلام) : يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه، ويظهر الاسلام لايخلف وعده وهو سريع الحساب(8).

تكامل العقول

 في عهد إمام العصر (عليه السلام) تتكامل العقول البشرية وتنضج الألباب ويصبح الناس حكماء فقهاء، وإلى ذلك يشير الإمام الباقر (عليه السلام) قائلاً: (تؤتون الحكمة في زمانه ـ أي الامام المهدي (عليه السلام) ـ حتى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله)(9).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إذا قام قائمنا (عليه السلام) وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكمُلت بها أحلامهم)(10).

وغير هذه الأمور من البركات والسعادات التي يجلبها الإمام المهدي (عليه السلام) معه للبشرية، ولهذا فمن المفترض أن تدرك البشرية أنها تنتظر كل خير بانتظارها لإمام الزمان (عليه السلام) ولو اطّلع الناس على مثل هذه الأمور وأدركوا حقيقته لماتوا شوقاً إليه، إلا أنّه يبقى القول: أنّ أمامهم وظيفة تتجسّد في خدمته والتعجيل في ظهوره.

......................................... 

 (1) عمدة عيون صحاح الأخبار: 433.

 (2) غيبة النعماني: 214.

 (3) الخصال: 2/626.

 (4) تفسير العياشي: 2/61.

 (5) كشف الغمة: 2/483.

 (6) روضة الواعظين: 2/485.

 (7) شرح الأخبار: 3/384.

 (8) كشف الغمة: 2/473.

 (9) غيبة النعماني: 239.

 (10) الكافي: 1/56.

اضف تعليق