الإمام الحسن قاسى ظُلامات مريرة قلّما قاسى مثلها أحد في التأريخ، وللأسف الشديد قلّما سُلّطت الأضواء على ظُلاماته (عليه السلام) واستُقصيت بالشكل المناسب ليعرف العالم مدى ظلامته ومرارة ما تجرّعه. انّ من أعظم الظلامات التي لاقاها هي ظلامته من أصحابه حيث بلغ الأمر ببعضهم أن يبعث...

من الأمور المهمّة في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) والتي كثر حولها الكلام والنقد والإبرام هي مسألة صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان، فمثل هذا الصُلح منذ عهد الإمام (عليه السلام) حتى اليوم أثار تساؤل الكثير من الناس.

وقد خاض جملة من أهل التحقيق ميدان البحث حول صلح الإمام الحسن (عليه السلام) واستعرضوا كثيراً من الوجوه وقدّموا دراسات وأبحاثاً قيّمة في هذا المضمار، ومع ذلك مازالت أبواب هذا الموضوع مشرّعة على مصراعيها أمام أهل النظر والتحقيق.

ولا غرابة في ذلك فإنّ مسألة الصلح بمكان من الغموض بحيث إنّ بعض كبار أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) لم يستوعبوا حقيقته وتجاسروا على إمام زمانهم بكلمات يندى لها جبين التأريخ.

 من هنا وجدت من الجدير بنا أن نقف هنيئة ونتأمّل قليلاً في هذا الصلح الذي بسببه تجرّأ البعض على الإمام الحسن (عليه السلام) يخاطبه بقوله: (يا مُذلّ المؤمنين)، والحال أنّ الأمر بالعكس، فإنّ الإمام (عليه السلام) بصلحه أعزّ المؤمنين وقد نص الإمام على ذلك، فقال: (لست مُذلاً للمؤمنين، ولكنّي معزّهم)(1).

من هنا وجدت من الضروري أن أسلّط الأضواء على صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) ولكن بنظرة أخرى ليتضح لعامة الناس كيف أعزّ الإمام (عليه السلام) المؤمنين.

ظلامة الإمام الحسن (عليه السلام) 

وقبل البحث حول صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ودوره في عزّة المؤمنين لابد من التعرض إلى مطلب في غاية الأهمية ألا وهو مظلومية الإمام الحسن (عليه السلام) الذي قاسى ظُلامات مريرة قلّما قاسى مثلها أحد في التأريخ، وللأسف الشديد قلّما سُلّطت الأضواء على ظُلامات الإمام الحسن (عليه السلام) واستُقصيت بالشكل المناسب ليعرف العالم مدى ظلامته ومرارة ما تجرّعه صلوات الله عليه.

وبنظري القاصر أنّ من أعظم الظلامات التي لاقاها الإمام (عليه السلام) هي ظلامته من أصحابه حيث بلغ الأمر ببعضهم أن يبعث إلى معاوية -كما في الحديث-: (فإنّا معك، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك، ثم أغاروا على فسطاطه، وضربوه بحربة، واُخذ مجروحاً)(2).

وقال الإمام الحسن (عليه السلام): (والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً)(3).

وبقي الإمام (عليه السلام) يقاسي الظلامة طيلة حياته بحيث إنه كان يتعرض بين الحين والآخر لاغتيال بغيض، وقد نقل أنّ محاولات الاغتيال التي تعرّض لها بلغت السبعين(4).

ماذا لو لم يُصالح الإمام الحسن (عليه السلام)؟

قد يتساءل البعض ويقول: ماذا كان يحصل لو لم يبايع الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية؟

أليس أنّ معاوية -بعد الصُلح- أباد الشيعة وانتقم منهم أشد الانتقام؟

فماذا حقّق صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) للشيعة؟

وفي جوابه يقال: يظهر من كلام الإمام الحسن (عليه السلام) أنّ معاوية كان يريد الانتقام من الشيعة قاطبة ولا يُبقي منهم أحداً أبداً وهذا مايظهر من قوله (عليه السلام): (لولا ما أتيت لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قُتل)(5).

