وكل التاريخ الإسلامي يقرُّ ويقول بأن الإمام الحسين (ع) هو إمام الأمة الحق، فكيف يبايع ويعطي الشَّرعية لمثل يزيد الشر؟ وهو الذي قال رسول الله (ص) بحقه وحق أخيه الأكبر: (الحسن والحسين إمامان، قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)، وهل يحتاج هذا الحديث المعروف إلى شرح وتبيين وإثبات...
ولد الإمام الحسين (ع) في المدينة ليلة الجمعة 3 شعبان 3 للهجرة / يناير 626 م
مقدمة عقلية
الإنسان هذا المخلوق المكرم من خالقه حيث أنه جعل له كرامة عنده، ويريد أن يقرِّبه زلفة لديه، ولكن ما هو سبب هذه الكرامة، وما يميِّز الإنسان عن غيره من مخلوقات الله تعالى؟ ولقد أجمع العلماء وأهل الفكر الحق أن الله كرامة الله تجلَّت في هذا الإنسان كفرد بأن وهبه العقل والإرادة وأعطاه الحرية ليختار العمل الصحيح الحق، ويترك العمل الخطأ الباطل، وكل إنسان أكمل الله له رشده بالعقل كلَّفه وشرَّفه من أجل أن يرفعه ويُدنيه من محلِّ قدسه، وهذا يكون له العقل رسولاً من الداخل.
وأما الكرامة للإنسان كنوع -أي الإنسانية- تجلَّت كرامة الله لهم بأن أرسل لهم رسُلاً منهم ليرشدوهم ويدلوهم على الصحيح ويأمرونهم به، والخطأ وينهونهم عنه، وجعلهم من اللياقة ليخاطبهم الله فأنزل إليهم كتباً من عنده وهي عبارة عن خارطة طريق للإنسانية لكي تسير في طريقها الصحيح إلى الله وتدع طرق الشيطان وسُبله الكثيرة في هذه الحياة، وكان هذا النبي أو الرسول هو عقل من الخارج فتتكامل النِّعمة على الإنسان، ولذا قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)، فالكرامة الكاملة للإنسان هي من الله الذي جعله خليفته في بناء واستعمار هذه الأرض، التي هيَّأها لحياة وسعادة وكرامة هذا المخلوق المميَّز جداً عن غيره من المخلوقات، وهذا الجعل الرَّباني -في الحقيقة- هو غاية الكرامة والفضل من الله عليه، لأنه جعله مكانه يتصرَّف في هذا الكون كما يشاء، ولكن مَنْ هو الخليفة الحقيقي لله في هذا الكون؟
قال تعالى مخاطباً الملائكة ومبيناً طبيعة هذا الخليفة قبل أن يخلقه أصلاً: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، فما هي طبيعة هذا الخليفة؟ وما هي طبيعة هذه الخلافة؟ ولماذا اعترضت الملائكة قبل وجوده؟ ولماذا قدَّمت عبادتها الواجبة كفضيلة لها؟ وبالتالي لماذا ردَّها الله تعالى وأسكتها بالحجة؟
خلافة الله الحقيقية
عندما يتكلم الباري تعالى يُبيِّن محض الحق، وعندما يريد فإرادته ماضية وأمره بين الكاف والنون، ولكنه حكيم في كل شيء ومن حكمته أراد أن يجعل في هذه الأرض خليفة له ليعمِّرها بالطاعات والإصلاح، والحكمة الرَّبانية البالغة تقتضي أنه يختار الأفضل والأعدل والأصلح من البشر قاطبة، فلا يمكن أن يختار نبياً، أو رسولاً أو لياً ويكون في الدنيا أفضل منه أو أعلم أو أعدل منه فهذا خلاف الحكمة، ولذا قال: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص: 68)، وليس للبشر أي رأي في هذا الاختيار الرَّباني لأن البشر ناقص في كل شيء، ولا يملك الناقص مع الكامل شيئاً.
