فالحجة الظاهرة هي الأنبياء والرُّسل والأوصياء والأولياء والكتب المنزلة والمعاجز التي تؤيد أولئك الكرام من سادة البشر وقادتهم، وهؤلاء لا تخلو منهم الأرض وأما الحجة الباطنية التي غرسها الله في طينة الإنسان وعجينته الأولى فهي العقول، وهذه تحتاج إلى إثارة وإنارة حتى يتذكر ما غرس الله فيه...
استشهد الإمام موسى بن جعفر مسموماً في سجن بغداد في 25 رجب سنة (183) ه
مقدمة معرفية
من أهم المعارف التي يجب أن يسعى إليها الإنسان هي ما يجب عليه معرفته كالخالق سبحانه، ثم المبدأ والميعاد، وما يخلِّصه بين يدي ربه في يوم تقوم فيه الموازين للحساب، فمن الضروري أن يعرف من أين وفي أين وإلى أين سينتهي به المطاف، وإلا فلا يلومنَّ إلا نفسه وتقصيره في تحصيل المعرفة الواجبة عليه.
ويُروى كلامِ جميل لأميرِ المؤمنينَ الإمام علي (عليهِ السلام) يقول فيه: (رحمَ اللهُ امرأ عرفَ مِن أينَ، وفي أين، وإلى أين)، وذلك لأنه قال (ع): (إن لم تعلم من أين جئت، لم تعلم إلى أين تذهب)، والإنسان يعيش في هذه الحياة مرة واحدة -ودعنا الآن من تخرصات بعض الفرق الضالة في هذه الحياة- ولذا أمامه فرصة واحدة أيضاً فعليه أن يستفيد منها ليُخلِّص نفسه عند حلوله في رمسه ولقاءه ربه ورسله الكرام فيه.
العقل أساس المعرفة
ولقد احتار البشر لا سيما العلماء والفضلاء في العقل، فما هو العقل، وما حقيقته، وهل هو المخ هذه الآلة التي وضعها الله تعالى في الرأس؟ وإلى الآن العلماء في حيص وبيص في أمر العقل، وتعريفه، والعقلاء وتشخيصهم، لأن العقل ميزان جعله الله في الإنسان، ولولا الروايات الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) لما عرفنا حقيقة العقل، ومَنْ يرجع إلى كتاب الكافي الشريف لثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) يجد أنه وضع كتاب العقل في غرة كتابه وفي الباب الأول منه، حيث روى فيه 36 حديثاً وأول حديث فيه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: (لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَلَا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ).
وآخر حديث هو عَنْ حُمْرَانَ وَصَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَمَّالِ قَالا: سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: (لَا غِنَى أَخْصَبُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلَا فَقْرَ أَحَطُّ مِنَ الْحُمْقِ، وَلَا اسْتِظْهَارَ فِي أَمْرٍ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَشُورَةِ فِيهِ).
ولو تأملنا في هذه الباقة من الأحاديث الشَّريفة في هذا الباب فإننا سنغيِّر كل ما عرفناه عن العقل، ونعرف أن كل ما قاله البشر عن العقل وطبيعته ووجوده ما هو إلا تخرصات، وتنتهي إلى الجهل في العقل وحقيقته، وذلك لأن العقل مخلوق من مخلوقات الله وهبها للإنسان ليكون له رسولاً من داخل الإنسان يدُّله على خالقه ورازقه، ويؤيده حتى لا يضل برسول من الخارج وهم الأنبياء والرُّسل والأولياء (صلوات الله عليهم جميعاً).
فالعقل خلق نوراني من عالم النور والروحانية، وليس من عالم التراب والمادية الظلمانية، وهو قرين الحياء والدِّين في الإنسان، وذلك لأنه ينظر إلى الإنسان من داخله فيكسوه الحياء وما يلازمها من العفة وفضائل الأخلاق، ومن خارجه فهو بحاجة إلى التشريع والقانون الذي يحميه ويضبط حركته في حياته، ولذا جاء في الحديث الثاني من الكافي الشريف، حديث عجيب عن أمير المؤمنين حكيم الإنسانية الأرقى بعد رسولها الأعظم (ص) وهو عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: (هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَى آدَمَ (ع) فَقَالَ: يَا آدَمُ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ فَاخْتَرْهَا وَدَعِ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا جَبْرَئِيلُ وَمَا الثَّلَاثُ؟ فَقَالَ: الْعَقْلُ وَالْحَيَاءُ وَالدِّينُ، فَقَالَ آدَمُ: إِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ الْعَقْلَ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ: انْصَرِفَا وَدَعَاهُ، فَقَالا: يَا جَبْرَئِيلُ إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُ كَانَ، قَالَ: فَشَأْنَكُمَا وَعَرَجَ).