وقوله (عليه السلام): (ما أردت بمصالحتي إلا أن أدفع عنكم القتل)(6).

ولذا اشترط الإمام الحسن (عليه السلام) على معاوية أن يمنح الأمن العام للشيعة، فمن بنود الصُلح هو: (أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا)(7).

وسيتضح في طيات البحث كيف أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) بصلحه مع معاوية حدّ من بطشه وحال دون أن ينتقم معاوية من الشيعة وجعله يقتصر بالانتقام على من رفضوا الانصياع له.

الصُلح خير

لا كلام في أنّ الصُلح بشكل عام هو خير بنص قوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}(8).

إنّما الحديث في خيرية صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) للأمة وآثاره الحسنة على المواليين خاصة.

فقد تخيّل البعض أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) بصلحه اختار صلاح نفسه وقدّم مصلحته الشخصية على مصلحة الأمة والحال أنّ الأمر بالعكس، فقد قدّم الإمام الحسن (عليه السلام) مصلحة وصلاح الأمة على نفسه وتحمّل تجاسر الأصحاب الذين لم يدركوا الهدف من صُلحه.

ولكي يتضح للجميع أنّ صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان خيراً للأمة نستنطق النصوص ومنها: 

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (والله للذي صنعه الحسن ابن علي (عليه السلام) كان خيراً لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشمس، والله لقد نزلت هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ}(9)، إنّما هي طاعة الإمام وطلبوا القتال؟

فلما كتب عليهم القتال مع الحسين (عليه السلام)، قالوا: {قَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}(10)أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام) (11).

وقال الإمام الحسن (عليه السلام): (والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلُعت عليه الشمس أو غرُبت)(12).

صُلح أم بيعة؟

ولكي يتجلى لنا فائدة صلح الإمام (عليه السلام) أكثر نتعرّض إلى ما اتفق عليه الإمام (عليه السلام) ومعاوية، فنقول: تصور البعض أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) بايع معاوية بالخلافة، والحال أنّ الشواهد تنفي ذلك ومنها: 

أولاً: أنّ المصادر التأريخية يظهر منها أنّه لم يكن بينهما غير المعاهدة والهدنة.

يقول يوسف بن مازن الراسبي: فسمعت القاسم بن محيمة يقول: ما وفى معاوية للحسن بن علي صلوات الله عليه بشيء عاهده عليه(13).

وقال الإمام الحسن (عليه السلام) لزيد بن وهب الجهني: (والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي، وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني)(14).

وفي الحديث أنّه (عليه السلام) قال: (إنّما هادنت حقنا للدماء)(15).

ثانياً: لو سلّمنا أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) بايع معاوية فلا يعقل أنّه بايعه على الخلافة الإلهية، لأنّها منصب إلهي وتعيين سماوي وليس من حق الإمام (عليه السلام) التنازل عنها لأحد.

ويشهد لذلك قول الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون لمّا عرض عليه الخلافة فقال له: (إن كانت الخلافة لك وجعلها الله لك، فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك)(16).

نعم لو فرضنا أنّه بايعه على الخلافة الدنيوية وحكومة الناس فلا ضير بذلك إذا كان لأمر أهم ولأسباب خارجة عن إرادة الإمام (عليه السلام).

اعتراض الأصحاب على الصُلح

لمّا صالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية اُبتلي باعتراض العديد من أصحابه ممّن لم يعرفوا مقام الإمام الحسن (عليه السلام) ولا الحكمة في مصالحته بل قادهم الحماس والجهل إلى التجاسر على إمام زمانهم والتهجّم عليه، وقد بلغ الأمر ببعضهم أن يخاطبه بقوله: يا مُذلّ المؤمنين.

وقال بعضهم: السلام عليك يا مُذلّ رقاب المؤمنين.

وقال بعضهم: يا مُذل المؤمنين ومسوّد الوجوه، وغير ذلك من الكلام الذي يشيب له الرأس. 