والإمامة كالنبوة والرسالة شأن رباني محض لا خيرة ولا خيار للبشر فيه وإلا لو كان لهم من الأمر شيء فها نحن بعد أربعة عشر قرناً ونصف من الزمن وليس هناك نبي أو رسول بعد الرسول الأعظم محمد المصطفى (ص) فلماذا لا ننتخب نبياً رسولاً ليقود العالم في هذا المعترك الحضاري لا سيما وأننا أصبحنا حوالي ثمانية مليارات من البشر وكان يرسل إلى القرى الصغيرة أنبياء ورسل كصالح، ويونس وحتى كان يرسلهم إلى أقوامهم فقط، فما أحوج الإنسانية اليوم لمصلح كبير ليصلح هذا الفساد الذي عمَّ الكرة الأرضية وطمَّها بمزيد من المصائب والكوارث الكونية لأنها يصدق عليها قول ربنا سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)، فلا فساد في كل شيء كما هو اليوم فقد أفسد الطغاة البر والبحر والجو، والأديان، والأخلاق، والاقتصاد والسياسة والثقافة وحتى الأعراف فسدت بما صنعت يد الإنسان الآثمة من كوارث إنسانية وعالمية وحتى كونية كمسألة الدفئية وثقب طبقة الأوزون.
فالعالم اليوم يحتاج إلى ذلك المصلح العظيم الذي يكون فكره وهمَّته بحجم العالم أجمع، والمسألة أعظم والحاجة ألح عند أتباع السيد المسيح عيسى بن مريم (ع) لأنه غاب عنهم قبل أكثر من عشرين قرناً، وأن الفساد عندهم أعظم بل إنهم منبع الفساد في الأرض، فهم تخلوا عن السيد المسيح وعن دينه وعن إيمانهم وحتى عن أخلاقهم في زحمة الحضارة الرقمية، فمَنْ يزورهم يجد أنه لا إله ولا دين ولا أي قيمة عندهم إلا الحياة مادة، وعادوا إلى الجاهلية وهم في قمَّة الحضارة الرقمية، (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثية: 24)، فلماذا لا يختارون نبياً أو رسولاً لينقذ هذه الأرض التي فيها من أسلحة الدَّمار الشَّامل ما يدمِّرها أكثر من 150 مرة، عدا عن كل الأسلحة النارية التقليدية الأخرى؟
لا يمكنهم ذلك ولو ضربوا رؤوسهم في السماء، وذلك لأن مبعوث السماء يأتي أمره من السماء، وهو المقصود بالخليفة في بداية الخلق، ولذا جاء بلفظ المفرد ولم يأتِ بلفظ الجمع حتى لا يشتبه على الناس الأمر فيقولون إن المقصود هو النوع الإنساني وليس الشخص المعيَّن، فنقول لهم: كلا بل المقصود هو الفرد والشخص المحدد والمعيَّن من قبل وهو النبي، أو الرسول، أو الإمام والولي الذي يختاره الله ليقود البشرية إلى الصلاح والإصلاح وليس النوع الإنساني لأنه خلاف الحكمة، وها هي الأعراف الدولية في كل الأنظمة ومختلف الحكومات والدول يقولون: إنه لا بدَّ من حاكم واحد على رأس الحكومة حتى ولو كانت ديمقراطية إلى العظم أو النخاع، بل وحتى في الأحزاب الشيوعية التي أثبتت الحياة فشلها والبشرية رمتها في مزابل التاريخ إلا عندنا ما زال البعض يتمسَّكون بها عناداً لا قناعة فكرية كانوا يضعون شخصاً ورئيساً على قيادتهم.
وهذا ما نعرفه من السيرة الإنسانية في هذا الكون فأول إنسان كان نبياً وهو آدم (ع) وله كان وصياً وهو هابيل ولكن سيف البغي والشيطان وحب الظهور والدنيا جعلوه شهيداً بيد أخيه قابيل، وشهادته لم تلغ مكانته السامية عند الله وعند عباده، ولم تُثبت للقاتل أي فضيلة كان يتمتع بها المقتول، بل فضحته وجعلته لعنة للتاريخ والأجيال إلى الآن، وكذلك كل مَنْ أتي بعدهما فالخليفة الرباني المنصوص عليه من السماء، والمنصوب من الرسول الأكمل هو الخليفة الحقيقي مهما جرى عليه على أيدي أبناء قابيل القاتل المجرم، ولم يكسبهم أي صفة من صفاته الكمالية الربانية.