وبهذا الثلاثي الذهبي يكون الإنسان إنساناً بمعنى الكلمة ويحمل رسالة ربه له، فيكون مؤمناً بالدِّين، وفاضلاً بالمعاملة، وعاقلاً في تدبير شؤونه في هذه الحياة، وكل ذلك نعرفه من آيات القرآن الحكيم وورود كلمة العقل ومشتقاته فيها، حيث تكررت فيه تسعاً وأربعين مرة، جاءت في الجميع بصيغة الفعل، ولم تأتِ هذه المادة بصيغة الاسم في القرآن الكريم أصلاً، ولذا قالوا في معناه: بأنه عقال من الجهل، أو أنه نقيض الجهل، إذا نظرنا إلى العقل بمعنى العلم.
والمعرفة البشرية لها ثلاث مراحل هي: التَّفكر، ثم التَّعقل، ثم التَّذكر، وهذه المراحل متداخلة فيما بينها، ومبنية بعضها على البعض الآخر، والإنسان الغربي مهما كان فكره ومخه وحاول أن يعرف حقيقة عقله فإنه تراه يدوخ في أمره ويدور في حلقة مفرغة، كحمار الطاحونة -أجلَّكم الله- لأنه يجهل المبدأ والمنتهى، ولا يعرف إلا أن الدنيا مادة والحياة محصورة في هذه الأرض والنشأة، فمن التراب وإلى التراب ولا شيء غيرها، فأين حقيقة الحقائق أو الحقيقة المطلقة في هذا الكون – الله تعالى- فهو لا يعرفه أو يجهله ولا يعترف به فتراه كلما غاص بالعلم يغوص بالجهل، ويحير بنفسه ولا يهتدي إلى الحق سبيلاً، وهذه مشكلة الحضارة الرقمية المعاصرة.
الإمام موسى الكاظم (ع) والعقل
طالما قرأت ما كتبه العلماء والأدباء والفلاسفة عن العقل ولكن لم أصل إلى نتيجة ترضي عقلي، ولما قرأت هذا الباب في الكافي الشريف عرفت العقل وحقيقته، وعرفت مكمن الخطر في مسألة تناول العلماء للعقل هذا المخلوق النوراني الروحاني الذي أيَّد الله فيه الإنسان ليكون قادراً على التمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلمة، وبالتالي يتحمل المسؤولية والتكليف، ويتشرَّف بذلك لأنه قادر وصاحب إرادة في الفعل والترك وعلى هذا الأساس تكون حياته، وعليه يكون حسابه عندما تنتهي فرصته في هذه الحياة.
وأجمل ما قرأتُ ويمكن لك أن تقرأ -أيها العزيز- هو الحديث الثاني عشر من كتاب الكافي وهو عبارة عن وصية الإمام موسى بن جعفر (ع) لهشام بن الحكم في العقل، حيث جاء بها بما يشبه التفسير الموضوعي للعقل في القرآن الحكيم -كما نطلق عليه الآن- لأنه يأتي بالفكرة ويدعمها بالآية الكريمة، فجاءت الوصية كسبيكة من الدُّر مرصَّعة بأنوار الآيات الكريمة، فتكاملت الفكرة وتبلورت كاملة حيث أعطى الإمام المعنى الحقيقي، وبلور المفهوم الواقعي للعقل بسبك معجز وزاده جمالاً وبلاغة آيات القرآن الحكيم البالغة والبليغة والمعجزة.
إشعاعات كاظمية عقلية
ابتدأ الإمام موسى بن جعفر وصيته للإنسانية التي خرجت لهشام بن الحكم بسبب الظروف الاستثنائية التي كان يعيشها الإمام الكاظم (ع) من حيث التضييق، وثم الإبعاد عن الأهل والتلاميذ والمحبين، ثم إلى السجن والمطامير حيث لا يعرف الليل من النهار، فاضطر لمخاطبة الأفراد لا سيما مَنْ يجد عندهم القابلية في تحمل كلمات ووصايا الإمام (عليه السلام)، فقال (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَشَّرَ أَهْلَ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ:(فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (الزمر: 20)
يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَكْمَلَ لِلنَّاسِ الْحُجَجَ بِالْعُقُولِ، وَنَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالْبَيَانِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ بِالْأَدِلَّةِ فَقَالَ: (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: 160)، فكل ما في الكون هي آيات للعقلاء، وصدق مَنْ قال: "الإنسان عليه أن يجعل الحياة كلها بالنسبة إليه مدرسة، ومعهد، بل جامعة كبيرة يدرس فيها، وكل يوم يجب أن يتعلم من هذه الحياة، حتى ينمو ليس فقط علمه، وإنما ينمو إيمانه، وليس فقط إيمانه وإنما تنمو حكمته وعقله وأخلاقه، وكل شيء في نفسه يتكامل".
ولذا يقول الإمام (ع) موجهاً لفكرة في غاية الدِّقة والرِّقة ويقرنها بمثال عملي من التاريخ والحياة حيث قال: (يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (سورة ق: 37)، يَعْنِي عَقْلٌ، وَقَالَ: (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) (لقمان: 12)، قَالَ: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ، يَا هِشَامُ إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ: تَوَاضَعْ لِلْحَقِّ تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاسِ وَ إِنَّ الْكَيِّسَ لَدَى الْحَقِّ يَسِيرٌ يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ، فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ، وَحَشْوُهَا الْإِيمَانَ، وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ، وَقَيِّمُهَا الْعَقْلَ، وَدَلِيلُهَا الْعِلْمَ، وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ).