أسباب الصلح

معرفة الأسباب التي حدت بإلإمام الحسن (عليه السلام) إلى قبول الصُلح لها مدخلية كبيرة في صياغة النظرة نحو عمل الإمام (عليه السلام)، وكما يقال: إذا عُرف السبب بطُل العجب.

فلم يكن الإمام الحسن (عليه السلام) راغباً بمصالحة معاوية بل أعدّ العدّة وجهز الجيوش لقتاله وهمّ بمقاتله ولكن وللأسف هناك عدّة أمور جعلته يتراجع عن مقاتله والقبول بالصلح.

وقبل التعرّض إلى بعض أسباب صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) نقول: إنّ الصُلح فعل وكما يقال: الفعل ما لم يُحط بالقرائن لاظهور له، فلا علم لنا بالسبب الرئيسي الذي حدى بالإمام إلى أن يُبايع معاوية، نعم صرّح الإمام الحسن (عليه السلام) في أكثر من موضع أنّ صلحه فيه مصلحة كما صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال (عليه السلام) لأبي سعيد: (علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية)(17).

وقال (عليه السلام) لمّا عذلوه على الصلح: (لا تعذلوني، فإنّ فيها مصلحة)(18).

وفي موضع آخر شبّه الحكمة التي حدته إلى الصُلح مع معاوية بقضية الخضر وموسى، فقال: (ألا ترى الخضر (عليه السلام) لمّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام) فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي؟)(19).

إذن عدم معرفتنا بالسبب الذي قاد الإمام (عليه السلام) إلى الصلح لا يعني خلّوه من المصلحة بل أقصى ما يقال أنّ المصلحة فيه خفيت علينا، ولذا ينبغي التسليم لفعل المعصوم (عليه السلام) الذي لا ينطق عن الهوى ولا يفعل شططا.

نعم هناك عدّة أمور ربما تكون وراء صلح الإمام (عليه السلام) ومنها: 

1- قلّة الناصر: لم يحظ الإمام الحسن (عليه السلام) بأصحاب بالمستوى ليقاتل بهم جيوش معاوية، بل إنّ أكثر من كانوا حوله كانوا من أصحاب المصالح المتذبذبين، ولذا كان (عليه السلام) يذمّهم في مواضع عديدة.

قال (عليه السلام): (والله ما سلمت الأمر إليه إلا أنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل الكوفة، وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل، إنّهم لمختلفون، ويقولون لنا: إنّ قلوبهم معنا، وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا)(20).

2- خذلان الناصر: قال (عليه السلام): (أرى الناس يقولون: إنّ الحسن بن علي بايع معاوية طائعاً غير مكره، وأيم الله ما فعلت حتى خذلني أهل العراق، ولولا ذلك ما بايعته ولا نعمة عين)(21).

وهذا تصريح جلي منه (عليه السلام) أنّه لم يكن لديه أنصار بالمستوى ليقاتل بهم معاوية.

وقال (عليه السلام): (ولكنّي عرفت أهل الكوفة، وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل، إنّهم لمختلفون، ويقولون لنا: إنّ قلوبهم معنا، وأنّ سيوفهم لمشهورة علينا)(22).

3- حفظ الشيعة: من أهم الأمور التي دعت الإمام الحسن (عليه السلام) أن يصالح معاوية هو حفظ الشيعة من جور معاوية الذي كان يكيد لهم المكائد ويخطط لإبادتهم من الوجود وذلك لولائهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ونصرتهم له في حروبه ضده.

ولذا اضطر الإمام الحسن (عليه السلام) أن يصالح معاوية حفظاً لأرواح الشيعة ولكي يحول دون تحقّق أهداف معاوية في إبادتهم.

فقد قال (عليه السلام) في كلام له مع سليمان بن صرد الخزاعي: (أنّي لم أرد بما رأيتم إلا حقن دمائكم، وإصلاح ذات بينكم... وأمّا قولك: يا مُذلّ المؤمنين، فوالله لأن تذلّوا وتعافوا أحب إلي من أن تعزّوا وتقتلوا، فإن ردّ الله علينا حقّنا في عافية قبلنا، وسألنا الله العون على أمره، وإن صرفه عنّا رضينا، وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنا)(23).