علينا أن نفقه هذه الحقيقة وننظر إلى تاريخنا الإسلامي العظيم بهذه العين ونقول الحق مهما كان مراً فآن الأوان أن نعرف الحق وأهله فنؤمن بهم ونتولاهم، ونعرف الباطل وأهله فنكفر بهم ونتبرأ منهم، لأنهم سبب كل ما أصابنا من وهن وتشتت وتفرقة في هذا العصر ونحن نعدُّ المليارين إلا أننا لا قوة ولا هيبة ولا سلطان لأننا تركنا سلطان الحق المنصوص والمنصوب من الله ورسوله واتبعنا السلطان الباغي الجائر الذي أخرج الناس والأمة من دين الله أفواجاً، بخضوعها له وبالتالي عبادتها لأولئك المجرمين الطغاة من حكامها وصدق رسول الله (ص) عندما قال لنا محذراً: (خذوا العطاءَ ما دام عطاءً فإذا صار رشوةً على الدِّينِ فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه يمنعُكم الفقرَ والحاجةَ، ألا إن رحا الإسلامِ دائرةٌ فدوروا مع الكتابِ حيثُ دار، ألا إن الكتابَ (القرآن) والسلطانَ سيفترقانِ فلا تفارقوا الكتابَ، ألا إنه سيكونُ عليكم أمراءُ يقضون لأنفسِهم ما لا يقضون لكم، فإن عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم.. قالوا: يا رسولَ اللهِ كيفَ نصنعُ؟ قال: كما صنع أصحابُ عيسَى بنِ مريمَ نُشِروا بالمناشيرِ وحُمِلوا على الخشبِ موتٌ في طاعةِ اللهِ خيرٌ من حياةٍ في معصيةِ اللهِ). (مجمع الزوائد: 5/241 والطبراني: (20/90) (172)، وأبو نعيم في حلية الأولياء: (5/165)، والخطيب في تاريخ بغداد: 3/398)
وهذا ما جرى بكل دقة وأمانة في هذه الأمة فقد افترقت الأمة عن القرآن وأحكامه فهجرته وهو الشَّاكي عليها إلى الله تعالى على لسان رسولها الأكرم بقوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30)، حيث هجرته من حياة النبي الأكرم (ص) حين رفض رجال قريش من الصحابة أن يأخذوا بما أمرهم به رسول الله بحديث متواتر عندهم، وهو حديث الثقلين حيث قال لهم في حجة الوداع مراراً وتكراراً كما في حديث زيد بن أرقم الصحيح: (قَامَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَآله) يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ، فيه الهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به، فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: وَأَهْلُ بَيْتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي). (صحيح مسلم: ح2408 والحديث: صحيح)
ولكن جماعة قريش -الصحابة، والمنافقين، والمؤلفة قلوبهم، وأتباعهم- رفضوا قول وأمر رسول الله (ص) رفضاً قطعياً وتمسَّكون برأيهم وما قاله مندوبهم ولسانهم الناطق باسمهم في يوم الخميس حيث قال: (قدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ، (هجر، أو يهجر)، وعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنا كِتابُ اللَّهِ). (البخاري: ح4432، واللفظ له، ومسلم: ح1637 والحديث صحيح لا غبار عليه)
كما أن رسول الله (ص) وضعهم جميعاً في سرية وجيش أسامة بن زيد وأمرهم بالخروج من المدينة فكان يخرجهم في النهار بالقوة والشرطة فيهربون ويعودون في الليل ويتراكضون إلى السقيفة المشؤومة لينفِّذوا مؤامرتهم على الإسلام وقيادته الشرعية، كما جرى في التاريخ المعروف، الذي كُتب بأيدي وتحت إشراف رجال السلطة القرشية وبنسختها الأموية البغيضة وهي حكومة الأكباش المروانية التي تذوق الأمة منهم يوماً أحمرا كما أخبر أمير المؤمنين الخليفة الشَّرعي والإمام الحق على هذه الأمة فقد جاء في الرواية: (أخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل فاستشفع بالحسن والحسين إلى أمير المؤمنين (عليهم السلام)، فكلماه فيه فخلَّى سبيله فقالا له: يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فقال (عليه السلام): (أَولَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ ـ لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِه إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّه لَغَدَرَ بِسَبَّتِه أَمَا إِنَّ لَه إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَه ـ وهُوَ أَبُو الأَكْبُشِ الأَرْبَعَةِ، وسَتَلْقَى الأُمَّةُ مِنْه ومِنْ وَلَدِه يَوْماً أَحْمَرَ). (نهج البلاغة: خ73)
فهؤلاء الحكام لم يكونوا خلفاء لله تعالى بل كانوا سلاطين وحكام استولوا على الحكم بالكيد والحيلة والغدر وكل أسباب الوصول إلى الحكم وحكموا الأمة بالسيف وسفك الدماء أو بالحديد والنار كما يقال في الأدبيات المتأخرة، فأين لهم الخلافة الربانية والسلطان الإلهي الحق؟ فهم حكام الإنقلابات العسكرية الظالمة المجرمة التي لا يهمها سفك الدماء وقتل الأبرياء مهما كانت مكانتهم عند الله ولذا بدأوا حكومتهم بالهجوم على بيت الرِّسالة ليحرقوه وبنت المصطفى الوحيدة وعيالها فيه، فاطمة الزهراء التي يغض الله لغضبها ويرضا لرضاها، فلم يتأثَّموا من إضرام النار في بابها واقتحام البيت وهي تصرخ وتنادي بهم ثم بأبيها رسول الله (ص) فلم يرجعوا بل عصروها خلف الباب فكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها ولطموا خدَّها وعينها باليد، وضربوا متنها بالسيف، ودخلوا بيتها وهو ذلك البيت الذي قال لهم الله فيه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور: 37)، وكان بيت فاطمة من أفاضل تلك البيوت كما يروي خليفتهم الأول.