كم هي جميلة وحكيمة هذه الوصية من لقمان الحكيم لولده، ولنا جميعاً ولكن الإمام الكاظم (ع) يزيدها بياناً وكمالاً وجمالاً فيقول: (يَا هِشَامُ إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَلِيلًا وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمْتُ وَلِكُلِّ شَيْءٍ مَطِيَّةً وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ، وَكَفَى بِكَ جَهْلًا أَنْ تَرْكَبَ مَا نُهِيتَ عَنْهُ.. يَا هِشَامُ مَا بَعَثَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلَى عِبَادِهِ إِلَّا لِيَعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلًا وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلًا أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، فدليل العقل التفكُّر في أمر الله، وفي خلق الله، وآياته الكثيرة المبثوثة في هذا الكون كما أشارت الآيات القرآنية، وأمرت البشر أن يتفكَّروا بها ليعقلوا عن الله تعالى، وذلك لأن لله تعالى الحجة البالغة على الإنسان هذا المخلوق المكرَّم بالعقل والفهم والإرادة.
بيان الحجة في الإنسان
من كمال الحجة عليه ما بيَّنه الإمام الكاظم (ع) في وصيته العقلية حيث قال: (يَا هِشَامُ إِنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ (ع)، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ).
في هذه الجملة التي أوجز فيها الإمام الكاظم (ع) خُلاصة وجود الإنسان ورسالته في هذه الحياة، وإذا لم يعقل هذه الحقيقة لن يعقل عن الله شيئاً ولن يعرف العقل وحقيقته في نفسه وتأثيره عليه وعلى حياته كلها، وذلك لأن هذا الكون يقوم بالحجة ولا بدَّ من وجودها كما في الرِّواية عن الإمام الصَّادق (ع): (اَلْحُجَّةُ قَبْل اَلْخَلْقِ، وَمَعَ اَلْخَلْقِ، وَبَعْدَ اَلْخَلْقِ)، ولو خلت الدنيا لحظة بلا حجة لساخت بأهلها، لأن الحجة علَّة وجود الإنسان وهو علة وجود الخلق، والحجة تتكامل فيما بين الخالق والمخلوق المكرم بأن جعل له حجة خارجية تهديه وتسدده وتؤيده، وحجة داخليه تنير له طريقه، وتدله على الحق في الخلق.
فالحجة الظاهرة هي الأنبياء والرُّسل والأوصياء والأولياء والكتب المنزلة والمعاجز التي تؤيد أولئك الكرام من سادة البشر وقادتهم، وهؤلاء لا تخلو منهم الأرض وهم المعنيون بقيام وحفظ الأرض ومَنْ عليها، ومنها جاء المثل القائل: (لو خلت لخربت)، وهو من أمثال العجائز وإيمانهم عندنا.
وأما الحجة الباطنية التي غرسها الله في طينة الإنسان وعجينته الأولى فهي العقول، وهذه تحتاج إلى إثارة وإنارة حتى يتذكر ما غرس الله فيه من بداية الخلق ولذا قال حكيم الدَّهر أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في خطبته الرائعة في بيان مهمة ووظيفة الأنبياء والرسل في بني البشر: (ووَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَه لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِه، ويُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِه، ويَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، ويُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ)، فالحجة الظاهرة تثير الحجة الباطنة وتوجهها إلى ما غرس الله فيها فتتذكره، وإلى ما بثَّ في الكون من خارجها فتتعلمه فتكتمل الحجة على الإنسان العاقل.
ويطول الوقوف وشرح هذه الدُّرة الكاظمية النورانية فعلاً ولكن أحببت أن أثير هذه المسألة في هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم وضاع العقل ودُفن تحت ركام عجيب من الجهل البسيط، والأعجب منه الجهل المركب ففي الحضارة الرقمية، وثورة الاتصالات، وهذه النهضة العلمية العملاقة يزداد الإنسان المعاصر جهلاً بنفسه وربه وما يُراد منه، ولذا علينا أن نتمسَّك بدعاء الغريق كما يقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أبو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (سَتُصِيبُكُمْ شُبْهَةٌ فَتَبْقَوْنَ بِلا عَلَمٍ يُرَى وَلاَ إِمَامٍ هُدًى وَلا يَنْجُو مِنْهَا إِلاَّ مَنْ دعَا بِدُعَاءِ اَلْغَرِيقِ، قُلْتُ: كَيْفَ دُعَاءُ اَلْغَرِيقِ؟ قَالَ يقُولُ: (يَا اللَّهُ يا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ يَا مُقَلِّبَ اَلْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، وفي دعاء عظيم آخر نقول فيه: (اللَّهُم عَرِّفْني نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْكَ، وَلَمْ أَعْرِفْ رَسُولَك اللَّهُم عَرِّفْنِي رَسُولَك فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَك لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُم عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي، اللَّهُم لاَ تُمِتْنِي مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلاَ تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي).
السلام على الإمام المظلوم المسموم موسى بن جعفر في يوم شهادته المفجعة وعظم الله أجركم يا مؤمنين.
اضف تعليق