وقال (عليه السلام) لمّا دخل عليه الناس بعد الصُلح: (ويحكم ما تدرون ماعملت؟ والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت)(24).

4- حقن الدماء: كان الإمام الحسن (عليه السلام) يعلم أنّه لو حارب معاوية فإنّ ثمن هذه الحرب هي إراقة دماء المسلمين ومن ثم إمّا ينتصر الإمام (عليه السلام) وهو بعيد جداً- وعلى فرضه- فلن يسلم الإمام (عليه السلام) من تُهم الناس وتهجّمهم عليه ورميهم له بأنّه ولغ في دماء المسلمين من أجل السلطة والرئاسة ولم يرع حرمة الدماء.

وإمّا أنّه يخسر الحرب وبالتالي إمّا يضطر إلى الصُلح مجبوراً أو يُقتل فيمن يُقتل.

وعلى كل حال فإنّ في الصُلح مع معاوية حفظ دماء المسلمين وإلى ذلك يشير الإمام الحسن (عليه السلام) قائلاً: (إنّما هادنت حقناً للدماء وصيانتها، وإشفاقاً على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي)(25).

وقال (عليه السلام): (وإنّ معاوية نازعني حقاً هو لي، فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها)(26).

بنود الصُلح

من الأمور التي لها مدخلية عظيمة في معرفة دور الإمام الحسن في عزّة المؤمنين هو الاطلاع على بنود الصلح الذي عقده الإمام (عليه السلام) مع معاوية، ولا أتصور أنّ أحداً ممّن رمى الإمام (عليه السلام) بأنه أذل المؤمنين اطلع على أبعاد هذه البنود ومغازيها بنظرة فاحصة.

 ولذا ينبغي أن نقف قليلاً عند هذه البنود ونتأمّل فيها ليتضح لنا ماذا كان يُريد الإمام (عليه السلام) من الصُلح، علماً أنّ المؤرخين ذكروا أنّ الإمام (عليه السلام) هو الذي حدّد هذه البنود.

يقول الزهري: أرسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه ما شئت فما اشترطت فهو لك(27).

وبالفعل لمّا صالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية اشترط عليه عدّة شروط توحي إلى أمور هي في غاية الأهمية، وتنتهي في الأخير إلى فضح معاوية للعالم، وبيان حقيقته على أنّه غير ملتزم بمثل هذه الشروط.

ومن أهم بنود الصُلح هي: 

1- أن يعمل معاوية بكتاب الله ويسير على نهج الإسلام.

ولا يخفى عليك أنّ من لوازم العمل بكتاب والسير على نهج الإسلام هو عدم غصب الخلافة وإرجاعها إلى صاحبها الحقيقي وهو الإمام الحسن (عليه السلام) لأنّه الخليفة الواقعي.

ولم يشترط الإمام (عليه السلام) ذلك على معاوية إلا لعلمه أنّه بعيد كل البعد عن كتاب الله عزّ وجل ولا يمكنه الالتزام بهذا البند من الصلح وأنّه سينكث في الأخير العهد ويعلن للجميع مخالفته لكتاب الله.

2- أن تكون الخلافة للإمام الحسن (عليه السلام) من بعده، ولو لم يكن فللإمام الحسين (عليه السلام).

وواضح أنّ الإمام (عليه السلام) اشترط عليه ذلك وهو عالم باتجاهاته السيئة، وأنّه سيوكل الأمر من بعده إلى ابنه يزيد فعمد (عليه السلام) إلى المنع دون ذلك.

3- الأمن العام: وهذا الشرط يكشف مدى حرص الإمام الحسن (عليه السلام) على الرعيّة من المسلمين، خاصة الموالين منهم حيث ورد في الصُلح أن لا يأخذ أهل العراق بإحنّة ما مضى، وهو يعلم طبع معاوية وأنّه لن يصفح ويغض الطرف عن الموالين وأهل العراق بالذات لنصرتهم أهل البيت (عليهم السلام) ومحاربتهم إيّاه.