الإمام الحسين (ع) خليفة الله
وإذا تبينت الحقيقة يمكن أن نقول ونصحح هذا اللبس التاريخي العجيب القائل: بأن الخليفة يزيد والحسين خرج على خليفة الله فقُتل بشريعته، أو كما قال قائلهم: (إن الحسين قُتل بسيف جدّه)، لأنه خرج على الحاكم الظالم يزيد الشَّر، وقال أبي بكر ابن العربي الأندلسي في كتابه العواصم، قال رسول الله (ص): (ستكون هنات، فمَن أراد أن يفرّق أمر هذه الأُمّة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان)، فما خرج عليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جدّه (ص)". (العواصم ص ٢٣٢)
فتمسَّكوا بهذا الهراء وجعلوا يزيد الفاسق الفاجر خليفة الله ويحكم في الأمة كما يريد ويقتل مَنْ يرد حتى لو كان سبط رسول الله وخليفة الله الحق، وإمام هذه الأمة المنصوص عليه والمنصَّب من جده رسول الله (ص)، والعجب من قولهم بصحة خلافة يزيد وهم يروون حديث النبي (ص): (لا يزال أمر اُمّتي قائماً بالقسط حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني أُميّة يقال له يزيد). رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ عن مسند أبي يعلى والبزاز وفي الصواعق المحرقة ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه (ص): (أول مَنْ يبدِّل سُنتي رجل من بني أُميّة يقال له يزيد)، وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري باب قول النبي (ص) : (هلاك أُمّتي على يدي أغيلمة من أُمّتي)، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (هلكة أُمّتي على يدي غلمة من قريش)، قال ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري ج ١٣ ص ٧ : كان أبو هريرة يمشي في السوق ويقول: (اللهم لا تدركني سنة ستين ولا أمارة الصبيان)، قال ابن حجر: أشار بذلك إلى خلافة يزيد فإنها في سنة ستين ولم يتعقبه"، فكيف هذا الحاكم الظالم يكون خليفة الله على بلاده وعباده؟
وهذا بعض ما روي بحق حكومة الظلم والجور والطغيان الأموية وإلا فهم أصحاب الفتنة العمياء المظلمة التي تصطلم الأمة وتقطعها، والحكومة عليهم حرام بنص رسول الله (ص)، لأنهم من الشجرة الملعونة في القرآن، وأنهم أبغض حي لله ولرسوله في العرب، ولكن التاريخ الإسلامي كُتب بأمرهم وبأقلام أزلامهم فلم يكتبوا إلا ما راق لهم وقد شوَّهوا التاريخ كله لا سيما تاريخ الخلفاء الربانيين الذين نصبهم الله تعالى خلفاء له في أرضه كالإمام الحسين (ع) الذي اختاره الله من هذه الأمة ليكون خليفته عليها، فكم هي الآيات والروايات التي تحكي عن فضائل الإمام الحسين ولياقته ليكون خليفة الله في أرضه لأنه المعصوم من الخطأ، والمبرَّأ من أي نقص أو أن تصيبه رجاسة فهو الطاهر المطهر من كل رجس وعيب في الخَلق والخُلق.
وهذا ما اعترف به معاوية كبير بني أمية الذي علَّمهم الخروج على إمام زمانه وخليفة الرحمن في بلاده وحاكمه في عباده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ومن ثم منازعته الإمام الحسن السبط (ع) فكان يغدر ويفجر، ويفعل كل رذيلة ومنقصة في سبيل البقاء في الحكم فصالحه الإمامان الحسن والحسين (ع)، وكان في نص المعاهدة بندان عجيبان هما:
الأول: ألا يتسمَّى معاوية بأمير المؤمنين، لأنه حاكم ظالم وباغي على إمام زمانه وخليفة الله في أرضه.
الثاني: لا يحق لمعاوية أن يوصي بالخلافة والحكم لأحد من بعده فهي للحسن ومن بعده لأخيه الحسين (ع).
فالبند الأول نزع الشَّرعية من خلافة معاوية فكيف يثبتونها لدعيِّه يزيد؟ والثاني تعيِّن أن الخلافة والحكومة للإمام الحسين (ع) فمن أين جاءت شرعية خلافة يزيد يا أمة العقلاء؟ والحقيقة -أيها الناس- أن يزيد جاء على حمار أبيه الطاغية معاوية وليس له جدارة في الإنسانية وليس في الحكم فهو صبي مستهتر بكل القيم الربانية لأنه تربى عند أخواله الكلبيين النصارى في الشام ولذا هو إلى النصرانية أقرب منه إلى الإسلام، ولذا قال معاوية بلسانه الأثيم: (لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي)! (تاريخ دمشق: 59 / 14 وأنساب الأشراف: 4/ 28)
ومن أين له الرُّشد وهو مثلما وصفه أمير المؤمنين الإمام علي (ع) وهو أعلم خلق الله به صغيراً وكبيراً: (فَاحْذَرْه -معاوية- فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ، يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْه ومِنْ خَلْفِه، وعَنْ يَمِينِه وعَنْ شِمَالِه، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَه ويَسْتَلِبَ غِرَّتَه) (نهج البلاغة: ك44)، فهو الشيطان نفسه، وعمله نفس عمل الشيطان وزيادة، فهل كان الشيطان في يوم من الأيام خليفة للرحمن في أرضه وعباده، فما لكم كيف تحكمون أيها الناس؟
الإمام الحسين (ع) إمام الأمة
وكل التاريخ الإسلامي يقرُّ ويقول بأن الإمام الحسين (ع) هو إمام الأمة الحق، فكيف يبايع ويعطي الشَّرعية لمثل يزيد الشر؟ وهو الذي قال رسول الله (ص) بحقه وحق أخيه الأكبر: (الحسن والحسين إمامان، قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)، وهل يحتاج هذا الحديث المعروف إلى شرح وتبيين وإثبات الإمامة والخلافة والسلطة والحكومة للإمامين الحسنين (ع) يا أمة الإسلام؟ أو أنه واضح وضوح الشمس في رائعة النهار؟
وهذا الإمام الحسن (ع) يقيم الحجة على أصحابه بهذا الحديث المشهور فعن أبي سعيد عقيصا قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟
فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماما عليهم بعد أبي (عليه السلام)؟ قلت: بلى، قال: ألست الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت: بلى، قال: فأنا إذن إمام لو قمت، وأنا إمام إذا قعدت، يا أبا سعيد علَّة مصالحتي لمعاوية علَّة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفَّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجهه الحكمة فيما أتيته ملتبسا). (بحار الأنوار: ج ٤٤ ص٢)
هنا الحكمة وهذا هو الدِّين الحق، فالإمام الحسن هو إمام الأمة وليس معاوية الضال المضل الباغي، ومن بعده الإمام الحسين (ع) هو إمام الأمة وليس يزيد الشر الفاسق الفاجر شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة، لأن حكمة الله تأبي -أيها الناس- أن يكون الظالم الفاسق والقاتل المجرم خليفته في عباده وبلاده فما لكم كيف تفكرون وكيف تحكمون بلا حجة ولا دليل ولا برهان لا في النقل ولا في العقل ولا حتى في المنطق السليم؟
فالحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن الإمام الحسين (ع) هو خليفة الله في الأرض، وأنه هو إمام الأمة المحق، وكل مَنْ خالفه في ذلك فهو ضال مضل وباغي وعليه إثمه وإثم مَنْ قبل بقوله أو بفعله، فالإمام الحسين لم يخرج على يزيد الشر، بل يزيد انقلب على سيده ومولاه وإمامه كما فعل والده الباغي من قبل، وآن الأوان للجهر بهذه الحقيقة وإعلانها في زمن كشف الأسرار، وظهور الحقائق الدامغة، فو حق الحق لا يوجد حق إلا ما كان عليه محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
أسعد الله أيامكم يا موالين بمولد الإمام الحسين (ع) خليفة الله وإمام الأمة الحق.
اضف تعليق