ولنرى كيف تعامل معاوية مع المسلمين كافة والشيعة خاصة وهل أنه وفّر لهم الأمان والتزم بعهده أو لا.

يقول ابن أبي الحديد: (روى أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا وما لقى شيعتنا ومحبّونا... وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) فقُتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد)(28).

4-ترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام): وهذا الشرط يكشف أنّ معاوية كان يسبّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل كان يدعو إلى سبّه والنيل منه لذا اشترط عليه الإمام (عليه السلام) أن يكف عن هذا السب ولكنّه لم يرتدع عن ذلك بل بمجرد أن رجع من الصلح أمر بجمع الناس وقام فيهم خطيباً، فقال: (أيّها الناس: إنّ رسول الله قال لي: إنّك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدّسة فإنّ فيها الأبدال، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب فلعنوه)(29).

وقد جعل معاوية سب أمير المؤمنين (عليه السلام) سنّة جارية في خطب الجمعة والأعياد، فكان يخطب الناس ويقول في آخر خطبته: (اللهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك، وصدّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً، وعذّبه عذاباً أليماً، فكانت هذه الكلمات يُشاد بها على المنابر، ثم كتب إلى جميع عمّاله وولادته بلعن أخي رسول الله وسيّد هذه الأمّة، فانبرى الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنونه ويبرؤون منه)(30).

وقد استمرت هذه السنّة بعد معاوية إلى عهد عمر بن عبدالعزيز الذي منع من سب أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر، يقول الجاحظ في(العثمانية): (حدّثنا أبو اليقظان قال: قام رجل من ولد عثمان إلى هشام ابن عبد الملك يوم عرفة، فقال: إنّ هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبى تراب)(31).

5- الأمن العام للشيعة: تعرّض الشيعة أيام معاوية بن أبي سفيان إلى حرب إبادة شاملة.

يقول الإمام الباقر (عليه السلام) بما جرى على الشيعة في عهد معاوية حيث قال لبعض أصحابه: (يافلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبّونا من الناس...إلى أن يقول: وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) فقُتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو هُدمت داره)(32).

أقول: بعد ما ذكر يتضح لك عزيزي القارئ دور صلح الإمام الحسن (عليه السلام) في عزة المؤمنين ومدى جهالة أولئك الذين تجاسروا على مقامه الشريف واتهموه بأنه مذل المؤمنين.  

........................................... 

(1) الأخبار الطوال: 221.

(2) بحار الأنوار: 44/45.

(3) الاحتجاج: 2/10.

(4) دلائل الإمامة: 160.

(5) علل الشرائع: 1/211.

(6) الأخبار الطوال: 221.

(7) كشف الغمة في معرفة الأئمة (عليهم السلام): 1/533.

(8) سورة النساء: 128.

(9) سورة النساء: 77.

(10) سورة النساء: 77.

(11) الكافي: 8/330.

(12) كمال الدين: 316.

(13) علل الشرائع: 1/212.

(14) الاحتجاج: 2/10.

(15) مناقب آل أبي طالب^: 3/196.

(16) أمالي الصدوق: 126.

(17) علل الشرائع: 1/211.

(18) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 3/197.

(19) علل الشرائع: 1/211.

(20) الاحتجاج: 2/12.

(21) الملاحم والفتن: 229 /332.

(22) الاحتجاج: 2/12.

(23) الإمامة والسياسة: 1/142.

(24) كمال الدين: 316.

(25) مناقب آل أبي طالب^: 3/196.

(26) أنساب الأشراف: 3/43.

(27) تأريخ مدينة دمشق: 13/272.

(28) شرح نهج البلاغة: 11/43.

(29) شرح نهج البلاغة: 4/72.

(30) شرح نهج البلاغة: 4/56-57.

(31) العثمانية: 284.

(32) شرح نهج البلاغة: 11/43.

اضف تعليق